مفاهيم ومصطلحات خاطئة في الإعلام الفلسطيني
بقلم الأسير المقدسي: حسام زهدي شاهين
يقول المفكر "جيدنز" (Giddens) اللغة ليست وسيلة لوصف العالم فقط، وإنما هي نوع من أنواع
الممارسة، أي أنها تشكل العالم –الذي تصفه- بدرجة ما. إذاً فاللغة بما فيها من
مصطلحات ومدلولات قادرة على خلق الحقائق والوقائع التي يتداولها الانسان، وفي
مجالي الإعلام والسياسة يكون لها حسابات دقيقة تساهم في تفجير أو حل أزمات في كثير
من الأحيان، ونحن الفلسطينيون ندرك جيداً نتائج التلاعب باللغة على صعيد قضيتنا
الوطنية، وخير شاهد على ذلك حضور أو غياب أل التعريف في ترجمة نص قرار (242)
(الأراضي المحتلة) أو (أراضي محتلة) وما يعنيه كلا النصين من تباين شاسع في حالة
التطبيق.
والملفت للنظر أن الاعلام وبعض الساسة الفلسطينيين يقعون
في فخ اللغة التي تعتبر إحدى أدوات الصراع في المعركة الدائرة بيننا وبين
الاحتلال، مع العلم أنهم يجب أن يكونوا أكثر حذراً، خاصة وأن لسان حال اللغة
المنطوقة بأفواههم يساهم في تعميق الوعي الوطني وصياغة الرأي العام، ولذلك إرتأيت
التطرق لبعض المصطلحات التي يتم تداولها بشكل خاطئ، ويؤدي تفشيهما –أذا ما استمر
هذا الاخفاق- إلى المساس بجوهر هويتنا وقضيتنا الوطنية، ومن بينها أود الإشارة
إلى:-
فلسطينيو الداخل المحتل وليس "عرب اسرائيل":
إن إطلاق تسمية "عرب اسرائيل" على فلسطيني الداخل لم تأت بمحض الصدفة أو
من فراغ، وإنما جاءت بناء على سياسة منهجية ساهمت بوضعها مختلف المؤسسات
الصيهيونية وفي مقدمتها وزارة التعليم، وذلك بهدف تحقيق مآربها الخبيثة في أكثر من
اتجاه.
فعلى الصعيد المحلي سعت إلى تفتيت اللحمة الاجتماعية
والوطنية الفلسطينية من خلال تقسيم أبناء الشعب الواحد إلى فئات وطوائف (مسلم،
مسيحي، درزي، سامري، شركسي، بدوي، سكان القطاع، سكان المناطق "الضفة"،
سكان القدس الشرقية) وتعاملت مع كل جهة من هذه التقسيمات عبر عناوين وبوسائل
وإغراءات مختلفة، مكنتها –بشكل أو بآخر- من بث روح الفرقة والعصبوية بين هذه
الشرائح بواسطة ما استحدثته من مصالح وما خلقته من أصحاب لهذه المصالح، أولئك
الذين تمسكوا بما بين أيديهم من امتيازات "مادية" حتى ولو جاءت على حساب
المبادئ والقيم الوطنية.
والأخطر أن الاحتلال تمكن من تنمية الشعور بالأفضلية لدى
بعض الشرائح التي منحها بطاقة هويته –مع العلم أن كل اشكال البطاقات مفروضة من
الاحتلال- الامر الذي خلق فجوة اجتماعية "مصطنعة" بين من يحمل هذه
البطاقة "الزرقاء" ومن لا يحملها، ودفع ببعض الشباب من الضفة والقطاع
إلى الزواج من فتيات فلسطينيات من القدس والداخل الفلسطيني بهدف الحصول على
البطاقة "الزرقاء" لا بدافع الحب، وبتنا ندرك انعكاسات ذلك على النسيج
الاجتماعي الفلسطيني، واليوم تطورت هذه المشكلة في أكثر من جانب ويحتاج نقاشها إلى
مقال منفصل يعالج أبعادها المتعددة والمختلفة.
وعلى الصعيد الاقليمي عملت "إسرائيل" جاهدة
على الحاق الضفة الغربية بالاردن الشقيق، وقطاع غزة بمصر العروبة، وفلسطينيوا
الداخل بدولة الاحتلال "اسرائيل"، وهذا بهدف القضاء على الهوية الوطنية
الفلسطينية.
أما على الصعيد الدولي فإنها ركزت على ترسيخ هذه
المفاهيم في وعي المجتمع الدولي، وتحديداً تلك المتعلقة بفلسطيني الداخل، فمصطلح
"عرب اسرائيل" اذا ما ترجم إلى أية لغة في العالم يصبح مصطلحاً ذا وقع
"طبيعي" ومستساغاً على مسامع أفراد ذلك البلد، حيث يوجد في كل دولة من
دول العالم عرب، مثل: عرب امريكيا، عرب فرنسا، عرب المانيا...الخ، وفي محاولتها
لصياغة الوعي الدولي توحي "إسرائيل" لشعوب العالم بأنها ليست دولة
احتلال، ووجود العرب فيها كأقلية عرقية يمثل أمراً طبيعياً، مثلها في ذلك مثل بقية
دول العالم. على مدار 66 عاماً من الاحتلال لم تتمكن "إسرائيل" من تحطيم
الهوية الوطنية الفلسطينية، ولكنها في الحقيقة نجحت في إضعافها، بدليل أن الانتماء
للقبيلة أو للحزب أو للجهوية أصبح أكثر وضوحاً من الانتماء للوطن، واجتماعياً
نستطيع أن نتلمس آثار التشظي في احشاء مجتمعنا، الذي تلتصق في ذهنية أفراده نزعة
التفاضل بين مدني، فلاح، لاجئ، بدوي...الخ.
إن الأمراض التي حقنها الاحتلال في جسدنا الاجتماعي
وعقليتنا الثقافية طوال هذه السنوات ساهمت جزئياً بحرف الوطني العام عن مساره
الطبيعي، لدرجة أن جزءاً منا بدأ يتعايش معها وكأنها أمراض مزمنة لا علاج لها،
وجزءاً آخر راح يتعاطى مع آثارها الجانبية معتقداً أنه بهذه الطريقة يتخلص منها أو
يعالجها، فنسمع أحياناً إطلاق تسمية "عرب الداخل" وكأنها لا تصب في نفس
الخانة التي تصب فيها تسمية "عرب اسرائيل"، وتجدر الإشارة في هذا السياق
إلى أن الأفكار التي أحاول إثارتها لا تتنكر للهوية القومية العربية، فأنا عربي
قومي، ولكني عندما يصبح المصطلح والهوية جزءاً من المعركة يجب الحفاظ عليهما
وحمايتهما، فالهوية الوطنية الفلسطينية هي المستهدفة، وبالتالي لا مناص من حمايتها
والتركيز على جوهرها، وهذا ايضاً ينطبق على بعض الطقوس الاجتماعية والثقافية
والتراثية المتعلقة بتاريخنا وموروثنا الانساني العريق!!.
وهنا يقع على عاتق الاعلام والساسة الانتباه من مغبة
الوقوع في فخ المصطلحات، فقد سبق وشاهدت عيون أخوة لنا تذرف دموعاً ساخنة لحظة
نعتهم بـ "عرب اسرائيل"، ففي هذا تخلي سافر عنهم وطعن في انتمائهم،
فالجنسية الاسرائيلية لم يختاروها بمحض إرادتهم وانما فرضت عليهم بقوة السلاح،
واجبروا على التعاطي معها حفاظاً على بقائهم في أرض وطننا التاريخية، أرض آبائهم
وأجدادهم، والصفة التمثيلية التي تمثلها م.ت.ف للشعب الفلسطيني في كافة أماكن
تواجده يجب التمسك بها، وعلى وجه الخصوص فيما يتعلق بفلسطيني الداخل المحتل، بغض
النظر عن صيغة الحل السياسي القائم على مبدأ حل الدولتين، لأن الحل أياً كان شكله
ومضمونه لا يستطيع أن يسقط هويتهم الوطنية ولا أن يلغي عروبتهم، فها هي "إسرائيل"
تقاتل وتجاهر على الملأ بأنها تمثل جميع يهود العالم مع أنهم من أصول وأماكن
مختلفة بينما نحن الفلسطينيون من أصل واحد ومكان واحد هو فلسطين!!.
جناحي الدولة وليسا جناحي الوطن: كثيراً ما يتردد في
الإعلام الفلسطيني تعبير "جناحي الوطن" كناية عن الضفة الغربية وقطاع
غزة، وهذا كلام خطير وله تداعياته السلبية على وعي الناشئة، حيث يؤدي لزراعة
معلومات خاطئة في عقولهم ويدلس التاريخ، فالضفة الغربية وقطاع غزة ليستا الوطن
وإنما جزء منه، والوطن هو الوطن لا تغير التحولات السياسية في كنهه قيد أنمله،
وفلسطين معروفه ومعرفه بكل حدودها التاريخية، والقبول بإقامة دولة فلسطينية على
جزء منها لا يعني إطلاقاً التنازل عن أو تغييب حقيقة الوطن الفلسطيني، ففي تربيتنا
الوطنية من حقنا أن نعلم الاجيال تاريخ قضيتهم وحدود وطنهم حتى وإن قامت على الجزء
الآخر منه دولة أخرى، لا سيما وأنه لازال يوجد في الداخل الفلسطيني قرابة المليون
وسبعمائة ألف فلسطيني يقطنون فوق تراب هذا الجزء الغالي من وطننا الحبيب، بالرغم
مما تعرض له شعبنا من مجازر أدت إلى تشريد وتهجير غالبيته جراء الغزوة الصهيونية،
وعليه يفضل استخدام عبارات مثل (إعادة اللحمة لشقي الدولة" وليس لشقي الوطن).
اعتداءات اسرائيلية وليست عقوبات: المعاقبة هي الجزاء
بالشر على ذنب اقترفه الانسان، وسواء أكانت الجهة التي تنفذ العقاب، تنفذه بالحق
أو بالباطل، يفترض أن تكون المعاقبة جزء من صلاحياتها، وما تقوم به "إسرائيل"
من قرصنة على عائدات أموال الضرائب التي تجبيها من بضائعنا المستوردة لأنها لازالت
تحتل الحدود وتتحكم بكل ما يدخل إلى شعبنا من مواد غذائية وخلافه، أو ما تقوم به
من إغلاقات للمناطق السكنية وتقييد لحركة المواطنين، وغير ذلك الكثير من الإجراءات
الاحتلالية التعسفية، كلها اعتداءات وجرائم ترتكبها ضد شعبنا الاجزر ولا يصح
سياسياً وإعلامياً أن نطلق عليها مصطلح "عقوبات"، بل هي اعتداءات
وجرائم.