من لا ذاكرة له لا مستقبل له
بقلم: معن بشور
شكراً لهذه الثلّة من أحرار العالم، نساءً ورجالاً، التي تذكّرنا كل عام بمجزرة صبرا وشاتيلا، والتي لم يحاسب مرتكبوها بالرغم من مرور أكثر من ثلاثين عاماً عليها، بل المجزرة التي أنتجت عصراً كاملاً من المجازر المتنقلة في فلسطين ولبنان والعراق وعلى امتداد الأمة.
شكراً لتلك المجزرة المنسية فلولاها، ولولا لجنة «كي لا ننسى»، لكنّا نسينا واحدة من أهم الحروب التي خضناها ضد العدو الصهيوني، وهي لم تنته في 79 يوماً كما يظنّ كثيرون، بل ما زالت مستمرة حتى الآن.
لقد ظُلمت تلك البطولات الرائعة والتضحيات الضخمة التي كشفت عنها تلك الحرب في العديد من المواقع والبلدات والمخيمات وصولاً إلى العاصمة نفسها، وبدأ ظلمها حين أسمينا أطول حرب عربية ـ إسرائيلية «الاجتياح»، وحين لم نتأمل جيداً المعاني التي انطوى عليها صمود بيروت الأسطوري بوجه الحصار والذي انكشفت من خلاله الثغر البنيوية في كيان العدو وجيشه التي وقفت وراء سلسلة الهزائم التي مُنّي بها فيما بعد في لبنان وفلسطين.
فالقليل منا يذكر أن تلك الحرب الصهيونية المدعومة أميركياً قد بدأت بذريعة محاولة اغتيال السفير الإسرائيلي في لندن شلومو ارغوف، ومع ذلك، وبعد 30 عاماً، لم يعلمنا القضاء البريطاني شيئاً عن تلك الجريمة، وعن مرتكبيها، وعن محاكمتهم، حتى بات بعضنا يظن أن الجريمة من أساسها كانت جريمة «افتراضية» لم تقع اصلاً.
والقليل منا يذكر وقائع معركة بيروت الخالدة بكل صفحاتها العسكرية والسياسية والاعلامية والاجتماعية، إذ نجحت ثلة من الوطنيين اللبنانيين والمقاومين الفلسطينيين والمتطوعين العرب والجنود السوريين في إيقاف توغل دبابات العدو من محاور عدة في الأوزاعي والمطار والكفاءات وحي السلم، وصولاً إلى المتحف الذي لم يستطع الصهاينة التقدم على محوره سوى أمتار قليلة.
والقليل يذكر أن وحدة المقاومة العربية قد تجلّت في تلك الحرب بأحلى صورها ومعانيها، فإلى اللبنانيين والفلسطينيين والسوريين كنتَ تجد المصري والعراقي والمغربي والتونسي والجزائري والسوداني والخليجي، وصولاً إلى اليمنيين الذين توحّد شطراهم على أرض المعركة في بيروت قبل أن يتحدا على أرض اليمن.
والقليل يذكر أن المقاومة اللبنانية الباسلة، بكل قواها وتياراتها قد ولدت في رحم تلك المعركة التاريخية.
حرب 1982 وفي القلب منها معركة بيروت، كانت نقطة البدء لمشروعين متصارعين أحدهما مشروع تفتيتي أراد إشعال لبنان بحروب الطوائف والمذاهب وما يزال، والثاني مشروع مقاوم استهدف تحرير الأرض ووحدة الوطن وما يزال. وأكبر إنصاف للبنان ومقاومته، هو أن نستحضر تلك الأيام المشرفة من تاريخنا، أيام صنعناها بأيدينا، ورويناها بدماء شهدائنا.
فمن لا ذاكرة له، لا مستقبل له ايضاً.
والذاكرة هنا هي منارة تضيء لنا الدرب، لا زنزانة تختنق فيها الأحلام.
المصدر: السفير