مدرسة الشجرة
إيمان بشير
ما تشترك فيه فلسطين مع لبنان، أو ربما كل العالم، هو أن المدرسة أيام زمان كانت عبارة عن الأستاذ وبعض من التلامذة الجالسين على الأرض مستعدين لذلك الكف أو تلك الخيزرانة التي كانت تأتيهم من حيث لا يعلمون لأي سبب كان: خطأ في الإملاء، خطأ في القواعد، نسيان آية من القرآن أو الإنجيل، نسيان إحضار تفاحة للأستاذ.. إلى آخره. وإن كانت كل المدارس أيام زمان تشترك في أن اسم أغلبها كان «كُتّاب»، إلا أن ما كانت تشترك فيه المدارس الفلسطينية هو أنها في أغلبها كانت تُسمى «الشجرة». لست متأكدة من معلوماتي التاريخية في ما يتعلق بذلك الاسم، لكنني أعرف أن أمي تعلّمت في مدرسة «الشجرة» في مخيم القاسمية ــــ لبنان، وجدي تعلّم في مدرسة «الشجرة» في الجليل ــــ فلسطين، وكل من أعرف تقريباً تعلّم في مدرسة «الشجرة». ربما سمّوها كذلك لأنهم كانوا يجلسون تحت شجرة خلال تعلمهم، تماماً كما تسمّى مدارس لبنان «تحت السنديانة»، ولكن أي نوع من الشجر كانت هذه؟ فالله أعلم!
كانت أُمي تمشي مسافات في كُل يوم للوصول إلى المدرسة تحت الشمس الحارقة في الصيف وتحت المطر في الشتاء، فمن طلب العُلى سهر الليالي ومشى آلاف الأمتار، واضطر أيضاً إلى الانتقال من مدرسة «الشجرة» إلى مدرسة المدينة بعد الانتهاء من المرحلة الابتدائية، أي إن المسير سيصبح أطول بكثير عند الصف السابع، أو، وكما كانت تفعل الكثير من الفتيات، الاكتفاء بـ«فكّ الخط» أي القراءة والكتابة. لا تختلف مدرسة الأونروا في مخيم القاسمية عن وضع مدرسة «الشجرة» التي كانت موجودة في المخيم نفسه قبل عشرات السنين. فتلامذة الأونروا اليوم يمشون أيضاً عشرات الأمتار للوصول إلى المدرسة الموجودة على سفح التلال المقابلة، تحت الشمس وتحت المطر، وهم أيضاً مضطرون إلى الانتقال إلى إحدى مدارس مدينة صور لتكملة تعليمهم الأكاديمي. لكن حال اليوم ليست كحال البارحة، ورأي ستّي أُم ناصر «إللي معوش شهادة جامعة هالأيام بيسواش قشرة بصلة!». معها حق، أليس معظم أبناء القاسمية اليوم ممن لم تتح لهم الفرصة لتكملة تعليمهم، يشتغلون في جلي الصحون في ألمانيا؟ أما بالنسبة إلى بنات خالي فهن يطلبن العلم ولو في الصين، والسفر إلى صور هو حلم بالنسبة إليهن. أما الجامعة، فهي المبتغى الأسمى.
أذكر عندما كانت تسألني ستّي إن كنتُ أجيد فكّ الخط، كنت أجلس إلى جوارها أقرأ لها الرسائل الواردة من ألمانيا أو أميركا لأولادٍ لها غادروا للبحث عن لقمة العيش.
كانت تطلب مني أن أحكي لها الرسائل بالعامية، وتطلب مني الرد عليها. فتحكي، وتحكي وتحكي، ولا مرة خلص الحكي، حتى خلص الورق ولم تعد تأتينا أيّ رسائل.
المصدر: جريدة الأخبار اللبنانية