مدى تأثّر الانتفاضة بخلافات الفلسطينيّين حول أهدافها
ووسائلها
بقلم: عدنان أبو عامر
تعيش الساحة السياسيّة الفلسطينيّة حالة من عدم الاتّفاق حول طبيعة
المواجهات الحاصلة مع الإسرائيليّين منذ أواخر أيلول/سبتمبر وأوائل تشرين
الأوّل/أكتوبر الماضيين، بين من يعرّفها بالانتفاضة، وآخر يصفها بالهبّة الشعبيّة،
وثالث يعتبرها احتجاجات على اقتحامات إسرائيل المسجد الأقصى.
السلميّة والمسلّحة
ترى معظم القوى والتنظيمات الفلسطينيّة ضرورة استمرار هذه الانتفاضة، مثل
حماس وفتح والجهاد الإسلامي والجبهتين الشعبية لتحرير فلسطين، والجبهة الديمقراطية
لتحرير فلسطين، حتّى تحقيق أهدافها التي لم يتّفق الفلسطينيّون في مجموعهم عليها
بعد، سواء كانت وضع حدّ للسياسة الإسرائيليّة ضدّ المسجد الأقصى، أم العودة إلى
المفاوضات مع السلطة الفلسطينيّة، أم وقف عجلة الاستيطان في الضفّة الغربيّة.
وقال عضو اللجنة المركزيّة لفتح جمال محيسن لـ"المونيتور" إنّ
"فتح تدعم الهبّة الجماهيريّة في المناطق الفلسطينيّة، من دون استخدام
السلاح، لأنّ استخدامه قد يحجّم المشاركة الجماهيريّة، لكنّ حركته لا تضمن أيّ
ردّات فعل قد تحدث خارج نطاق مناطق السلطة الفلسطينيّة، بسبب الجرائم الإسرائيليّة
المتلاحقة".
فيما اعتبر عضو المكتب السياسيّ لحماس محمود الزهّار في 20 تشرين الأوّل/أكتوبر أنّ
"ما يجري في القدس والضفّة الغربيّة هو انتفاضة بكلّ معنى الكلمة، وقد فشل
المشروع الصهيونيّ أمام شبّان يحملون الحجارة والزجاجات والسكاكين، وكل من ينادون
بعدم عسكرة الانتفاضة يخشون على مصالحهم الشخصيّة".
يكشف هذان التصريحان السابقان الخلاف الجوهريّ بين فتح وحماس، في
تشخيصهما الانتفاضة، ورؤيتهما لمآلاتها، والأدوات المستخدمة خلالها، بين فتح
المطالبة بإبقائها شعبيّة سلميّة، وحماس الداعية إلى ضرورة تسليحها وعسكرتها، وهذا
ليس خلاف على الأساليب الشكليّة فحسب، بل على مضمون الانتفاضة، وجوهرها.
لم يتوقّف خلاف الفلسطينيّين على توصيف الانتفاضة فحسب، بل أعلنت حماس في
2 تشرين الثاني/نوفمبر أنّ
السلطة الفلسطينيّة اعتقلت بين يومي 1-31 أكتوبر 103 من عناصرها في مدن الخليل
وطولكرم ورام الله وجنين، وبيت لحم وقلقيلية ونابلس وسلفيت وطوباس في الضفّة
الغربيّة.
هذا يعني أنّه في ذروة المواجهة الفلسطينيّة مع الإسرائيليّين، لا يبدو
أنّ السلطة الفلسطينيّة في طريقها إلى كسر قواعد اللعبة مع إسرائيل، وقد ترى في
هذه الهبّة الشعبيّة فرصة لـتحريك المفاوضات معها، وليس لتحرير الأراضي المحتلّة.
وهناك فرق جوهريّ بين الهدفين، وسيتبعهما خلاف في الأدوات المستخدمة ضدّ
الإسرائيليّين.
وقال عضو المكتب السياسيّ للجبهة الشعبيّة لتحرير فلسطين جميل مزهر
لـ"المونيتور" إنّ "الانتفاضة حقّقت إنجازات مباشرة وسريعة، وأدّت
إلى تراجع الاحتلال عن استباحة المسجد الأقصى، وشكّلت رادعاً للمستوطنين، لكنّ
الركيزة السياسيّة لحماية الانتفاضة تتطلّب التحلّل من اتّفاقيّة أوسلو، والتزاماتها
الأمنيّة والاقتصاديّة".
فيما طالب عضو المكتب السياسيّ لحركة الجهاد الإسلاميّ محمّد الهندي في 29 تشرين الأوّل/أكتوبر
السلطة الفلسطينيّة بألّا تساوم على الانتفاضة بالدخول في مفاوضات عبثيّة مع
إسرائيل، أمّا الفصائل فتحتاج إلى أن تراجع سياساتها بعيداً عن الانتهازيّة
السياسيّة.
تشير مراجعة سريعة لمواقف الفصائل الفلسطينيّة إلى نقاط ضعف الانتفاضة،
خصوصاً انقسام الفلسطينيّين منذ عام 2007، ممّا قد يشكّل التهديد الأبرز للانتفاضة، لكنّ
المثير أنّ خلافات الفلسطينيّين لم تقتصر على الفصائل، وهو أمر متوقّع، نظراً إلى
حساباتها الحزبيّة، فيما ارتفعت أصوات عدّة في الأيّام الأخيرة من كتّاب
فلسطينيّين معروفين يطالبون بعدم الاستعجال في الانتفاضة قبل الاتّفاق على
أهدافها.
فقد نشر رئيس مركز مسارات للأبحاث هاني المصري مقالاً في 27 تشرين الأوّل/أكتوبر،
عمّا اعتبره جدلاً فلسطينيّاً حول سلميّة الانتفاضة وعسكرتها، وحول ما إذا كان
هدفها تحريك عمليّة السلام، أم إنهاء الاحتلال؟
أمّا الصحافيّ الفلسطينيّ المشهور محمّد دراغمة، فكتب مقالاً في 17 تشرين الأوّل/أكتوبر أثار
ضجّة بين الفلسطينيّين، حيث طالبهم بوقف هجمات الطعن ضدّ الإسرائيليّين، ممّا
استجلب ردوداً متباينة لدى الفلسطينيّين بين مؤيّد ومعارض.
وقال دراغمة لـ"المونيتور" إنّ "الانتفاضة لا تتّسم
بالتنظيم الشعبيّ، ولا قيادة لها، تنظّمها وتوجّهها وتحدّد فعاليّتها،
والفلسطينيّون لن يخوضوا انتفاضة كسابقاتها حاليّاً، فلا أمل لديهم بنجاحها بطرد
الاحتلال، ولا توجد جهّات منظّمة قادرة على قيادة الانتفاضة، فالقوى الراغبة كحماس
مستنزفة، والقوى القادرة كفتح غير راغبة في ذلك".
غزّة والضفّة الغربيّة
جزء لا بأس به من الفلسطينيّين مقتنع بأنّ الظرف السياسيّ قد لا يساعدهم
على إنجاح انتفاضتهم، ممّا يجعلهم غير منخرطين جميعاً في أحداثها، واقتصارها على
مدن عدّة في الضفّة الغربيّة كرام الله والبيرة والخليل، وغياب مدن كبيرة كنابلس
وجنين عنها، على الرغم ممّا تقوم به حماس من ضخّ إعلاميّ لإشراك الفلسطينيّين في
الانتفاضة.
وقد بلغت جرأة عضو المجلس الثوريّ لفتح حسام خضر حدّ مطالبة الفلسطينيّين
على صفحته عبر الـ"فايسبوك" في 4 تشرين الأوّل/أكتوبر بعدم
الدخول في انتفاضة ثالثة، لأنّ واقعهم الفلسطينيّ غير جاهز لتحمّل تبعاتها.
قابل الانتفاضة التي تشهدها ميادين الضفّة الغربيّة، نشاط بحثيّ وفكريّ
محموم في غزّة، التي شهدت عقد ندوات وحلقات نقاش عدّة لبحث مستقبل الانتفاضة بصورة
ملفتة، منها الندوة التي عقدها مركز الدراسات السياسيّة والتنمويّة في غزة في 31 تشرين الأوّل/أكتوبر
حضرها "المونيتور"، حول آفاق الانتفاضة وتحدّياتها.
تطرح هذه الفعاليّات حول الانتفاضة في غزّة أكثر من الضفّة الغربيّة،
سؤالاً محوريّاً في نقاش الفلسطينيّين: فهل تريد غزّة إشعال الانتفاضة في الضفّة
الغربيّة، فيما يسودها هدوء أعقب الحرب الإسرائيليّة ضدّها في عام 2014، وتخشى تكرارها، أم أنّ
النخب الثقافيّة في الضفّة ليست متشجّعة للانتفاضة، فلا تشغل نفسها بالحديث فيها؟
قال أحد الوجوه البراغماتيّة في حماس ووكيل وزارة الخارجيّة في غزّة غازي
حمد لـ"المونيتور" إنّ "هناك تحدّيات جدّية أمام الفلسطينيّين
تتعلّق في مدى امتلاكهم القدرة السياسيّة على ترجمة تضحيات الانتفاضة إنجازات
ملموسة، أم سيكتفون بحصر عدد الشهداء، وترقّب العمليّات المسلّحة ضدّ
الإسرائيليين. وماذا سيفعلون لو طالت الانتفاضة إلى أمد طويل، فهل سيديرونها
بأساليب الانتفاضات السابقة نفسها، أم سيتركونها تسير بلا أهداف"؟
قد تكون خلافات الفلسطينيّين في هذه الانتفاضة مختلفة عن سابقتيها،
الأولى في عام 1987، والثانية في عام 2000، فهي تحصل وسط انقسام
سياسيّ وجغرافيّ حادّ، يلقي بظلاله على مخاوف كلّ فصيل من تطلّعات الفصيل الآخر من
الانتفاضة، ممّا يجعلها تسير من دون خطّة ميدانيّة أو برنامج سياسيّ متّفق عليه،
ممّا لا يمنح أحد فرصة توقّع كيف ستكون نتائج الانتفاضة.
المصدر: المونيتور