القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي
الأربعاء 27 تشرين الثاني 2024

نازحو اليرموك: تغريبة جديدة

نازحو اليرموك: تغريبة جديدة

بقلم: عبد الكافي الصمد

كأن قدر الفلسطينيين أن يبقوا حاملين أمتعتهم نازحين من أرض إلى أرض. فقصتهم مع النزوح التي بدأت بخروجهم من أراضيهم تحت حراب الصهاينة، لا تزال مستمرة، في رحلة لن تنتهي إلا بعودتهم إلى أرضهم الأمّ.

البداوي | خرجت المرأة من مقرّ اللجنة الشعبية في مخيم البداوي ممسكة بيد طفلها الصغير وهي تردد على مسمع قلة من الحاضرين كانوا متواجدين فيه: «يا دلي على هالبهدلة والذلّ. كيف طايقين العيشة هون؟». لم تكن تلك المرأة الثلاثينية سوى واحدة من ربّات 474 عائلة وصلت إلى مخيم البداوي في الأيام الماضية، قدمن مع أزواجهن وأبنائهن من سوريا، وتحديداً من مخيم اليرموك، باحثات عن أي ملجأ يؤويهن «إلى أن يفرجها الله علينا»، تقول معلقة.

أوضحت بعد استيضاحها أنها تقيم مع عائلتها عند سلفها الذي استأجر منزلاً في المخيم قبل أيام إثر خروجه من سوريا، وأنه يقيم في ذاك المنزل الذي يوجد فيه 3 غرف نوم 5 عائلات. وعندما سئلت كم شخصاً يوجد في المنزل المذكور شرعت في العد على أصابع يديها: «سلفي عائلته 5 أنفار، نحن 4 أنفار، عائلة أخرى 3 أنفار، عائلة رابعة 6 أنفار، وعائلة خامسة 5 أنفار. يصبح المجموع 23 نفراً يقيمون في منزل واحد!». المرأة التي برفقتها توضح أنها وصلت وعائلتها إلى مخيم البداوي منذ 5 أيام، وأن أحداً «لم يقدم لنا أي مساعدة حتى الآن فأتينا نسجل أسماءنا في اللجنة الشعبية عسى أن نحصل على أي إشي». تكشف هذه المرأة أنها المرة الأولى التي تنزح من بيتها. «أنا لم أعرف طعم النزوح من قبل»، تقول موضحة قبل أن تتابع قائلة: «خروجنا من مخيم اليرموك يشبه التغريبة الفلسطينية، هل تعرفها؟». لا تتردد الامرأتان في التعبير عن أمنيتهما في العودة سريعاً إلى مخيم اليرموك. «هناك كنا نعيش زي العالم والناس، وما كان ناقصنا إشي» تقول أولاهما، قبل أن تتبعها الثانية: «أقله في مخيم اليرموك كان معنا مصاري وعايشين مرتاحين والكهرباء لا تنقطع». فور خروجهما من مقر اللجنة تدخل امرأتان أيضاً. تتوجهان إلى شخص كان يُدوّن أسماء العائلات ورقم بطاقتهم وعدد أفراد كل عائلة وإلى أي منطقة يعود أصلهم داخل فلسطين. هنا يتبين أن أغلبيتهم تعود إلى منطقة صفوري، وأن صلة الدم هي التي دفعت هذه العائلات إلى المجيء لمخيم البداوي الذي تقيم فيه عائلات من المنطقة ذاتها. «هون بتوزعو حفاضات أطفال؟»، تسأل إحداهما مسؤولاً في اللجنة الشعبية، فيرد عليها الأخير بالنفي، لكنه ينصحها بالذهاب إلى مكتب الأونروا بعد أن يرشدها إليه، «هونيك يمكن تلاقي حدا يساعدك»، يقول موضحاً. ما الذي تفعله اللجنة الشعبية إذاً لمساعدة للنازحين؟ يوضح أحد أعضائها أبو رامي لـ«الأخبار» أن «ما نقوم به هو إحصاء العائلات النازحة إلينا، وهو وصل حتى الآن إلى 474 عائلة، وتقديم بعض المساعدات لهم مثل الفرش والحرامات وحصة غذائية لمرة واحدة»، راداً السبب إلى أن «إمكاناتنا المالية بسيطة، فجميعها تبرعات من أهالي المخيم».

بدوره، يلفت عضو لجان حق العودة أحمد موسى، الذي ينشط في مجال استقبال ومساعدة النازحين من سوريا، أن «أي عائلة تأتي إلى مخيم البداوي نساعدها في الوصول إلى قريب لها أو تأمين منزل يؤويها». يُعبّر موسى بارتياح عن أن «أحداً من النازحين لم ينم في الشارع. نخوة أهل المخيم تجعلهم يرفضون ذلك، فإما يستضيفون عائلة نازحة في منزلهم، أو يفتحون منازل أبنائهم المسافرين أمام النازحين». لكن واحداً من النازحين الذين وصلوا قبل يومين إلى مخيم البداوي، يشير إلى أن «عائلات تعاني عند الحدود اللبنانية ــ السورية ولا تستطيع الدخول لأنها لا تملك رسوم الدخول»، ويعلق بأسى بالغ وهو يهزّ رأسه يمنة ويسرة: «إنه الذل بعينه».

تاريخ مخيم

يُعدّ مخيم البدّاوي الذي تأسس عام 1955 واحداً من المخيمات الصغيرة في لبنان، فعدد من يقيمون فيه لا يتجاوز 17 ألف فلسطيني، ومساحته لا تزيد على كيلومتر مربع واحد. ومع ذلك فإن هذا المخيم بات مقصد النازحين من مخيمات أخرى.

فالمخيم الذي لا يزال يستضيف أكثر من نصف أهالي مخيم نهر البارد الذين نزحوا منه إثر أحداث عام 2007، زاد عليهم الآن نازحو مخيم اليرموك، ما دفع بعض سكان المخيم إلى اعتبار القادمين من نهر البارد نازحين، والآتين من مخيم اليرموك لاجئين، للتفريق بين الذين أتوا إليهم من خارج الحدود، وبين الذين جاؤوا من داخلها.

المصدر: الأخبار