مشعل يدعو إلى التركيز على البعد الشعبيّ للانتفاضة
بقلم: عدنان أبو عامر
ظهر رئيس المكتب السياسيّ لحركة "حماس" خالد مشعل للمرّة
الأولى منذ 7 أيلول/سبتمبر للحديث عن
بناء استراتيجيّة وطنية وتشكيل قيادة فلسطينيّة ميدانيّة موحّدة للانتفاضة في
الضفّة الغربيّة والقدس، لتحقيق أهدافها بإنهاء الاحتلال والاستيطان
الإسرائيليّين، وضرورة تحقيق الوحدة الفلسطينيّة وإنهاء الانقسام فوراً لضمان نجاح
الانتفاضة، وقال في لقاء عبر تقنيّة "سكايب" مع عدد محدود من الصحافيّين
والكتّاب الفلسطينيّين نظّمه الأربعاء في 4 تشرين الثاني/نوفمبر "بيت الصحافة" في غزّة، وهو مؤسّسة
غير حكوميّة، في حضور "المونيتور": إنّ الانقسام الفلسطينيّ وضعف خيارات
القيادة الفلسطينيّة وانشغال الإقليم بملفّات ساخنة وانسحاب الولايات المتّحدة
الأميركيّة من المنطقة لصالح ملفّات دوليّة أخرى واصطناع معارك مع ما يسمّى
بالإرهاب، كلّها عوامل أوهمت إسرائيل بأنّ الفرصة مناسبة لتقسيم المسجد الأقصى بين
المسلمين واليهود، لكنّ الانتفاضة فاجأتها، وكشفت خطأ حساباتها.
الوحدة الوطنيّة
إنّ الحديث عن الوحدة الوطنيّة الفلسطينيّة استغرق وقتاً طويلاً من حوار
خالد مشعل، الّذي امتدّ على مدى ساعتين، فقد شدّد على أهميّتها، ورفض أيّ سلوك
يضعف الانتفاضة ويجهضها أو يضع عوائق أمام استمرارها، آملاً في أن تحقّق أجواء الانتفاضة
ما فشلت في تحقيقه المصالحة بين حركتي "فتح" و"حماس"، من حيث
الوحدة الوطنيّة الميدانيّة.
وقد أرسل مشعل رسائل طمأنة إلى السلطة الفلسطينيّة، بقوله: الانتفاضة ضدّ
المحتلّ الإسرائيليّ، وليست لصالح طرف فلسطينيّ ضدّ غيره، بل هي مصلحة وضرورة
للجميع، وعلينا أن نعمل على إنجاحها. وشدّد على أنّ الانتفاضة مكسب لكلّ الأطراف
الفلسطينيّة، وعليها الاشتراك فيها، ولا يقوم طرف بتوجيهها كما يريد.
حدّد مشعل 4 مسؤوليّات فلسطينيّة خلال
الانتفاضة، أبرزها: إحباط تقسيم المسجد الأقصى، توفير الإرادة السياسيّة لتحقيق
الأهداف الوطنيّة، الاتفاق على استراتيجيّة مشتركة ضاغطة على إسرائيل، وتشكيل
قيادة ميدانيّة لخلق فرص سياسيّة واستثمارها، داعياً إلى عقد الإطار القياديّ
الموقّت لمنظّمة التّحرير الفلسطينيّة.
والجديد في حديث مشعل أنّه اعتبر تحرّك السلطة الفلسطينيّة على الساحة
الدوليّة أمراً جيّداً، ولم يقلّل من أهميّته، لاسيما انضمام فلسطين إلى المحكمة
الجنائية الدولية تمهيدا لرفع دعاوى قضائية ضد إسرائيل، ورفع العلم الفلسطيني في
الأمم المتحدة، لكنّ هذه الجهود على أهميتها لا تكفي لمواجهة السياسة
الإسرائيليّة، داعياً إلى وضع استراتيجيّة فلسطينيّة تزاوج بين الفعل الميدانيّ
المقاوم على الأرض، وبين السياسة والديبلوماسيّة والتحرّكين الإقليميّ والدوليّ،
وقال: "إنّ كانت انتفاضة الأقصى 2000 قد حرّرت غزّة بالانسحاب الإسرائيليّ منها عام 2005، فعلينا توجيه الانتفاضة الحاليّة لتحرير القدس
والضفّة الغربيّة بشكل كامل".
وأطلق عبارات قد تكون غير مسبوقة في خطاب قادة "حماس"، إذ قال
حرفيّاً: "لا يحقّ لحماس أن تنفرد بقرار الحرب مع إسرائيل، ولا للآخرين الانفراد
بالقرار السياسيّ". ودعا إلى وقف التّنسيق الأمنيّ بين السلطة الفلسطينيّة
وإسرائيل.
معاناة غزّة
طالما أنّ حوار مشعل كان مع أهل غزّة، فقد نالت معاناتها نصيباً وافراً
من الأسئلة الموجّهة إليه، وقد قسّم الرجل معاناتها إلى خمس مشاكل أساسيّة تتمثل
في: الحصار، الإعمار، فتح معبر رفح، رواتب الموظّفين، الميناء والمطار، وترميم
البنى التحتيّة.
وأعلن مشعل أنّ "حماس" لم ترفض تسليم إدارة معبر رفح إلى
السلطة الفلسطينيّة، بل أبدى ترحيبه بإشراف الحرس الرئاسيّ الفلسطينيّ على
المعابر، من دون إقصاء الموظّفين العاملين الّذين عيّنتهم حكومة "حماس"
السابقة في المعبر، واقترح تشكيل لجنة تحدّد طاقم عمل المعبر على قاعدة الشراكة.
ولقد أخبر الرئيس الفلسطينيّ محمود عبّاس، في وقت لم يحدّده، بأنّ
"حماس" تريد مصالحة على قاعدة الشراكة، وليس على قاعدة الإحلال
والاستبدال.
وسأل "المونيتور" مشعل سؤالاً شغل الفلسطينيّين كثيراّ في
الأسابيع الأخيرة، حول مشاركة غزّة في الانتفاضة، فقال: لا يصحّ أن نحمّل غزّة
فعلاً مقاوماّ كالّذي يجري في الضفّة الغربيّة والقدس، فغزة لديها جراحات الحرب
السابقة مع إسرائيل عام 2014، ولم تتعاف منها، و"حماس" هي ضدّ أن
تشهد غزّة حرباً جديدة، فالحروب السابقة فرضت عليها من قبل إسرائيل، لكنّ ذلك لا
يعني أن نخرج غزّة من مسؤوليّتها الوطنيّة في العمل المقاوم والمشاركة السياسيّة للانتفاضة.
واستغلّ مشعل هذا الحوار ليطالب بضرورة التركيز على البعد الشعبيّ للانتفاضة،
وهذه لفتة جديدة منه، في ظلّ جدل فلسطينيّ ثار بين يومي 10-20 أكتوبر حول عسكرة الانتفاضة،
مع أنّ "حماس"، كما قال مشعل حرفياً "تؤمن بكلّ خيارات المقاومة
وأهميّة تنسيق الجهود تحت قيادة موحّدة لتعظيم جهود الانتفاضة".
وعلى صعيد صفقة التبادل المرتقبة بين "حماس" وإسرائيل، أكّد
مشعل عدم وجود جديد في ملف الجنود الإسرائيليّين الأسرى لدى "حماس"
الّذين أسروا خلال حرب غزّة 2014، فسياسة الحركة واضحة، ولن تقدّم معلومات مجانيّة
إلى إسرائيل عن جنودها، ولن تبدأ بالتفاوض عليهم قبل الإفراج عن أسرى الصفقة
السابقة ممن تحرروا عام 2011 الّذين اعتقلتهم في حزيران/يونيو 2014.
لقد أرسل مشعل رسائل وحدويّة إضافيّة إلى الشارع الفلسطينيّ بالقول:
"إنّ حماس معنيّة بالإفراج عن القياديّ في فتح مروان البرغوثي والأمين العام
للجبهة الشعبيّة لتحرير فلسطين أحمد سعدات من السجون الإسرائيليّة، ضمن أيّ صفقة
مقبلة لتبادل الأسرى مع إسرائيل".
الانفتاح على العالم
إنّ النشاط الديبلوماسيّ الّذي قامت به "حماس" في الأسابيع
الأخيرة، نال جزءاً من حوار مشعل، إذ كشف أنّ "حماس" أجرت حوارات، من
دون تحديد موعد لذلك، مع أطراف إقليميّة ودوليّة عدّة، من بينها قطر وتركيا
وسويسرا والنرويج ورئيس الوزراء البريطانيّ الأسبق توني بلير ومبعوث الأمم
المتّحدة السابق روبرت سيري والحاليّ نيكولاي ملادينوف وأطراف أخرى للمساهمة في
حلّ مشاكل غزّة من دون أن يكون بمعزل عن الضفّة الغربيّة، فـ"حماس" ترفض
إقامة دولة في غزّة، وقال: "حماس" تتحرّك إقليميّاً ودوليّاً، ولن
تتعامل مع شروط الرباعيّة.
وكشف عن عروض أوروبيّة لـ"حماس" لزيارة لندن وجنيف. ولذلك،
فإنّ الحركة منفتحة على كلّ دول العالم، والعالم بدأ ينفتح علينا، وتزورنا وفود
كثيرة رسميّة وغير رسميّة، ومنها سريّة.
وإقليميّاً، كشف مشعل أنّه أجرى اتصالات أخيراً مع عدد من القيادات
المصريّة، لم يذكر مع من بالضبط، وأنّ الاتصالات بين الجانبين متواصلة رغم بعض
الإشكاليّات، كإغلاق معبر رفح وشقّ القناة المائيّة على حدود غزّة، وقال: علاقات
"حماس" مع إيران قائمة، ونحن حرصاء على أن نكسب كلّ الأطراف. ووصف نتائج
زيارة "حماس" لجنوب إفريقيا في 18 تشرين الأول/أكتوبر بأنّها جيّدة ومثمرة، وقال: "حماس"
لا تسعى إلى علاقات مع الدول على حساب السلطة الفلسطينيّة، لأنّنا لا نقدّم أنفسنا
إلى الدول على أنّنا معارضة، بل نقول لها إنّ العلاقة معنا ليست بديلاً عن العلاقة
مع أيّ طرف فلسطينيّ.
المصدر: المونيتور