منهج فسطين للناشئة وتصريح بلفور
بقلم: محمد أبو ليلى
قرنٌ على تصريح بلفور المشؤوم، التصريح الذي أدى فيما بعد إلى إعطاء اليهود
الصهاينة الحق بإقامة وطنٍ قوميّ لهم على أرض فلسطين.
فمنذ تاريخ الثاني من تشرين الثاني (نوفمبر) 1917 وحتى يومنا هذا، والشعب
الفلسطيني يعاني ويلات ومآسي ذلك التصريح، الذي نتج عنه احتلالٌ غاصب مارس كافة أنواع
التهجير والتدنيس والاعتقال ومصادرة الأراضي وحصار وإبعاد وتشتيت أكثر من ستة ملايين
لاجئ فلسطيني في أصقاع الأرض.
وبعد مئة عام على هذا التصريح، وسبعة عقودٍ على هذا الاحتلال.. كان الشعب
الفلسطيني واقفاً بعزيمة وإصرار، يأبى أن ينسى أرضه وحضارته وتاريخيه، فيتحدى الاحتلال
ويتمسك بالذاكرة وبحقه في أرض فلسطين.. ويطلق عهده الأبديّ أن لا بديل عن القدس وحيفا
ويافا وعكا وكلّ فلسطين، ويبعث برسالةً إلى بريطانيا المسؤول الأول عن مآسي الفلسطينيين،
والتي ترفض حتى اللحظة تقديم الاعتذار عن هذا التصريح الذي تسبّب بنكباتٍ لشعب فلسطين!
وطالما أنّ المعركة هي معركة أجيال، كان لا بدّ من بذل كل الجهود والإمكانات
لإبقاء القضية الفلسطينية حاضرةً مهما تقادم الزمن، ومهما تبدّلت الأحوال، ومهما تعاظم
على الشعب الفلسطيني من مؤامرات تُحاك ضد وجوده.
ويعلم الشعب الفلسطيني أنّ الاحتلال الصهيوني طرد الإنسان ودنّس المقدسات
وفرض القيود، لكنّه أيضاً يحاول طمس التاريخ وتزويره مراهناً على أنّ الشعب الفلسطيني
سينسى مع مرور السنوات.
ولمواجهة هذه الغطرسة وهذه العنجهية، كان إطلاق منهج فلسطين للناشئة والذي
يصبّ في خانة ترسيخ المعركة الثقافية والفكرية وكان لا بدّ من إعادة صياغة المنهجية
الفلسطينية بطريقةٍ مبسطة يتعرف فيها الناشئة على وطنهم فلسطين، لتعزيز انتمائه، ولتعريفه
على أبرز المحطات النضالية، وفي نفس الوقت ضرب المشروع الصهيوني الذي يأبى إلاّ أن
يحاول تزوير التاريخ لإطالة أمد وجوده.
والباحث في هذه المنهجية يجد تماماً كل جوانب وأقسام القضية الفلسطينية،
حيث يتناول المنهج مكانة فلسطين وبيت المقدس في الإسلام، معززاً للناشئة على أنّ فلسطين
عقيدة وأن فلسطين أرض مباركة وهي أرض الأنبياء، وأنّ فيها ثاني المساجد الذي بُني في
الأرض، وأن بيت المقدس هو أرض المحشر والمنشر وأرض الرباط والجهاد وأرض الثقافة والحضارة
والآثار وأرض الفقهاء والعلماء، وفلسطين أرض القادة والفاتحين.
وعن جغرافية فلسطين، يعرّف الناشئة على الموقع الجغرافي لفلسطين، وجيولوجية
أرضها، ومساحتها، وعدد سكانها، وتضاريسها ومناخها، والنشاط الاقتصادي لسكانها وكل ذلك
بغية تنمية روح الإحساس والمسؤولية لدى الناشئة تجاه الأرض المباركة فلسطين.
ثم يتطرق المنهج إلى تاريخ فلسطين في العصرين القديم والإسلامي، والتعرف
على الصراعات التي نشبت وامتدت إلى يومنا هذا. فكان لا بدّ للناشئة الإطلاع على سكان
فلسطين القدماء وأول من سكن فلسطين والحضارات المتعاقبة منها الآشوريين والبابليين
والفرس والإغريق والنبطيين والرومانيين، وزمن الخلافة الراشدة والخلافة الأموية والخلافة
العباسية والعثمانية، والتعمق بفهم الحروب الصليبية التي وقعت في فلسطين والمؤامرات
التي حُبِكت منذ الانتداب البريطاني لفلسطين، وإطلاق وعد بلفور وصولاً إلى احتلال فلسطين.
وعلى الناشئة أن يُدركوا تماماً ما حصل لأجدادهم من نكبات ومحن وكيف استولى
الصهاينة على أرض فلسطين واستوطنوها متذرّعين بشتى الأكاذيب والخدع. وعلى الناشئة كذلك
الإطلاع عن كيفية نشأة الحركة الصهيونية والتآمر الدولي على الدولة العثمانية والخطوات
التي تبعت من تقسيم ونكبة فلسطين.
ويبرز للناشئة الحراك المناهض لهذه المؤامرة من مقاومة فلسطينية وعربية
وثورات متعاقبة منها ثورة البراق والثورة الفلسطينية الكبرى والتعرف على أبرز الشخصيات
التي وقفت بوجه المشروع الإحلالي الجديد ومنهم فؤاد حجازي وعطا الزير ومحمد جمجوم والشيخ
عزالدين القسام والقائد عبد القادر الحسيني وصولاً إلى الثورة الفلسطينية المعاصرة
التي قادها الرئيس الراحل ياسرعرفات وغسان كنفاني وكمال عدوان وخليل الوزير إضافة إلى
فتحي الشقاقي وأبو علي مصطفى وغيرهم الكثير.
وفي تاريخ القضية الفلسطينية المعاصرة، كان على الناشئة كذلك قراءة ما
بين سطور إطلاق الانتفاضة الفلسطينية الأولى والثانية، والتعرف على أبرز قيادتها ومنهم
الشيخ أحمد ياسين وعبد العزيز الرنتيسي .
اما عند الحديث عن الانتماء إلى فلسطين ومدن فلسطين كان على الناشئة أن
يتعرفوا أكثر على القدس وحيفا ويافا وبيسان وعكا والخيل ورام الله وصفد وغزة وغيرها
الكثير من المدن، لما في ذلك من أهمية في ترسيخ الحب لفلسطين. ويصور هذا المناهج شوراع
المدن وأزقة الحارات ومعالم المدينة التراثية والأثرية ومساجدها وكنائسها القديمة التي
مرت عليها الدهر، ويصور العادات والتقاليد والفنون الشعبية والزراعة والصناعة التي
تميزت كل مدينة عن اخرى.
وكما يرسّخ في أذهانهم أنّ في
لفلسطين رجالها ومقاوميها، وأنّ فلسطين لا تؤخذ إلا بالقوة والمقاومة وأنّ الذي أُخذ
بالقوة لا يُستردّ إلا بالقوة، فكان لا بدّ أن يتعرف الناشئة على شخصيات فلسطينية كان
لها الأثر البالغ في الصراع مع الكيان الصهيوني، وكان لا بدّ أن يتعرف الناشئة على
أبطال رفضوا العبودية ونبذوا الخيانة، وعملوا جاهدين على أن تكون فلسطين حرة أبية،
فعاشوا مجاهدين مقاتلين حتى آخر رمق..
إنّ التصريح الذي أطلقه بلفور، كان بمثابة الكارثة الحقيقية على الشعب
الفلسطيني، لكنّ بلفور لم يكن يعي حقيقة الشعب الفلسطيني، الذي يأبى الخنوع والاستسلام
ويأبى الضّيم والمذلة.. وسيبقى وافقاً حراً حتى الرمق الأخير..