القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي
الجمعة 29 تشرين الثاني 2024

نحن والربيع الفلسطيني المنشود

نحن والربيع الفلسطيني المنشود

بقلم: علي بدوان

ما زال مسار إعادة بناء الوحدة الوطنية يسير متعثراً، ومازالت الأمور تراوح مكانها بالرغم من ضجيج التفاؤل من حين لآخر، ومازالت مسألة البرنامج الجديد المنشود لمنظمة التحرير الفلسطينية تصطدم باستعصاءات كبيرة.

البرنامج الوطني، الائتلافي الموحد، هو الذي يُشكّل المدخل لإعادة تكوين وبلورة القيادة السياسية الموحدة للشعب الفلسطيني، داخل إطار منظمة التحرير الفلسطينية، وبمشاركة جميع قوى الشعب الفلسطيني. ومازال هذا الأمر موضع نقاش واستعصاء بالرغم من كل ما اتفق عليه في الحوارات الفلسطينية، بما فيها وثيقة الأسرى الشهيرة التي شكّلت العنوان السياسي العريض الذي قامت عليه الحوارات الفلسطينية التالية وصولاً لإعلان الدوحة والحوارات التي تلت في العاصمة المصرية القاهرة.

الإصلاح المطلوب

من هنا، إن الحديث عن التمسك بمنظمة التحرير الفلسطينية، كمرجعية وطنية كما هي في واقع الحال، يقتضي التحرك والعمل لإعادة بنائها وصياغة برنامجها الائتلافي بين الجميع، ومشاركة كل القوى في إطارها وعموم مؤسساتها، وتحديداً حركتي حماس والجهاد الإسلامي، لتقوم بدورها الحقيقي والتاريخي، بتمثيل الشعب الفلسطيني في كل أماكن تواجده، وبتأكيد وحدة الشعب الفلسطيني ووحدة أرضه، واعتمادها قولاً وعملاً كمرجعية عليا للشعب الفلسطيني، وكمرجعية عليا مسؤولة عن السلطة الفلسطينية. فالسلطة الفلسطينية تُمثلُ فلسطينيي المناطق المحتلة عام 1967، أما منظمة التحرير الفلسطينية فيفترض بها أن تُمثل كل الشعب الفلسطيني على امتداد ارض فلسطين التاريخية وفي الشتات الذي يَضُمُ أكثر من نصفه.

إن التيار الحقيقي المعبر عن نبض الشارع الفلسطيني، وعن مواقف الناس المتأثرين بالتفاعلات الجارية في عموم العالم العربي، ينحو نحو الدعوة إلى العمل من أجل إيصال رياح التغيير الحقيقية وليس الشكلية للساحة الفلسطينية، عبر إحالة الحالة والمعادلة الفلسطينية الداخلية المتقادمة والتي تآكلت خلال العقود الماضية على التقاعد، وبناء معادلة داخلية فلسطينية جديدة عمادها مشاركة كل القوى مهما تعاظم أو صغر حضورها، ومشاركة الناس في الداخل والشتات في بناء الخيارات الوطنية الفلسطينية بما في ذلك السعي لاعتماد صندوق الانتخابات لإعادة بناء منظمة التحرير ومجلسها الوطني ووقف سياسات التعيين والكوتات لصالح النزول عند إرادة الناس وصندوق الاقتراع، وبالتالي في إنهاء ضعف المنظمة وتراجع دورها، وإجراء مراجعة جذرية شاملة للحالة الفلسطينية، تبدأ بالاتفاق الوطني على إصلاح منظمة التحرير جذرياً، وإعادة انتخاب هيئاتها القيادية بواسطة صندوق الاقتراع للشعب الفلسطيني في الداخل وحيثما أمكن في الشتات وفقاً لما تم التوصل إليه في حوارات القاهرة الفلسطينية وأعمال اللجان المنبثقة عن تلك الحوارات.

وبالطبع، فإن الشعب الفلسطيني يعي بأن الأمور تحتاج لإرادة وطنية تتغلب على المصالح الفؤوية الضيقة لهذا التنظيم أو ذاك، وتتغلب على نزعات الاستحواذ والهيمنة ورفض الرأي الآخر، ورفض النزول عند رغبات الناس والشارع الفلسطيني. فالأمراض التي أُبتليت بها الحالة الفلسطينية الداخلية في العقود الأربعة الماضية يجب أن تنتهي، ويجب أن تنتهي معها سياسة (الدكاكين) وتقاسم الكعكة وفق منطق (الكوتا) الذي حَكَمَ مسار العمل الداخلي في إطار منظمة التحرير والتوافقات بين عموم فصائلها الوطنية والقومية واليسارية، لتصبح السياسة الوطنية الجامعة هي الأساس في إعادة بناء المنظمة وفي تقرير أوزان القوى وحضورها على الأرض عبر صندوق الاقتراع.

لحظات من الفوات والموات في الوعي

إن الشعب الفلسطيني بحسه الفطري والعفوي، صاحب خبرات وتراكمات، وصاحب أطول عمليات كفاحية وانتفاضية شهدها التاريخ الحديث والمعاصر للإنسانية برمتها منذ إضرابه واعتصامه التاريخي في العام 1936 (الاعتصام والعصيان المدني المعروف بإضراب الستة اشهر زمن الانتداب البريطاني)، لكن وللأسف فإن هناك فواتاً في الوعي يصيبه أحياناً ويدفع بعواطفه للانسياق وراء دعوات الإصلاحات الشكلية، كما يصيبه أحياناً موات في الوعي فيهمل العديد من القضايا الجوهرية لصالح قضايا ثانوية.

من هنا، إن وجود أعضاء في القيادات العليا الفلسطينية كبعض الأمناء العامين للعديد من القوى والفصائل ومنها فصائل منظمة التحرير واليسارية منها على وجه الخصوص الذين مازالوا في مواقعهم منذ أربعة عقود ونيف، أمر لم يعد يحتمل ولا ينسجم مع إرادة الشعب الفلسطيني، ولا ينسجم مع أجواء ومناخات التطوير والتغيير التي تكتسح العالم والعقل البشري.

وفي هذا السياق، فإن رياح التغيير لم تنأ بنفسها عن الساحة الفلسطينية لكن هناك (صادات) كبيرة وواسعة قد اعترضتها، فالمعيقات تتمثل بعدد من العوامل التي جاءت على خلفية الخصوصية الفلسطينية ووجود الشعب الفلسطيني في الداخل تحت السيطرة الفعلية للاحتلال، ووجود فلسطينيي الشتات تحت ظروف استثنائية. فلو كان الشعب الفلسطيني على بقعة جغرافية واحدة وخارج سيطرة الاحتلال، وخارج تداخلات النظام العربي على من هم في الشتات من الفلسطينيين، لشهدنا ثورة الربيع العربي في فلسطين قبل أي قطر عربي آخر.

من دون شك، إن الشعب الفلسطيني يؤثر ويتأثر بمحيطه العربي، وبالتحولات السياسية والفكرية التي تعتلج كل يوم في بيئتنا العربية من المحيط والخليج. فالشعب الفلسطيني لا يعيش معزولاً أو منعزلاً في جزيرة (روبنسون كروزو) في أصقاع المحيط الهادي، بل يعيش في قلب المنطقة العربية وفي لجاجها العميق، في الموقع الحيوي الأساسي الذي يجعل منه يتلقف كل التحولات والحراكات ويتأثر بها سلباً وايجاباً، فالتحولات في الحالة العربية وجدت أصداءها العميقة في الساحة الفلسطينية في الداخل والخارج، حيث كان فلسطينيو الشتات وخصوصاً منهم فلسطينيو سوريا ولبنان، هم الأكثر تأثراً بها نظراً لحالة اليأس وطبقات الإحباط التي عمت الشتات الفلسطيني خلال العقدين الماضيين وقد أعطت تراكماتها السلبية رويداً رويداً، وحالة العزل والإقصاء التي باتوا يشعرون بها بعد انتقال ثقل العملية الوطنية الفلسطينية للداخل منذ نشوء السلطة الوطنية الفلسطينية.

إن طريق التحول الديمقراطي الهادف لصياغة وإنتاج البديل للمنظومات السياسية الفلسطينية القائمة (بعجرها وبجرها) من داخل الأطر القائمة دون اللجوء للخيارات الانشقاقية المدمرة أو خيارات البدائل التي عفت عنها وتجاوزتها التجربة القاسية والمريرة للشعب الفلسطيني. إن هذا الطريق يمكن تعبيده وفتحه بالنفس الصبور، والروح المثابرة، وهو وحده الطريق السليم لتفعيل حضور العنصر الجديد من هذه الأجيال الصاعدة التي نمت في ميدان العمل الوطني في الداخل والشتات ولم يتسن لها أن تأخذ دورها الريادي والقيادي في صفوف الشعب الفلسطيني ومنظمة التحرير الفلسطينية وداخل المعادلة الفلسطينية، وهو وحده الطريق الممكن للتخلص من العقليات والسياسات والبرامج القديمة التي حكمت مسار معظم الفصائل الفلسطينية التي شاخت بقدها وقديدها، بقياداتها وبرامجها وسياساتها.