نحو ربيع فلسطيني سلمي
بقلم: ماجد الزير
الوحدة الوطنية الفلسطينية
بالعموم مطلب مهم، يحتاجها الشعب الفلسطيني في كفاحه وجهاده، لاستعادة حقوقه
كاملةً غير منقوصة، وظهور الفلسطينيين ضمن إطار يوحدهم مع اختلاف اجتهادهم في أخذ
المواضيع والتعامل مع مفردات القضية، فيه من المكاسب الكثير الذي يستأهل السعي
الحثيث لإتمام المصالحة، والوصول لهذا الإطار الوحدوي، وهذا يظهر إذا حصل في شتى
مجالات العمل في طور استرجاع الحقوق.
وهنا نستحضر أن
الفلسطينيين في مرحلة تحرر وطني، ولم يتجاوزوا مرحلة الثورة والثوريين، ونعتقد
بوعي العدو الصهيوني لهذه الحقيقة، ولهذا فهو يسعى بكل إمكاناته أن تبقى الفرقة
الفلسطينية.
ونحن نطرح هذا، نرى
أن الشعب الفلسطيني حيث كان تواقا لإتمام ملف المصالحة الوطنية وإنهاء حال
الانقسام القائم الذي طال أمده. ولا يفترض تماهي الفصائل الفلسطينية المتحاورة وأن
يصلوا لنتيجة تذوب فيها هياكلهم في هيكل حزبي واحد. ولكن بالتأكيد أنهم مهما
اختلفوا فإن ما يتفقون عليه يجب أن يصب في نتيجة واحدة وتحقيق الأهداف المنشودة في
التحرير والعودة، التي يتفق عليها الجميع بحدودها الدنيا، وهذا ما نتعارف عليه
بعدم تجاوز الخطوط الحمراء في المطالب وأن يبقى التمسك بالثوابت هو الأساس.
نعتقد أن المشكلة
تكمن في هذا التعاطي مع عنوان المصالحة، وأرى أن المتحاورين مختلفون حول الإجابة
على سؤالين رئيسيين: ماذا نريد؟ وكيف نحققه؟ وهذا يبدأ في التعريفات الرئيسية
للصراع. بدءا بتعريف العدو، ومرورا بتحديد فلسطين التي نقصد، وانتهاء بأدق
التفاصيل. ولهذا طالت المصالحة، وليس في الأفق أن نصل إلى ما نريد.
كمثال على حدة
المسألة، فالافتراق يتجلى في مقابلة محمود عباس مع القناة الثانية في التلفزيون
الإسرائيلي مؤخرا عشية الذكرى الـ95 لإصدار وعد بلفور المشؤوم في 2 نوفمبر/تشرين
الثاني من هذه السنة، الذي أكد فيه إسقاطه لحق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى
فلسطين عبر تصريحه بأنه غير معني بالعودة إلى مدينته صفد، وأن أراضي 48 هي إسرائيل
وإلى الأبد، وهو بذلك يسقط هدفا إستراتيجيا يجمع عليه الشعب، وأكد على هذه القناعة
في مشروعه للذهاب لطلب الاعتراف بالدولة الفلسطينية على أراضي 67 كعضو مراقب في
الأمم المتحدة، فليس ما يشير في موضوع الدولة من قريب أو بعيد إلى المطالبة
بالعودة أو التمسك بهذا الحق.
ويتناول أيضا محمود
عباس ومجموعته أحد أساليب العمل الوطني، وهو نهج الانتفاضة والقوة، لينتقده
ويعارضه بشدة في مناسبات كثيرة، حتى أصبح من الخبر المتواتر في سيرته، فقد وصف
المقاومة المسلحة في نفس المقابلة المتلفزة المذكورة آنفا قائلاً "لا نريد أن
نستخدم الإرهاب ولا نريد أن نستخدم القوة، لا نريد أن نستخدم الأسلحة، نريد أن
نستخدم الدبلوماسية، نريد أن نستخدم السياسة، نريد أن نستخدم المفاوضات، نريد أن
نستخدم المقاومة السلمية".
مسألة خلاف أخرى هي
في تصدر المشهد الفلسطيني ومن يقود الشعب؟ وهنا نقصد منظمة التحرير الفلسطينية،
والتحكم في زمام الأمور فيها، ونعتقد هنا بتخوف وقلق محمود عباس ومجموعته من ضياع
سلطتهم، وهو التخوف المبني على نتائج انتخابات المجلس التشريعي في الضفة الغربية
وقطاع غزة في يناير/كانون الثاني 2006، وأعتقد أن تلك الانتخابات ما كانت لتتم لو
قدر لهم معرفة نتائجها مسبقا.
فقد دفع لتلك التجربة
في ذلك الحين في الضفة وغزة مجيئها في سياق مشروع أوسلو، الرغبة في وجود قيادة
منتخبة مفوضة عبر صندوق الانتخابات من أجل التوقيع على اتفاقية نهائية مع الكيان
الصهيوني، وعامل الاطمئنان الذي أمضى تلك الانتخابات كان أن النتائج ستكون لصالح
الفريق الداعم للتسوية حسب استطلاعات الرأي الخاطئة في ذلك الوقت.
تغيرت الظروف
الإقليمية والدولية حول القضية الفلسطينية في السنتين الماضيتين، وهبت رياح الربيع
العربي في العديد من الدول العربية، وتغير الوضع السياسي برمته في ست دول عربية،
وأثر ذلك على بقية الدول، وانبنى على ذلك تغير في التعامل الدولي مع المنطقة، وساد
نهج ديمقراطي شعبي جديد في المنطقة أفرز أنظمة شرعية من رحم الشعوب.
وانقلبت الموازين
السياسية في التعامل مع القضية الفلسطينية بشكل دراماتيكي، فنجد رئيس المكتب
السياسي لحركة حماس خالد مشعل يقوم في جولة بعواصم عدة في غضون أسابيع قليلة،
فيقابل الرئيس المصري المنتخب محمد مرسي في القاهرة، ثم يلقي خطابات جماهيرية بين
أعضاء الأحزاب الحاكمة في تونس والمغرب وتركيا.
وفي مثال آخر على
التحول الكبير في التعامل مع القضية، يقوم وفد من عشرة وزراء خارجية عرب ومعهم
الأمين العام لجامعة الدول العربية ووزير الخارجية التركي، بزيارة غزة وهي تحت
القصف الإسرائيلي الوحشي في نوفمبر/تشرين الثاني من هذه السنة.
ونرى أن الشعب
الفلسطيني نفسه اعتبر الربيع العربي قد أتى منسجما مع الثورة الفلسطينية ضد العدو
الصهيوني، التي كانت ممتدة في العقود الستة الماضية ضد الاحتلال، يدلل على هذا
المزاج العام للشعب الفلسطيني تجل لا يقبل الشك إبان الأيام الثمانية الأخيرة على
غزة.
وقد أجمع كل الطيف
الفلسطيني في كل أماكن وجوده على التهليل بإنجاز المقاومة ودحر المحتل، وهم بذلك
يعتمدون أسلوب ونهج المقاومة والانتفاضة، حتى إن محمود عباس نفسه هلل لهذا الإنجاز
للمقاومة، وكذلك ظهور قيادات فتحاوية من وزن نبيل شعث، وقيادات أخرى في غزة، لكي
يشاركوا الغزيين والشعب الفلسطيني في احتفالات النصر، وهذا مشهد وحدوي محمود.
ليس مقبولا بعد كل
هذا أن نرجع في ترتيب البيت الفلسطيني الداخلي -ونخص هنا ملف المصالحة الوطنية-
لنتداول أمورنا بنفس الطريقة السابقة، وعلى نفس قواعد اللعبة والتجاذبات
والاستقطابات المتبادلة، ونبقى في هذه المراوحة، وكأن شيئا لم يحصل، دون أن نستطيع
رصد أو رؤية هذه المتغيرات الكونية.
كما أنه ليس متفهما
أن نذهب إلى الأمم المتحدة لطلب الاعتراف في الدولة الفلسطينية كدولة مراقب غير
عضو، فهذا سيكون حتما على حساب وضعية منظمة التحرير الفلسطينية وتمثيلها للشعب
التي يفترض أن يكون إصلاحها أولوية في ملف المصالحة.
كيف نخطو في ظل عدم
الاتفاق الفلسطيني على برنامج وطني يضع في حسبانه كل المسائل بما فيها وضعية
التمثيل العالمي للشعب والقضية. لا نريد أن نستطرد في تحليل ما وراء خطوة الاعتراف
فهي تحتاج إلى مبحث مستقل. ولكن ما يعنينا فيها أنها أخذت أولوية في شكل قفزة في
الهواء على حساب الشأن الداخلي وملف المصالحة. وكأنها تمثل هروبا منه. ويتصرف فيها
عباس وسلطته وكأنهم حازوا على ثقة الشعب الفلسطيني.
أما وقد تناقلت
الأخبار بأن هناك جولة جديدة من حوار المصالحة الفلسطينية خلال وقت قريب وفي طور
الظهور بمظهر الموضوعية والجدية، وبشكل جديد في التعاطي مع قضية المصالحة وينهيها
بسرعة.
فهذه دعوة للمتحاورين
لإعمال الذهن، والبحث والحوار المستفيض في جولة المصالحة الجديدة، على ملف واحد
فقط، هو انتخابات لمجلس وطني فلسطيني جديد، يأتي عبر عملية انتخابية شفافة، في كل
أماكن تواجد الشعب الفلسطيني، وأن يتفق المتحاورون فيه على كل التفاصيل والآليات
والهيئة المشرفة، التي تفضي إلى مجلس وطني جديد، ونعطي مدة محددة لكي تجرى فيها
انتخابات في كل أماكن تواجد الشعب الفلسطيني.
هنا يجب ألا تعيقنا
بعض العراقيل في بعض الأماكن التي يعيش فيها الشعب الفلسطيني، فالاستثناء لا يلغي
القواعد العامة، فننتهي بالخروج بمجلس وطني، ثم قيادة منبثقة من هذا المجلس،
ويتنحى الفرقاء الفلسطينيون الحاليون لصالح القيادة المنتخبة، وينكفئ من لم يختره
الشعب إلى شؤونه الحزبية في إدارة عملية المعارضة السلمية، ونرسم مشهدا حضاريا،
ولا يدعي بعدها أحد وصلا بليلى، فليلى قد اختارت عريسها وانقضت مراسم العرس.
يساعد على إتمام هذا،
البيئة السياسية العربية الجديدة، التي يمكن أن توفر الخدمات اللوجستية المطلوبة،
وتعطي الاعتراف الفوري لهذا المنتج الفلسطيني.
وإذا فشلت هذه الجولة
بالوصول لكل هذا، فإننا ندعو القوى الحزبية الفلسطينية والشخصيات المستقلة، التي
تؤمن بضرورة الخروج من هذا الواقع لصالح أجواء ديمقراطية فلسطينية حقيقية تحافظ
على الثوابت، بأن تذهب وكأمر واقع إلى تشكيل مجلس فلسطيني انتقالي مكون من مائة
شخصية فلسطينية، أو ما قارب هذا العدد، يكون لهذا المجلس مهمة وحيدة.
وهذه المهمة هي
الإعداد لانتخابات شاملة في كل أماكن تواجد الشعب الفلسطيني، يعلن عنها لتكوين
مجلس وطني فلسطيني جديد، والمجلس الانتقالي يراعى في تكوينه، الأوزان الفصائلية،
والشخصيات المستقلة، والقطاعات المهنية، وتراعى الديموغرافيا والجغرافيا
الفلسطينية، وتراعى كل الأمور التقنية والفنية في إعلانه عن الانتخابات، ويكون
المجلس المنتخب بديلا عن القائم تحت مظلة منظمة التحرير الفلسطينية.
ونعتقد أن هذه الخطوة
ستجد قبولا شعبيا عربيا كبيرا، ورسميا عربيا غالبا، باعتبارها تنسجم والحالة
العربية الراهنة، وهي إفراز فلسطيني منتظر يتناسب والربيع العربي، ولتكن منظمة
التحرير هي الوعاء لهذا، دون البحث في عناوين جديدة.
نزعم أن عباس
ومجموعته قلة، وجموع الشعب الفلسطيني ليس على ما هم عليه، ولا نحتاج إلى الرجوع
للتاريخ البعيد لدراسة التجارب في التغيير، فالواقع العربي الحاضر يعطينا درسا في
سنن التدافع، للانتقال من حال إلى حال، ونرى أن النموذج الفلسطيني في التغيير لن
يكون بهذه الصعوبة، وليكن ربيعا فلسطينيا سلميا.
المصدر:
الجزيرة نت