نجاح المصالحة الفلسطينية ومئوية بلفور
سيد أبوزيد
إذا كان للاستعمار الفرنسى من خلال الحملة
الفرنسية الشهيرة على مصر والشام فى عام ١٧٩٨ بقيادة نابليون بونابرت أثر كبير فى الثقافة،
والاستنارة، وذلك باصطحابها عددًا كبيرًا من العلماء، الذين كان لهم أثر كبير فى اكتشاف
حجر رشيد - إلا أن الحقيقة الأكيدة أن نابليون بونابرت هو أول من دعا اليهود إلى الاستيطان
فى فلسطين، باعتبارها أرض أجدادهم، وجاء ذلك من خلال إعلان أرسله لجميع الطوائف اليهودية
فى فرنسا، يحثهم فيه على النزوح لأرض فلسطين، الأمر الذى أوعز للبعض بأن أصله يهودى،
وهو الأمر الذى لم يتأكد بعد.
وأشار فى إعلانه إلى أن اليهود، وهم أمة
فردية حرمت منذ آلاف السنين بسبب شهوة الغزو، والاستبداد من أراضى الأجداد، وأن فرنسا
تقدم لهم فى هذا الوقت الفرصة لاستعادة ميراثهم، ومع ذلك لم تجد تصرفًا مشابهًا لتصرف
رئيسة وزراء بريطانيا «تيريزا ماى» من قبلهم «فرنسا» أو مشاركتهم فى هذا التصرف الصادم
لمشاعر الشعوب العربية، وفى القلب منها شعبنا العربى الفلسطينى، وذلك بإعلانها أمام
مجلس العموم البريطانى «إننا فخورون بالدور الذى لعبناه فى إقامة دولة إسرائيل، وسنحتفل
بالتأكيد بالذكرى المئوية لوعد بلفور بكل فخر»، وأضافت أنه «يسرنى أيضًا العلاقات التجارية
الجيدة، والعلاقات الأخرى التى تربطنا بإسرائيل أن نبنى عليها، ونعززها»، وردت على
الأسئلة التى وجهت لها من خلال جلسة مجلس العموم البريطانى، بالتأكيد على ذات المعنى،
وأقامت ذكرى المئوية لوعد بلفور، رافضة لكل المطالبات، والمناشدات العربية، والفلسطينية
كاشفة مدى حالة الضعف، والانقسام العربى، وقامت باستقبال نظيرها الإسرائيلى نتنياهو
بمقر رئاسة الوزراء البريطانية، وأقامت له مأدبة عشاء، وبحضور كبار المسئولين من البلدين،
ورودريك بلفور أحد أقارب اللورد جيمس بلفور، ووصف نتنياهو الوعد بالحدث العظيم فى تاريخ
اليهود، وبريطانيا، والعالم، بينما كررت رئيسة الوزراء البريطانية فى كلمتها خلال المأدبة
الإعراب عن شعورها بالفخر، لأن وعد بلفور لعب دورًا بارزًا فى إقامة دولة إسرائيل،
ووعد بلفور صدر ممن لا يملك، لمن لا يستحق، كما أنه مهد الطريق لاحتلال الأراضى الفلسطينية،
وتشريد الشعب الفلسطينى فى المخيمات بالمنافى، والشتات، فحينما صدر هذا الوعد كان تعداد
اليهود بفلسطين لا يتعدى سوى ٥٪ من أعداد سكانها الأصليين، بينما الأعداد التى وفدت
من يهود العالم كانت راجعة لآل روتشيلد زعيم الطائفة اليهودية فى بريطانيا، والذى موّل
عملية هجرة اليهود فى جميع أنحاء العالم لفلسطين، الأمر الذى يؤكد أن قيام الدولة اليهودية
كان من نتاج اتفاقات وتفاهمات سياسية صاغها أصحاب المال مع المستعمر الأوروبى، وكشف
هذا جاكوب روتشيلد أحد أحفاد العائلة، التى تتحكم فى الاقتصاد العالمى من خلال الكيانات
الاقتصادية الضخمة، من خلال مقال كتبه بجريدة التايمز البريطانية بمناسبة مئوية بلفور
بأن ليونيل روتشيلد، وصف هذا الإعلان بأنه لحظة فارقة فى التاريخ اليهودى على مدى ثلاثة
آلاف عام، وأن آل روتشيلد هم الذين أرسوا دعائم الكيان الصهيونى فى الشرق الأوسط، والعالم،
حيث تولت بناء المستوطنات، والمشاريع المساعدة، ولم تستجب رئيسة وزراء بريطانيا لكلمة
الرئيس الفلسطينى محمود عباس التى ألقاها على منبر الجمعية العامة للأمم المتحدة فى
٢٠ سبتمبر الماضى، والتى طالب فيها السلطات البريطانية الحالية بأن تقدم اعتذارًا عن
إصدار وعد بلفور فى ٢ نوفمبر ١٩١٧، ومنح تعويضات للشعب الفلسطينى عن احتلال أراضيهم،
والاعتراف بالدولة الفلسطينية على كامل الأراضى الفلسطينية التى احتلتها إسرائيل عقب
عدوانها الغادر فى ٥ يونيو ١٩٦٧، وعاصمتها القدس الشرقية، وهذا التحدى البريطانى إن
دل على شىء، فإنه يدل على العقلية الاستعمارية، والاستعلاء الذى ما زال يسيطر على السياسة
البريطانية، وأمريكا بحكم كونها الوريث للتركة الاستعمارية بعدها، كما أنه يفسر المواقف
العدائية لهما تجاه الشعوب العربية، وقضاياهم الأساسية، ونحمد الله أن تأتى هذه الوقاحة،
والعجرفة، عقب نجاح مصر بقيادة الرئيس عبدالفتاح السيسى فى إبرام اتفاق المصالحة بين
حركتى فتح، وحماس بحضور الوزير خالد فوزى رئيس المخابرات العامة المصرية، والذى أنهى
حالة الانقسام التى دامت حوالى ١١ عامًا، وكأننا نتوقع هذه المئوية، وتم إعداد خريطة
طريق بدأت باستقبال قطاع غزة لوزراء حكومة الوفاق الفلسطينية، قادمين من معبر بيت حانون
«إيريز»، وصاحب ذلك دخول شاحنات تجارية عبر معبر كرم أبوسالم التجارى، وتلاها قيام
حكومة الوفاق الوطنى الفلسطينى باستلام جميع المعابر بقطاع غزة، حيث بدأت المراسم بعزف
النشيدين الوطنى المصرى، والفلسطينى، وبحضور وفد أمنى مصرى رفيع المستوى، ومفيد الحساينة
وزير الأشغال الفلسطينى، وعدد من أعضاء الحكومة الفلسطينية، وكبار المسئولين فى السلطة،
ومسئول المعابر نظمى مهنا، أما على الضفة الأخرى من النهر فإن إسرائيل، وقطر تسعيان
إلى إفساد هذه المصالحة، وكان ذلك من خلال محاولة اغتيال اللواء توفيق أبونعيم قائد
الأجهزة الأمنية فى غزة، والقيادى بحركة حماس، والذى أعلن عقب نجاته أن حركة حماس تتمسك
بالمصالحة، وقيام مسئول قطرى بدخول قطاع غزة من خلال المعبر الذى تديره إسرائيل، وفى
غير الأوقات الرسمية من العمل، ومعه حقائب مملوءة بالدولارات، للفصائل المعارضة للمصالحة،
لكى تقوم بعمليات انتحارية ضد جيشنا البطل فى سيناء، كما قام الطيران الإسرائيلى بقصف
أحد الأنفاق بقطاع غزة مما أدى إلى استشهاد ٧، وإصابة ١١ فلسطينيًا، وأعلنت سرايا القدس
الجناح المسلح لحركة الجهاد الإسلامى فى بيان لها أن من بين القتلى قائد لواء المنطقة
الوسطى عرفات أبومرشد، ونائبه حسن أبوحسنين، إضافة إلى المجاهدين عمر نصار القليت،
وأحمد خليل أبوعرمانة، وفى الوقت ذاته نشرت صحيفة يديعوت أحرونوت أن الجيش الإسرائيلى
قام بنشر بطاريات من منظومة القبة الحديدية المضادة للصواريخ قرب الحدود مع غزة، ولا
يبقى أمامنا سوى أن نقول إن نجاح المصالحة الفلسطينية هو خير رد على احتفالية مئوية
بلفور.
الدستور