معنى «حق العودة»
بقلم: الياس سحاب
لا شك بأن اي حديث مستمر ومتواصل عن دولة فلسطينية، في ظل موازين القوى الحالية بين الفلسطينيين والاسرائيليين، هو حديث يبعث بالضرورة والمنطق على القلق من مدى التنازلات التاريخية المطلوب سلفاً تقديمها، قبل الحصول على اي شيء من تفاصيل الدولة العتيدة.
ولا تبدو ملامح هذه التنازلات فقط في قراءة ما يقوله ميزان القوى الحالي بين الفلسطينيين والاسرائيليين، بل أيضا في قراءة العبارات التي ترد بكل براءة وبأسلوب شديد الوضوح في احاديث المسؤولين الدوليين والمسؤولين الاسرائيليين، وبدرجة اقل من الوضوح، واكثر من غض الطرف، على لسان المسؤولين الفلسطينيين. ولعل اخطر هذه التنازلات يتمثل في التنازل الفلسطيني المسبق عن «حق العودة».
لقد جاء هذا التنازل شديد الصراحة والوضوح والمباشرة، بل والفخر حتى الاعتزاز، في الوثيقة الشهيرة التي وقعها في جنيف قبل سنوات عدد من المثقفين الاسرائيليين والفلسطينيين، بحجة ان الاصرار العربي او الفلسطيني على وضع حق العودة على رأس الشروط اللازمة لأي تسوية حقيقية للصراع، انما هو اصرار نابع عن موقف غير واقعي وغير عقلاني، لان اسرائيل «لم يعد فيها شبر واحد يتسع لعودة لاجئ واحد».
لكن الصفة غير الرسمية لتلك الوثيقة، التي ما زالت مطروحة لأداء دورها في التمهيد لما يحمل الصفة الرسمية الكاملة من التنازلات الفلسطينية، لم تمنع ابدا، بل كانت مقدمة طبيعية، لسلسلة من ظهور اساليب جديدة لتقديم التنازلات واحدا بعد الآخر، بأساليب مخففة وملتبسة وخبيثة، ولكن بإصرار وتكرار يجعل هذه التنازلات تحفر عميقا في وجدان الشعوب العربية (وعلى رأسها شعب فلسطين)، حتى نصل عندما تدق ساعة المفاوضات النهائية الحقيقية، الى حالة تكون فيها كل هذه التنازلات التاريخية قد اصبحت مقبولة من الفلسطينيين بشكل خاص، وعلى رأسها التنازل عن حق العودة.
أخطر العبارات المستخدمة منذ مدة في التصريحات الرسمية لكبار المسؤولين الفلسطينيين في هذا الشأن عبارة «البحث عن تسوية عادلة لقضية اللاجئين».
في قاموس الطرف الأقوى، اي الحركة الصهيونية وحلفائها الدوليين في اوروبا وأميركا، فإن هذه العبارة تعني بدقة شديدة نسيان الفلسطينيين «حق العودة» نهائياً (اي نسيان فلسطين)، عن طريق حل قضية اللاجئين، بإسكانهم في البقاع التي يعيشون فيها حاليا، مع قروش زهيدة تسمى تعويضا، والسماح لدويلة فلسطين القادمة، بان تستقدم الى اراضيها ما تراه مناسبا من أعداد هؤلاء اللاجئين الراغبين بالعودة.
اغلب الظن، بل المؤكد، ان هذا المعنى الصهيوني لعبارة «تسوية قضية اللاجئين» ليس له اي معنى افضل في قاموس المسؤولين الفلسطينيين والعرب، لأن ليس في ميزان القوى الحالي بينهم وبين اسرائيل ما يسمح لهم بتنفيذ اي معنى افضل للعبارة.
ان تطبيعا ملتويا وخبيثا ومشوها لحق العودة، لا يساوي في حقيقة الامر، سوى التصديق على ان قضية فلسطين قد ظهرت فقط في احتلال عام 1967، المطلوب ايجاد حلول له. اما الجريمة الاصلية التي وقعت في العام 1948، فهذا ما يطلب الى العرب والفلسطينيين خصوصا، مسحه مسحا تاما من ذاكرتهم، اي نسيان فلسطين الى الأبد.
هذا هو المعنى الحقيقي والوحيد لعبارة «تسوية قضية اللاجئين» في اطار ميزان القوى الحالي بيننا وبين الحركة الصهيونية وحلفائها.
المصدر: جريدة السفير