معاناة فلسطينيي العراق في سورية... حصاد مرّ وجرح جديد
تامر حسن
مأساة فلسطينيي العراق نزف مستمر من جرح لا يلتئم، بل يزداد تدفقاً بتعدّد جراحاته في أماكن مختلفة، سورية وقبرص وتركيا وإندونيسيا وماليزيا وإيطاليا والبرازيل...لقد كانت تجربة فلسطينيي العراق ـ وما زالت ـ مرةً بطعم العلقم: أبواب موصدة، وصحراء مقفرة، ووصاية مؤسسات أممية مسيّسة تعاملهم كرقم مجرَّد من أيّ بُعد إنساني، عملت على التخلص من عبئهم بنثرهم كحبات الملح، موزعة إياهم على العديد من الدول بين القارات، وتركت من بقي منهم ليواجهوا مصيرهم المجهول في ظل حرب تدور رحاها في سورية، ولم يترك لهم خيار إلا البقاء بانتظار قدَرهم المحتوم، أو العودة إلى العراق، حيث هربوا من جحيمه بحثاً عن الملاذ الآمن في بحر متلاطم الأمواج، يمخرون عبابه للوصول إلى بر الأمان، حسب اعتقادهم، وكان ثمنه فقدان بضعة وعشرين منهم في غيابت البحر.
لم تكن الأزمة السورية لتمرّ على فلسطينيي العراق في سورية، الذين يُقدَّر عددهم بألفين وخمسمئة لاجئ، من دون أن يُدوَّن سطر جديد في سجل عذاباتهم وجراحاتهم، لينالوا في بداياتها معاناة ــ شأنهم كإخوانهم من فلسطينيي سورية ــ تُضاف إليها معاناتهم في تنقلهم وسكنهم، وبالأخص الأُسَر التي كانت تقطن في درعا، حيث مركز الحدث، إذ تعرضوا خلالها لمضايقات، واحتُجز البعض منهم وأُهينوا لمرات عديدة، ولا سيما أنهم لا يملكون أوراقاً ثبوتية تحميهم من المساءلة. وفي ظل تصاعد الأزمة واستهداف مخيم اليرموك في تموز 2012، ازدادت جرعة الألم لتتشرد بعض الأُسَر من فلسطينيي العراق نتيجة تعرض بيوتهم للقصف، ليُضطَروا إلى إخلائها والبحث عن مأوى عند أقارب لهم، أو في إحدى المدارس التي تؤوي اللاجئين. وقد أُصيب عدد من فلسطينيي العراق بجروح جراء ذلك القصف. وقدم فلسطينيو العراق على أثرها أول الشهداء، هو الشاب محمد ناصر الجياب، بتاريخ 18/7/2012، الذي ارتقى شهيداً برصاص قناص غادر. وبعدها بيوم، بتاريخ 19/7/2012، يفقد فلسطينيو العراق ثلاثة شباب في ظروف غامضة في منطقة جرمانا بالعاصمة السورية دمشق، هم: صدام حسين الكوكس، والشقيقان عادل علي ملحم ومحمد علي ملحم، ولم يُعثَر لهم على أثر، فيما ترددت أنباء غير مؤكدة عن اعتقالهم لدى أجهزة النظام. وفي يوم الخميس الموافق لـ 16/8/2012، انضم الأخ وسام خالد محمود الذيب إلى قائمة المفقودين المجهولي المصير، ليشهد الشهر الأخير من 2012 أحداثاً جساماً في مخيم اليرموك، تعرّض خلالها أوس أحمد قاسم اليعقوب لجروح خطرة أثناء قصف الباص الذي كان يستقله في منطقة التقدم، حيث أُسعف إلى مشفى المجتهد في العناية المركزة. وبعد شهر من المعاناة، يرتقي شهيداً بتاريخ 31/12/2012، ملتحقاً بالشهيد محمد أحمد عبد الواحد الذي استشهد يوم الأربعاء الموافق لـ 12/12/2012 إثر قصف بيته قرب جامع القدس في مخيم اليرموك. ويكون آخر الحصاد في عام 2012 تهجيرهم من مخيم اليرموك، ليهيموا على وجوههم، ولم يكن أمامهم إلا أن يطرقوا باب المفوضية السامية لشؤون اللاجئين المسجَّلين فيها رسمياً كلاجئين. والحل الدائم هو المزيد من التشتيت، حيث استقر قسم منهم في مدرسة تفتقر إلى أبسط مقومات الحياة، يكدَّس فيها اللاجئون بمعدل خمسة عشر لاجئاً في الفصل الواحد، حيث لا تدفئة في ظل شتاء برده قارس وطعام تحت شعارقوت كي لا تموت. أما بقية اللاجئين، فتوزعوا على مناطق أخرى من دمشق، جرمانا، قدسيا، دمر، صحنايا... وكل ما قدمته لهم المفوضية خمسة عشر ألف ليرة سورية، على أن يتحمل اللاجئ المسؤولية عن نفسه وعائلته.
أما من بقي في مخيم الهول في الحسكة، وهم لا يزيدون على مئة لاجئ، فقد نالوا نصيبهم من استهداف المخيم والتهديد، وآخرها قصف قرية الهول، مارست خلالها مفوضية اللاجئين عليهم ضغطاً شديداً لإجبارهم على الرضوخ لعملية نقلهم إلى مخيم خان الشيح في دمشق، في خطوة غير قابلة للتفسير، حيث من واجب المفوضية تأمين اللاجئين، لا نقلهم إلى مناطق تعرّض حياتهم للخطر، لينهي فلسطينيو العراق في سوريا عام 2012، وقد سطّروا في سجل مأساتهم ثلاثة شهداء وخمسة مفقودين وألفين وخمسمئة لاجئ مشرد.
ويبدأ العام الجديد محمَّلاً بالأمل، لعلّ القادم يكون فيه الخير للجميع. لكن المشهد لا يزداد إلا قتامة؛ ففي يوم الخميس 10/1/20013، فقد الفلسطيني سعدي صالح الماضي، وهو يقارب السبعين عاماً. وفي يوم السبت 12/1/2012، يُصاب الفلسطيني علي حسين القنة بطلق ناري في صدره، وما زال يُعالَج من آثاره، ليُفقَد في يوم الأحد 13/1/2013 الشاب محمود إياد الشعشاعي.
ثم تزيد مفوضية اللاجئين في سوداوية المشهد خلال اجتماعها مع أرباب الأسر من فلسطينيي العراق، وذلك يوم الاثنين 14/1/2012، حيث لم تقدم لهم أي جديد سوى إبقاء الوضع على ما هو عليه، دون أي بارقة للأمل بإيجاد أي حلول ملائمة.
رابطة فلسطينيي العراق تطالب المفوضية السامية لشؤون اللاجئين بالاضطلاع بدورها في حماية اللاجئين من فلسطينيي العراق في سورية، وتوفير ملاذات آمنة لهم خارج دائرة الخطر، وتحمل المفوضية مسؤولية أي خطر يتعرض له اللاجئون، باعتبارهم مسجلين كلاجئين في سجلات المفوضية ويقعون تحت وصايتها، وتدعو كافة المنظمات الحقوقية والإنسانية إلى تشكيل جهد ضاغط على المفوضية لتنهي معاناة اللاجئين التي دخلت عامها السابع لوجود فلسطينيي العراق في سورية.
المصدر: وكالات