مخاوف فلسطينية: الأونروا تنهار ثم التوطين؟
بقلم: طوني عيسى
الأنظار في لبنان مُنصبّة على احتمالات
توطين النازحين السوريين واقعياً. ولكن، خلف الستارة، هناك نصف مليون فلسطيني قطعوا
أشواطاً في مسار التوطين الواقعي. وفي ليل التسويات الشرق أوسطية مخاوف من تكريس التوطين
قانونياً.من المفارقات أن يعيش حاكمان لمصرف لبنان، من موقعين مختلفين، وبفارق ربع
قرن بينهما، تجربة المواجهة مع التوطين في لبنان. الأوّل مع توطين الفلسطينييين، والثاني
مع توطين السوريين:
في كانون الثاني الفائت، وقف حاكم مصرف
لبنان الدكتور رياض سلامة في وجه الوفد البريطاني الذي زاره قبَيل مؤتمر لندن الخاص
بدعم اللاجئين السوريين، رافضاً طلبه إقرار إجراءات تقود إلى توطين النازحين إلى لبنان.
ونُقِل عنه قوله للوفد ما معناه: «أنتم تطلبون مِنّا أن نطلق النار على رؤوسنا، وقد
تتسبَّبون بحرب أهلية عندنا».
وقبل ربع قرن، تعرّض الرئيس الياس سركيس،
الذي جاء أيضاً إلى القصر من حاكمية مصرف لبنان، لضغوط بالنار لإجباره على توقيع توطين
الفلسطينيين في لبنان. وتحت عنوان «الياس سركيس كما عرفتُه»، يروي الأب يوسف مونّس،
خلال مؤتمر في الجامعة الأنطونية عام 2009، بعض الوقائع.
يقول: «كانت ليلة مجنونة من القصف والقنابل
المتساقطة على قصر الرئاسة. وكان سايروس فانس وزير خارجية أميركا (في عهد جيمي كارتر)
قادماً ليقابل الرئيس سركيس في الصباح (...) ونزل الرئيس الى الملجأ تحت الأرض مع أقرب
المقرّبين اليه، أذكر منهم جوني عبده وفؤاد بطرس والياس الهراوي ورينيه معوض. وطلبني
إلى الكسليك لأصعد اليه (...) جلستُ معه وباحَ لي: هذا القصف لقتلي أو لكسر إرادتي
ولتوقيع التوطين.
ثم أضاف (الرئيس): يا بونا بدُّن يقتلوني
إذا ما بوقِّع بكرا مع فانس على توطين الفلسطينيين في لبنان. وأنا لن أوقّع، أرجوك
أن تحفظ هذا السرّ في قلبكَ لوَقته، وتعرف لماذا يريدون أن يهدموا القصر الجمهوري على
رأسي. صَلِّ لي. ودمعت عيناه وقبّلني وصَليّنا معاً، وأعطيتُه البركة، وودعتُه، وذهبت».
اليوم، ومع انطلاق مسار المفاوضات في جنيف
حول سوريا، يصِل إلى لبنان، الخميس المقبل، الأمين العام للأم المتحدة بان كي مون يرافقه
رئيس البنك الدولي جيم يونغ كيم، في جولة تشمل الأردن أيضاً، وتهدف خصوصاً إلى مناقشة
ملف النازحين السوريين والفلسطينيين، وتتضمّن زيارات لبعض تجمّعاتهم.
وستنتهي الجولة بتونس التي منها ينتقل بان
كي مون إلى جنيف حيث يُعقد في 30 آذار مؤتمر هو الأول من نوعه، لتوزيع المسؤوليات بين
الدول في ملف اللاجئين. واللافت هو أنّ جنيف ستكون على موعد للبحث، بالتزامن، في الملف
السوري من الوجهة السياسية - العسكرية، عبر المفاوضات، وفي موضوع اللاجئين أيضاً. وهذه
إشارة إلى أنّ الترابط مطلوب بين الحلول السياسية والديموغرافية في سوريا.
أمّا ملف النازحين الفلسطينيين فالمطلوب
وَضعه وملف النزوح السوري في سلّة نقاش واحدة، لإنجاز خطوات في الملفين معاً. وهذا
يعني أنّ إسرائيل، المَعنية بملف اللاجئين الفلسطينيين، تريد التخلّص من مأزقها الكياني،
بأَبعَاده الديموغرافية، من خلال عملية خَلط مقصودة بين شعوب اللاجئين في الشرق الأوسط.
وهذه المحاولة الإسرائيلية تندرج في سياق خطة طويلة الأمد يجري تنفيذها منذ عشرات السنين،
والحرب الأهلية اللبنانية كانت إحدى نتائجها.
واليوم، إلى أين وصلت المؤامرة في ملف النازحين
الفلسطينيين؟
في الأشهر الأخيرة، بدأت وكالة «الأونروا»
تسحب يدها تدريجاً من النازحين، بتقليص الخدمات الإنسانية. وهذا ما أدى إلى بروز نقمة
عارمة في المخيمات، يجري التعبير عنها بردود احتجاجية متصاعدة، ويتمّ خلالها إقفال
مكاتب المنظمة في المخيمات وخارجها، وحتى المركز الرئيسي في بيروت.
ويقول بعض القيِّمين على الحراك الاحتجاجي
إنهم يمتلكون معلومات عن اتجاه دولي إلى إلغاء «الأونروا» وجعل اللاجئين الفلسطينيين
في العالم من مسؤولية المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التي تتولّى أيضاً إدارة ملف
اللاجئين السوريين.
فالمسؤولون الإسرائيليون يضغطون في السنوات
الأخيرة، لدى الولايات المتحدة والقوى الدولية الكبرى، لإلغاء «الأونروا» في اعتبارها
المنظمة الوحيدة التي تتولّى فيها الأمم المتحدة رعاية لاجئين خارج المفوضية العليا
للاجئين.
والذريعة الإسرائيلية هي أنّ «الأونروا»
هي الإطار الوحيد في العالم الذي يكرِّس توارث الأجيال لصفة اللاجئ، ما يخالِف مفهوم
اللجوء في القانون الدولي.
وهذه المحاولة الإسرائيلية للتلاعب بمفهوم
اللجوء الفلسطيني هي عمق الخطة التي يجري تنفيذها ببطء وهدوء، ولكن بثبات. فـ»الأونروا»
لها صفة متميِّزة لأنّ قضية الشعب الفلسطيني وحيدة من نوعها في العالم، ولأنّ المنظمة
مَعنيّة بشَعب جرى اقتلاعه بكامله من أرضه، وممنوع عليه أن يعود إليها. وإذا ما جرى
إلغاؤها، باعتبارها شاهداً على العودة، فسيفقد هذا الشعب خصوصية العودة. وهذا هدف إسرائيل.
فـ«الأونروا» قامت على أساس القرار 194،
في كانون الأول 1948، بناء على تقرير أعدّه الموفد الدولي الكونت فولك برنادوت، الذي
كان قد اغتيل في القدس في أيلول ذلك العام، أي قبل إصدار القرار الدولي. وهي الإطار
القانوني الوحيد الذي ينصّ على الحقّ في العودة.
لذلك، يعمل الإسرائيليون لكي تبلغ «الأونروا»
الانهيار التام، فتتولّى مفوضية اللاجئين إدارة ملف الفلسطينيين كأيّ لاجئين آخرين
في العالم، أي من دون خصوصية الحقّ في العودة.
ولذلك، تتسارَع خطوات الانهيار بالتزامن
مع مفاوضات التسوية في الشرق الأوسط. والمطلوب هو دفن قضية العودة وإنهاؤها تماماً
بدمجها مع ملف الجماعات النازحة من كل كيانات الشرق الأوسط الآيلة إلى التفتُّت وإعادة
التركيب. وبذلك، تضيع تماماً أيّ مطالبة بالكيان الفلسطيني الذي لن يكون هناك مبرِّر
لوجوده كأحد كيانات سايكس- بيكو، ما دامت الكيانات الأخرى قد سقطت.
وتتناقل جهات فلسطينية مُتابِعة معلومات
عن وجود اتجاه لدى أعضاء في الكونغرس الأميركي لطرح تشريعات ترمي إلى أن توقِف الولايات
المتحدة حصّتها من تمويل «الأونروا» فتنهار، ويجري استبدالها بقرار دولي ينقل مسؤولية
اللاجئين الفلسطينيين إلى المفوضية العليا التي تتولى دفع التعويضات لهم ولليهود الذين
فقدوا أملاكهم في الدول العربية عندما غادروها.
عندئذٍ، تضيف هذه الجهات، سيتمّ تثبيت فلسطينيي
الشتات حيث هم، مع بعض التعديلات وفقاً لخصوصية بلدان اللجوء. وعلى الأرجح، سيجري توزيع
القسم الأكبر على البلدان التي تهتم باستقبال اللاجئين، ككندا وأوستراليا.
وهنا لن تكون الاعتبارات الأمنية ذات شأن،
على ما يبدو. فأوروبا خائفة من اللاجئين السوريين. وأمّا اللاجئون الفلسطينيون فمقيمون
منذ سنوات طويلة في المجتمعات الأوروبية من دون مشكلات تُذكَر.
وهذا ما يدفع إلى السؤال:
هل الجهات التي تصطاد في ماء «الإرهاب»
السوري تتجنّب توريط الفلسطينيين فيه، لإبقاء صفحتهم بيضاء، وتسهيل عملية استيعابهم
المطلوبة في أوروبا، باعتبارهم «جالية مُسالمة»؟ وإذا كان هذا السؤال في محلِّه، فهذا
يفضح تماماً مَن يورّط السوريين في الإرهاب، أي: مَن صَنع «داعش» وأخواتها؟
ولكن، هل سيكون على لبنان أن يستوعب نصف
مليون فلسطيني موجودين على أرضه؟
الجهات إيّاها تقول: «إجراءات «الأونروا»
ستثير نقمة اجتماعية هائلة تؤدي إلى هجرة قسم من الفلسطينيين المقيمين من لبنان، أمّا
الباقون فسيجري توزيعهم بين لبنان ودول أخرى غنيّة، ولا سيما في الخليج العربي».
وتضيف: «راقِبوا التدابير الخليجية التي
ربما تقضي بإبعاد فئات من الشيعة اللبنانيين. عندما يترك هؤلاء أمكِنتهم هناك، ستتمّ
الاستعاضة عنهم بفلسطينيين سُنَّة. أليس هذا منطق الفرز المذهبي الذي سيجري تكريسه
للتقسيم والتوطين معاً؟ أليس التقسيم والتوطين في الشرق الأوسط وجهين لعملة واحدة؟
المصدر: الجمهورية