القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي
الثلاثاء 26 تشرين الثاني 2024

معركة المتحف مَفخرة العسكرية الفلسطينية

معركة المتحف مَفخرة العسكرية الفلسطينية

بقلم: علي بدوان

تُصادف هذه الأيام الذكرى السنوية الثلاثين لمعركة المتحف الشهيرة التي جرت وسط مدينة بيروت، وعلى الحدود الفاصلة بين جزءيها الشرقي والغربي. حين كانت قوات الغزو "الإسرائيلي" تحاصر المنطقة الغربية من بيروت وتُطبق عليها من جميع الجوانب بما في ذلك من البحر، مع الإطلاق اليومي والمتتالي الكثيف للنيران باتجاه المواقع والتحشدات العائدة للقوات المشتركة الفلسطينية والوطنية اللبنانية.

معركة المتحف، وإن دامت لوقت قصير، لكنها كانت واحدة من أشرس المعارك التي خاضتها قوات فلسطينية مع قوات "إسرائيلية" عبر تاريخها المعاصر. وتحديدًا بين الكتيبة (411 مشاة/صاعقة) التابعة لقوات حطين من جيش التحرير الفلسطيني بقيادة قائد الكتيبة العقيد الركن عطية عوض، ووحدات من قوات النخبة ولواء جولاني "الإسرائيلي".

قاتلت قوات جيش التحرير الفلسطيني إلى جانب قوات الحركة الوطنية اللبنانية "القوات المشتركة" أثناء حصار بيروت صيف العام 1982، وأحكمت الطوق على القوى الانعزالية وقوى اليمين اللبناني وتحديدًا في مناطق خطوط التماس في بيروت. فقد كانت قوات حطين والقادسية التابعة لجيش التحرير قد انتشرت منذ العام 1978 على طول الخطوط الفاصلة بين بيروت الشرقية والغربية، ولم يتبق من قوات حطين في طرابلس شمال لبنان أي من وحداتها، فباتت كل قوات حطين والقادسية في بيروت، باستثناء فوج دبابات قوات حطين الذي توزعت سراياه في مناطق جبل لبنان في صوفر وحمانا وسوق الغرب، وباتت بناية منطقة الطريق الجديدة هي المقر العام لقوات جيش التحرير الفلسطيني في لبنان.

قدمت قوات القادسية وحطين أثناء ذلك عدة مئات من الشهداء من ضباط وضباط صف وجنود. وبقي الحال على ما هو عليه إلى حين الاجتياح "الإسرائيلي" للبنان صيف العام 1982 حيث لعبت قوات حطين والقادسية الدور الأساسي والريادي في صمود بيروت، وسجلت المآثر الخالدة في تاريخ العسكرية الفلسطينية، حيث لم تستطع قوات الغزو "الإسرائيلي" أن تتقدم سنتمترا واحدا في مناطق تواجد قوات حطين والقادسية، فكان التقدم لمساحة أمتار يكلف "الإسرائيليين" ثمنًا غاليًا.

لقد سجلت قوات حطين المعركة الكبرى/المفخرة، في منطقة المتحف في آب/أغسطس 1982 فقد حاول "الإسرائيليون" التقدم لبضعة أمتار في محاولات عدة، وجرى وقف هجومهم هذا، وتدمير كل الدبابات والأسلحة التي تقدمت.

معركة المتحف، مفخرة العسكرية الفلسطينية، لم تكن مشهدًا بطوليًّا في مواجهة الآلة العسكرية "الإسرائيلية"، منفصلًا عن مشــاهد معــركة حصــار بيروت وصمود مقاتلــيها وحصــارها ثلاثة أشهر، مع انقطاع الماء والكـهرباء والغـذاء والوقود عنها، وضربها بالطيران والبوارج والمدفــعية.

لقد كانت بالفعل مفخرة العسكرية الفلسطينية، فقد وقعت على المعبر الذي كان يفصل شطري مدينة بيروت، صباح يوم الخامس آب/ أغسطس 1982، وجهًا لوجه بين قوات الغزو "الإسرائيلي" و(الكتيبة 411 مشاة/صاعقة) من قوات حطين/جيش التحرير الفلسطيني. وقد أسفرت تلك المعركة عن تم تدمير أكثر من 36 آلية "إسرائيلية" تدميرًا كاملًا ومقتل كامل أطقمها خلال دقائق فقط، ولم تفلح قوات الاحتلال في التقدم ولو سنتمترا واحدا باتجاه بيروت الغربية واختراقها من بوابة المتحف. وقد اعترفت بمقتل 19 جنديًّا من جنودها.

والطريف في الأمر أن مقاتلي قوات حطين وجلهم من أبناء مخيم اليرموك ومخيمات سوريا، نزلوا إلى الشارع الرئيسي والشوارع الفرعية يلاحقون آليات نخبة القوات "الإسرائيلية" بالقواذف المضادة للدروع كقواذف الـ(بي سفن) إضافة لمعاجلتها بصواريخ (مالوتكا) من بين الأبنية، بعد أن كانت تحاول الفرار بعد فشل محاولة التقدم التي سبقها قصف مدفعي عنيف بمدافع الهاوزر لمواقع جيش التحرير في المنطقة وعلى عموم منطقة التماس حيث كانت تنتشر قوات حطين والقادسية. ويشار في هذا الصدد إلى أن الدبابة "الإسرائيلية" الأولى التي دمرت أثناء محاولة التقدم عبر بوابة المتحف انفجرت بفعل صاروخ (مالوتكا) أطلقه أحد مقاتلي جيش التحرير الفلسطيني، فطار برج تلك الدبابة إلى الطابق الثامن من بناية عالية في جوار منطقة المتحف.

معركة المتحف سبقتها معركة موازية لها، خاضتها قوات عين جالوت التابعة لجيش التحرير ومعها بعض المجموعات من بعض المجموعات من القوات المشتركة في منطقة (مثلث خلدة) لأربعة أيام كاملة من 9ـ13/6/1982 والتي قادها العقيد الشهيد عبدالله صيام.

فقد حاولت قوات الاحتلال في بدايتها وتحت القصف الثلاثي المركز، توجيه ضربة مباغتة بكتيبة مدرعة تتحرك وترمي من الحركة على جانبي الطريق بهدف إسكات وتدمير عقد الأسلحة المضادة للدروع التي زرعت في المنطقة وتمسكت بها. ولقد سقطت السرية الأولى من هذه الكتيبة التي دفعها العدو لاقتحام خلدة بسرعتها القصوى للوقوع في منطقة قتل حيث دمرت أغلب الدبابات, وتمكَنت القوات الفلسطينية اللبنانية المشتركة من سحب عربة مدرعة "113ـ ام" "إسرائيلية" سليمة وأدخلتها إلى الضاحية الجنوبية من بيروت.

وقد تكررت المحاولات "الإسرائيلية" لاقتحام خلدة بأساليب اخرى وبقصف تمهيدي أشد ضراوة وأكثر تركيزا وبمحاولة التقدم على عدة محاور متناسقة وباستخدام الإنزالات الجوية والإنزالات البحرية على الشاطئ المحاذي لخلدة عند مسبح "الفاميلي بيتش" ومع اشتداد ضراوة الهجوم "الإسرائيلي" اشتدت جسارة القوات المشتركة المدافعة عن خلدة, ووصل الأمر في كثير من الأحيان إلى خوض معارك قتال تلاحمي مع العدو الذي تكبد خلالها خسائر فادحة في قواته, كان لها أثر كبير على معنوياته ومخططاته التالية. وبنهاية الأيام الثلاثة لمعركة خلدة استطاع العقيد عبدالله صيام تطوير أساليب الدفاع عن المداخل الجنوبية للعاصمة بيروت عبر جهيز مجموعات قتالية صغيرة تقوم بهجمات تعرضية على مواقع قوات الاحتلال لاستنزافه وإعاقة خططه وثنيه عن عزمه على تكرار محاولات التقدم والخرق، وقد قتل في تلك الهجمات الجنرال "الإسرائيلي" يكوئيل أدام.

ولا يتسع المجال هنا لسرد معركة بيروت وتفاصيلها والتي كلفت جيش التحرير الفلسطيني عددًا كبيرًا من شهدائه، خصوصًا من فوج الدبابات التابع لقوات حطين وبقيادة العقيد الركن أمين محمد علي في جبل لبنان، حيث سقط أكثر من أربعين شهيدًا من هذا الفوج وحده أثناء قصف الطيران الحربي "الإسرائيلي" لموقع تمركز إحدى سرايا هذا الفوج في جبل لبنان المطل على بيروت في منطقة صوفر، في حين كانت باقي سرايا قد ازدلفت إلى بيروت للمساهمة في صد القوات "الإسرائيلية" التي كانت تقترب من حصار المدينة.

المصدر: صحيفة الوطن العمانية