من المسؤول عن قتل الفلسطينيين في سورية؟
بقلم: طارق حمود
مقتل أكثر من 500فلسطيني في سورية خلال سنة ونصف سنة، في ظل الأحداث الدامية التي تشهدها سورية، ليس قضية مثيرة للجدل من حيث المسؤولية إلى الحد الذي يستدعي أن نطرح سؤالاً من هذا النوع، بل قضية تستدعي أن نضع أصبعنا على مواطن الخلل في سلوكيات الأطراف المتصارعة في سورية بمنتهى الشفافية حتى لا يدفع الفلسطيني فاتورته بأكثر من عمله لأجل نفس المبيع.
صحيح أن الفلسطيني أصبح الحلقة الأضعف في أي صراع أو أزمة داخلية عربية بحكم هشاشة مرجعياته الوطنية، وانعدام الحماية الدولية القانونية له كلاجئ، إلا أنّ من الإنصاف بمكان أن نقدّر المسؤولية لما يجري للفلسطينيين في سورية من زوايا متعددة لا من زاوية واحدة فقط.
السؤال المطروح لا يبحث عن إجابة جديدة غير تلك التي يعرفها الجميع بداهة في مسؤولية النظام عن أكثر القتل الذي لحق بالفلسطينيين في سورية، وخاصة مع معرفتنا لنوع القتل الذي لا يستطيع أن يمارسه سوى النظام؛ فالقصف حتى وقت قصير كان حكراً على القوات النظامية، والاعتقال في أقبية الأمن والتعذيب والموت تحت التعذيب تتحمله جهة واحدة هي النظام نفسه.
ومع وصول عدد ضحايا الأحداث من الفلسطينيين إلى رقم يتجاوز الحد المعقول، وفي الوقت الذي بات فيه القتل في سورية يمارس كأبسط سلوك بشري، فإنه لا بد من وقفة، وقفة مع الذات، ووقفة مع من نرى أنهم مظلومون، ولا بد أن ننتصر لهم. قد يتحمل النظام المسؤولية عن مقتل العدد الأكبر والساحق في مجمل الرقم الفلسطيني المذكور لعدد الشهداء، إلا أن المعارضة والثوار السوريين لهم نصيبٌ من هذا الرقم.
وفي تقدير النسبة والتناسب بين مسؤولية الطرفين، فإن كفة المسؤولية الحكومية سترجح بلا شك على غيرها، لكن هذا لا يلغي مسؤولية الآخرين، ولا يبسّطها بالشكل الذي اعتاده بعض منظّري الثورة في ضرورة التغاضي عن أخطاء الثورة في سبيل تحقيق هدفها، وفي فلسفة واقعية وقوع الخطأ في ظل الفوضى العارمة التي تشهدها البلاد، ففي جزء من هذا المنطق يمكن تحمل الخطأ حين يقع بغير تخطيط وقصد، وحين يكون نتيجة أعمال لم تستهدف الضحايا بشكل مقصود لمجرد الشبهة، نعم الشبهة ففي الوقت الذي امتلكنا فيه الجرأة لأن نقف أمام النظام لنقول له أنت من يقتل الفلسطينيين في مخيم درعا ومخيم اليرموك واللاذقية، كذلك لن نتأخر في الجهر بالوقوف أمام تجرؤ بعض أطياف الثورة السورية على القتل لمجرد الشبهة التي لم ولن تكون مبرراً لإزهاق روح شخص لمجرد رأيه أو موقفه السياسي، وهي الشبهات التي راح ضحيتها عدد من الفلسطينيين في مخيمات اللجوء، وخاصة فيمن ينتمون إلى جيش التحرير الفلسطيني من ضباط ومجندين لا ناقة لهم ولا جمل في الأحداث التي لم يشارك فيها هذا الجيش ميدانياً في أية أعمال قمع. كذلك إن الموقف السياسي لبعض الفلسطينيين المؤيدين للنظام لا يعطي لأي ثائر مهما سمت أهدافه أن يقرر أحكام الإعدام بالمجان تحت راية الحرية والكرامة التي ينشدها.
قد يكون هذا المقال موجهاً إلى المعارضة أولاً، وهي المسؤولة عن انتهاكات بحق الفلسطينيين لا تتناسب مع انتهاكات النظام، لكنها تفوق أي انتهاكات إن مورست تحت سطوة الشعارات المحقة، وشعارات الإنسانية المطالبة بالحرية والديموقراطية، وإلا فإن واقعاً كهذا لن يختلف عن الواقع الذي سبب الثورة بالأساس.
وحتى لا نجلد الثورة بأكثر مما يصليها به النظام، لا بد من القول بوجود مجموعات الحرب الجنائية من جهة، ومجموعات الحرب المتطرفة من جهة أخرى. فالأولى لا علاقة لها بالثورة البتة، وهي تمارس انتهاكاتها بخلفية جنائية بحتة، وتركز عملها في الآونة الأخيرة على الخطف والمطالبة بالفدية المالية، حتى باتت المخيمات الفلسطينية كما كثير من الأحياء السورية عرضة لأعمال خطف بمعدل مخطوفَين يومياً، ومع هروب أصحاب رؤوس الأموال والأغنياء من المناطق المشتعلة إلى مناطق أكثر أمناً، فإن خطف أبناء عائلات متواضعة الحال معيشياً عادة ما ينتهي نهاية مفجعة بقتل الضحية. كذلك انتشرت سرقة السيارات والمحال والبيوت، في ظل وضع أمني متردٍّ غير مكترث بأي تطور سوى مطاردة معارضيه والمتمردين على سلطته. وهذه الفئة ليست على علاقة مع الثورة، لا من قريب ولا من بعيد، إلا في ما يتعلق باستثمارها لظروفها. أما المجموعة الثانية، وهي الأخطر بتقديري، فهي ترفع شعار الثورة، وتمارس كل انتهاكاتها باسمها وتحت لوائها، وبحكم الرؤوس المتعددة للثورة السورية ميدانياً بشكلٍ يصعب حصره، فإن المجال يتسع أكثر لمثل هذه الممارسات ويضيق في وجه محاكمتها وتقيدها.
هذه المجموعة تنطوي ثوريتها على التطرف في الفكر والممارسة، وهي التي تشرّع لنفسها سرقة محال تجارية أو نهب بيت غني يشتبه بولائه للنظام وربما حياده أحياناً تحت مسمى دعم الثوار وأعمال الثورة.
وحتى لا نُفهم خطأً، فإن هذه الممارسات محدودة، لكنها بسبب سوئها ذات تأثير سلبي كبير، وقد عانى عدد من الفلسطينيين منها، وخاصة في ما يتعلق بملاحقة بعض الأشخاص لشبهة التعامل مع الأمن من دون أن يكون هناك أي إثبات؛ فربما سلام عابر بين رجل أمن وشخص مدني يكون تهمة تستوجب وضعه على قوائم التصفية.
هذا ما حدث مع عدد ممن أعرفهم شخصياً، كذلك فإن جزءاً من هذه المجموعة ذو جذور فكرية متطرفة، وخاصة ما يرتبط منها بفكر القاعدة، وإن قلّ.
ختاماً، لا بد من تأكيد حقيقة ذكرتها أكثر من مرة في سياق الكلام، أن المقارنة بين انتهاكات النظام وانتهاكات المعارضة ليست من باب التقريب بين الطرفين، وليست من باب التشكيك في أحقية السوريين بالمطالبة بحقوقهم بكافة الوسائل، ومشروعية ثورتهم، بل من باب أن خطأَ من يحمل شعار الحرية والكرامة والديموقراطية في الممارسة الميدانية، مهما صغر، أوضح من أكبر انتهاكات تمارسها سلطة معنية بالقضاء على كل ما يتهدد وجودها. وفلسطينياً، إن الشعب الفلسطيني بذل في طريق دعمه لحقوق أشقائه السوريين من دمائه ما يجعل من موقفه العام أوضح من الشمس، وقدّم في حسّه الإنساني لثورة الشعب السوري ما جلب عليه ويلات النظام وسلطته رغم ضآلة نسبته العددية، وقلة حيلته عموماً، فلا تقتلوا شعبنا مرتين.
المصدر: مجلة العودة، العدد الـ62