مطارات
العرب..الفلسطيني في الترانزيت دوما
بسام البدارين
يحدثني
قادم فلسطيني من الصين بألم عن المعاملات التي يتلقاها المواطن الفلسطيني في
الكثير من المطارات العربية والأجنبية. الشاب لبى دعوة للمشاركة في مؤتمر ثقافي في
الصين وإستقل طائرة من عمان إلى أحد مطارات دولة خليجية يخطب إعلامها ليلا نهارا
في القومية والعروبة والتضامن مع الأفراد وكراماتهم وفي العمل لتحرير المسجد
الأقصى.
تأخرت
الطائرة فتقرر جريا على عادة خطوط الطيران تأمين المسافرين للمبيت في أحد الفنادق
في العاصمة الخليجية مع تأشيرات دخول طارئة. عبر الجميع ومن كل الجنسيات بإستثناء
صديقنا الفلسطيني ومرافق له من بلده والذريعة كانت عدم الإعتراف بجواز السفر
الفلسطيني وابلغ صاحبنا ورفيقه بأن عليهما البقاء في منطقة الترانزيت لأكثر من
ثلاثين ساعة لان وثيقته من النوع المحرم. تبين عند التدقيق بأن الشرطي على حاجز
الدولة الخليجية يعرف الفارق بين جواز سفر أردني كامل الأوصاف برقم وطني وجواز سفر
أردني بدون رقم وطني مخصص للمغضوب عليهم من مواطني الضفة الغربية. وتبين بأن
التعليمات في منظومة دول الخليج تمنع عبور أي مواطن يحمل جواز سفر أردنيا
مؤقتا{بمعنى بدون رقم وطني وجنسية} وبالضرورة تمنع من يحمل جواز سفر فلسطينيا…معنى
ذلك بسيط وهو أن الأخوة الأشقاء من كوادر وضباط أجهزة العسس العربية يلتزمون
يتعليمات فك الإرتباط وبمقاييس دائرة المتابعة والتفتيش الأردنية بحيث تكامل دائرة
الشقاء على المواطن الفلسطيني الذي ينتمي لأشرف شعب وأطهر أرض دون أن يمكنه ذلك من
العبور لدولة عربية تستقبل كل أنواع العاهرات ومن مختلف الجنسيات. حتى في الصين
اكتشف الشابان بأن {دولة فلسطين} التي يتحدث عنها الرئيس محمود عباس بلا رمز خاص
في المطار.
واضح
تماما أن الحكومة الأردنية لا تفعل شيئا عندما يتعامل شرطي مصري أو تونسي أو خليجي
بصورة غير لائقة مع وثيقة أصدرتها هذه الحكومة، وواضح تماما أن متابعة مسألة
سيادية من طراز إجبار الآخرين على احترام الوثيقة الأردنية المخصصة للسفر ليس من
أولويات وزارة الخارجية ولا الكم الهائل من الحمولة الزائدة التي تضم العشرات من
منتحلي صفة {سفير} بعد تم تعيينهم بالواسطة وبعيدا عن الكفاءة.
الدول
العربية تتشدق وهي تطالب الفلسطيني بالمقاومة والثبات في أرضه والحفاظ على هويته
وتشبعنا خطابات تلو أخرى عن القومية العربية وعروبة مدينة القدس دون ان تكفل
للمواطن الفلسطيني الذي يحرس شرف الأمة في أكناف بيت المقدس معاملة لائقة في
المطار أو دون ان تساويه حتى بالبنغالي أو النيبالي أو الباكستاني مع الإحترام الشديد
لكل الشعوب ولكل الجنسيات.
مكتوب
على الفلسطيني أن ينعزل في قريته أو مدينته بدعوى الحفاظ على الهوية الوطنية فيما
يتحدث الجميع بإسمه ويزاودون على قضيته ويقبضون الثمن فسادا ومالا سحتا ومؤامرات
على المواطن نفسه وشعبه وقضيته العادلة في مواجهة كيان يعادي الحياة والبشرية
نفسها ويخطط لإخضاع كل الأمة العربية. ومكتوب على المواطن الفلسطيني أن يسجن ويحرم
من حق طبيعي وبشري هو التنقل والسفر فيما يتجول قادته بصفتهم مناضلين سابقا بين
العواصم والفنادق الفارهة معانقين السجاد الأحمر الكاذب ومطالبين بوظائف {خليجية}
وأرقام وطنيبة أردنية وفرص إستثمارية مغاربية لأولادهم وأزلامهم وأقاربهم. هذا ما
يفعله تماما قادة السلطة الفلسطينية وعدد من كبار المناضلين سابقا في العواصم
العربية عندما يتحدثون فيها عن كل شيء بإستثناء فلسطين وشعبها .
من
حق الشرطي العربي أينما كان أن يشعر بالقدرة على منع المواطن الفلسطيني ما دام قد
رأى قادة هذا الشعب المنكوب وهم يتذللون لإسرائيل مقابل بطاقة {شخصية مهمة} أو
إمتياز عبور قبل الآخرين أو تصريح مغادرة..القبول بذلك وبهذا المستوى من الإهانة
والهدر يدفع كل شرطي عربي أو أجنبي للإعتقاد بحقه في إذلال المسافر الفلسطيني في
موجة عداء جماعية لم يعد من الممكن إخفاؤها ويمكن رصدها في مطارت الدول الخليجية
ومصر وبعض الدول المغاربية.
نسمع
يوميا عن مواطنين فلسطينيين يتعرضون للتأخير أو لمنع العبور وللإنتظار الطويل في
مطارات جمهورية مصر العربية وعلى المعابر مع رفح ونسمع عن وثيقة سفر فلسطينية
تحترم في أوروبا وبعض دول أمريكا اللاتينية ولا تحترم في مطارات الشقيق العربي وعن
معاملة قاسية يتعرض لها في مطارات عمان الفلسطيني الذي يحمل وثيقة سفر لبنانية وعن
إحتجاز مهين ومخجل لعشرات الفلسطينيين من حملة الوثيقة السورية في الوقت الذي عبر
فيه إلى الأردن آلاف اللاجئين من سوريا بما في ذلك أفراد عصابات روسية.
تذكرت
مقولة مهمة للزميل خيري منصور وهو عائد من أرض فلسطين حيث سألناه عن المستوطنات
على جبال نابلس الشاهقة فقال بأنه شعر بأن هذه المستوطنات ليس هدفها إحتلال وإخضاع
القدس فهي خاضعة ومحتلة لكن هدفها على الأرجح عمان ومكة والقاهرة وبغداد وبيروت
ودمشق.
وتذكرت
الزميل أحمد الشيخ وهو يقول لي في أحد مقاهي عمان: عندما تصبح شواطئنا في فلسطين
حرة سيسهر عليها الأخوة العرب بدون تأشيرة .
عواصم
العرب ليست بمنأى عن شر المشروع الصهيوني الذي يتلاعب بالمنطقة برمتها وأغلب
التقدير أن المعاملة الخشنة في المطارات العربية للمواطن الفلسطيني لا تدين هذا
المواطن بقدر ما تدين الدولة التي لا تراعي أسس الأخوة والعروبة والأخلاق وهي تكرس
إجراءات تعسفية وتمييزية ضد المواطنين الفلسطينيين حصريا. يوما ما ستتحرر فلسطين
وستتحقق نبوءة الشيخ وتصبح شواطىء فلسطين حرة ويعود المسجد الأقصى لأهله…عندها فقط
لن ألوم أي فلسطيني من ضحايا المطارات والمعابر الحدودية لو فكر مثلا بقدر من
المعاملة بالمثل عندما لا تكتمل حجة العربي والمسلم إلا بالصلاة في المسجد الأقصى
.
ما
يحصل حجة على الأنظمة العربية بالخصوص وليس على المواطن الفلسطيني الغلبان الفقير
الذي يبحث عن تمثيل بلاده هنا أو هناك أو عن معالجة طبية أو فرصة تعليمية فيما
تتجول القطط الفلسطينية السمان براحتها في العواصم لأنها قادرة إما على تدبير
شؤونها أو على رشوة العسس والأجهزة الأمنية أحيانا بالمال وأحيانا بالمعلومات.
لا
أتصور إلا مصلحة لطرف واحد وحصري فقط من وراء مثل هذه المعاملات القاسية للمواطنين
الفلسطينيين.. إسرائيل هي المستفيدة وعبر أجهزة الأمن العربية تواصل إحتلالها لوقت
الفلسطيني ومساحات تنقله وتواصل مسلسل التشريد وإرهاق الشعب الفلسطيني وأحسب أن
ذلك يحصل حتى يتحول الفلسطيني إلى عابر طريق أو عابر مطار ترهقه التفاصيل مع الجوع
والعطش وقلة فرص العلاج والتعليم وبالتالي حتى تبقى إسرائيل في حال الإسترخاء
فالجاهل والحبيس والجائع وغير المتعلم لا يحرر فلسطين بل يساعد في بقائها بحضن
الإحتلال وتلك برأيي الأهداف الأعمق لما يحصل في مطارات العرب ضد الفلسطينيين
الذين كتب عليهم البقاء في {الترانزيت} لفترة لن تطول بكل الأحوال.
القدس
العربي، لندن، 7/12/2013