من حقائق «صبرا وشاتيلا»
بقلم: معن البياري
محمودٌ أن نحافظ، في بعض الصحافات العربية، على التقليد السنوي،
باستذكار مذبحة صبرا وشاتيلا في ذكراها كل عام، وقد اكتملت أمس 33 عاماً على ارتكابها،
غير أن الأمر يظل فلكلورياً إذا لم تتم المصارحة، في غضونه، بما يلزم أن تتم المصارحة
به، وأول ذلك أن منظمة التحرير الفلسطينية التي نتذكّر منذ أيام، بمناسبة زوبعة الدعوة
إلى عقد مجلسها الوطني، أنها الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني، لم تقم بالبديهيّ
من واجباتها بشأن تلك الجريمة المهولة وضحاياها، فلم تُصدر توثيقاً مؤكّداً ومعتمداً
بمجريات المقتلة غير المنسيّة، تتضمن لائحة اتهام لمن ارتكبوها، من كتائبيين لبنانيين،
بعونٍ إسرائيلي معلن، بل لم يُجهد أحدٌ نفسه في أيٍّ من أجهزة المنظمة المذكورة ودوائرها،
طوال كل هذه السنوات، بتوثيق أسماء الضحايا، حمايةً لهم من النسيان. وهنا، يجدر التقدير
الواجب للباحثة، بيان نويهض الحوت، على كتابها المرجعي الاستثنائي، والذي أنفقت عشرين
عاماً في إنجازه، ويعدّ المصدر الأهم والأكثر علمية ومهنية، في معرفة تفاصيل الجريمة،
ووحده هذا الكتاب (800 صفحة، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، بيروت، 2003)، يتضمن لوائحَ
بكثير من أسماء الشهداء الذين من اللائق، أخلاقياً، أن لا ننسى أن بينهم لبنانيين وسوريين،
وباكستانيين وجزائريين ومصريين، وأيضاً خمسة عمال بنغاليين قتلهم مجرمو الحرب (المعلومون)
في أسرّتهم.
فداحة التقصير الذي ارتكبته منظمة التحرير تجاه الفلسطينيين
الذين قضوا في المذبحة الشهيرة، ويُفترض أنها تمثلهم، في المخيميْن المنكوبين في لبنان،
إحدى حقائق مهمة يحسن أن يتم التأكيد عليها في الذكرى السنوية. ومن حقائق أخرى، أن
المنظمة، ومعها كل التكوينات المدنية والأهلية الفلسطينية، وكذا الدولة اللبنانية،
وكل العالم العربي، ضنَّوا على الضحايا (كم عددهم بالضبط؟) بنصبٍ تذكاري، أو لوحةٍ
تنكتب عليها أسماؤهم، ولو في أي مكان. وفي البال أن مقتلتي حلبجة العراقية الكردية
وسربرنيتشا البوسنية، (مثليْن لا غير)، حظيتا بما نشتهي للمغدورين في شاتيلا وصبرا،
والذين قضوا بالبلطات والسكاكين والبساطير والرصاص، وببقر البطون أيضاً، في واحدةٍ
من أشنع مذابح التاريخ. وهذا أقل واجبٍ تجاه أولئك الناس الذين لم يظفروا بأي اعتذار
من أيِّ جهةٍ لبنانية، مثلاً. وفي البال أن الكتائبي، كريم بقرادوني، اعتذر بصفته الشخصية،
وأظنه كان شجاعاً في هذا، أما النائب سامي الجميّل، فلم يستح، قبل ثلاثة أعوام، لمّا
جهر بأن العلاقة مع إسرائيل لم تكن محرجة. وللتذكير، فإن المتهم الأبرز في "صبرا
وشاتيلا"، إيلي حبيقة، (ورد اسمه في تقرير كاهان الإسرائيلي)، نال النيابة والوزارة
ووسام الأرز برتبة كوماندوز من الرئيس إميل لحود، وذلك كله لأن الرضى السوري شمله بالرعاية
إيّاها.
أن نتذكّر المذبحة، ونحمي المناسبة من الشجى الفلكلوري، والزجل
الموسمي السنوي، يعني، أيضاً، أن نجدّد سخريتنا من تقرير رسمي بشأن ما جرى في 43 ساعة،
في مخيمين فلسطينيين في الأراضي اللبنانية، أصدرته السلطة اللبنانية، وأعدّته لجنة
برئاسة قاض سمي التقرير باسمه "تقرير جرمانوس"، وذاع بعد 11 يوماً من المذبحة،
والأبرز فيه تبرئة "القوات اللبنانية" من أي مسؤولية، ومن طريف ما قرأنا،
لاحقاً، أنه فُقد من محفوظات الدولة اللبنانية. ومخزٍ، لبنانياً وفلسطينياً، أن يكون
تقرير "لجنة كاهان" الإسرائيلية الوثيقة الرسمية الأهم في هذا الشأن، ويحسن
أن نتذكّر أن كتائبيين لبنانيين مثلوا أمام هذه اللجنة، وما زالت أقوالهم سريّة في
الوثائق الإسرائيلية، على أن التقرير تضمن اسمي حبيقة ورفيقه فادي أفرام في المسألة
كلها، وحمّل القوات الإسرائيلية في بيروت، ووزير الحرب في حينه، إرييل شارون، مسؤولية
غير مباشرة عن المذبحة.
هي بعض حقائق من الضروري عدم إشاحة الأنظار عنها، بشأن
906 ضحية و484 مخطوفا ومفقوداً، (بحسب ما جمعته بيان الحوت من أسماء وأعداد) كلهم بلا
أضرحة وبلا مصير معلوم. ولكنْ، ثمة حقائق أخرى، بشأن ما تحيل إليه "صبرا وشاتيلا"
في راهنٍ فلسطيني ماثل، وسوريٍّ قائم، وعربي متواصل.
المصدر: العربي الجديد