نكبة فلسطين بعد 64 عاماً حفلت بتطوّرات من العمل الفدائي والسياسي والدبلوماسي الفلسطيني
«إسرائيل» تعمل على تفتيت المنطقة وإقامة دويلات تحكمها الطوائف لتسويق «الدولة اليهودية»
بقلم: هيثم زعيتر
تحل ذكرى «نكبة فلسطين» في الخامس عشر من شهر أيار من كل سنة، تنفيذاً لـ «وعد بلفور»، الذي قطعته بريطانيا العظمى آنذاك في العام 1917، باعتبار دولة فلسطين العربية التي كانت محتلة من قبلهم، هي دولة ليهود الشتات في العالم..
وتم إعلان قيام دولة «إسرائيل» في الخامس عشر من أيار في العام 1948 بالنسبة لدول الاستعمار ذات الجيوش التي تحتل وتستعمر فلسطين، فيما اعتبرت عربياً بالدرجة الأولى بالنسبة للدول التي تؤمن بطبيعة الحقوق في المنشأ والأرض والوجود «نكبة فلسطين»..
تأتي هذه المناسبة النكبة، للفلسطينيين والعرب في أدق المراحل السياسية، بل والعسكرية والاجتماعية وعلى مختلف الصعد بالنسبة للمنطقة العربية من جهة، التي تشهد خاصة في هذه المرحلة مخاضاً يتمازج بين العسير والفوضى والتطور يرسم تباشير دنيا جديدة، تحاول أن تطل وتشرق وتؤدي إلى فعل متغيّرات كثيرة لا تزال معالمهما في غياهب المستقبل، الذي يغور بكل مفاعيل التحرك والتغيّر ليس في المقدور مبدئيا تقرير مناحيه، ولا حتى مخارجه ولا إلى أي حدود يصل مداه ومتغيراته..
ومن جهة أخرى، بالنسبة للقضية الفلسطينية بالذات، التي مرت خلال كل تلك الفترة في العديد من المدارج الفدائي حيناً، والعسكرية العامة حيناً آخر، والسياسة في أحيان كثيرة، تنقلت بها من مفاعيل الثورة والمقاومة والانتفاضة إلى الحروب العامة، كما إلى مسارات سياسية وصلت فيها الأمور إلى متدرجات استعادة الحقوق العربية في الدولة الفلسطينية الكاملة العضوية كما كل الدول في «الأمم المتحدة»، وإما بصورة مجتزأة كما هو الحال الآن في انتصار الأمر على هذه العضوية بالنسبة لمنظمة «الأونسكو» العالمية..
وسط هذه المنعرجات التي تمر بها القضية الفلسطينية، والتي تعتبر قضية العرب الأولى، التي لا خلاف فيها بين الدول العربية من جهة، وحيث تشكل إجماعاً عربياً عاماً من جهة ثانية، بصرف النظر عن كل المفردات العربية التي تتشابك فيها المصالح، فإن الحقوق الفلسطينية العربية تشكل البند الأول والقضية الأولى لمجمل التحركات العربية، ولعل هذا ما يُعطيها الزخم الحامي في محاولات إستعادة الحق في دولة كاملة العضوية، مهما تداخلت وتشابكت القضايا العربية - العربية الخاصة أو مع دول العالم الأخرى والمصالح المرتبكة فيها ومعها..
اليوم، تحل ذكرى النكبة، وسط تطورات فاعلة وذات تأثيرات بالغة الأهمية على مختلف الصعد، سواء الفلسطينية الداخلية، حيث تساهم المصالحة الفلسطينية - الفلسطينية وبالذات بين حركتي «فتح» و«حماس»، بالإضافة إلى الفصائل الفلسطينية الأخرى، في إيجاد مؤشرات بالغة التأثير في العمل الفلسطيني الموحد في سياق المواجهة مع دول العالم، أو بالنسبة لتأثيرات التفاعل العربي الجاري في المنطقة العربية، الذي لا شك بأنه ينذر بتحولات، لا بد أن تكون في مصلحة وفي سياق استعادة الحق الفلسطيني العربي إلى أرض فلسطين العربية.
لعل المُلفت في هذا الإطار كما يقول المحللون السياسيون «أن ثمة انعكاسات مهمة وذات مدلول تظهر في السياق الإسرائيلي، حيث ثمة إجراءات تسهيلية، بل ومتجاوبة في قضية الأسرى الفلسطينيين المضربين عن الطعام لدى «إسرائيل»، بالإضافة إلى تصريحات، تدل على أكثر من تلميحات في إطار العودة إلى المفاوضات، بل إلى حل الدولتين في سياق الاتفاق على تأليف حكومة ائتلافية موحدة في النظام الإسرائيلي القائم بين «الليكود» و«كاديما» - أي ما بين الحكومة والمعارضة»..
وهذه المسألة، لم تكن لتحصل في داخل الكيان الإسرائيلي كما يقول المحللون، إلا في إطار ما درجت عليه «إسرائيل» خلال التجارب الماضية، إلا في سياق عملية كبيرة تتناول مستقبل الكيان الإسرائيلي بصورة عامة. فهل ثمة ما يُمكن أن تقضي إليه مسألة الإقدام على تأليف حكومة إسرائيلية موحدة شيء مما تُوحي إليه التصريحات والتلميحات الإسرائيلية في أعقاب الانتخابات الأميركية التي تعطي زخماً للرئيس الأميركي باراك أوباما في معركته الانتخابية؟
أم ثمة مجرد عملية تمويه وكسب وقت وتهدئة على صعيد القضية الفلسطينية في إطار استهداف آخر يجري العمل على إعداده، والاستعداد له فيما يُعرف محاولات منع إيران من امتلاك القنبلة النووية التي تهدد «إسرائيل» بالعمل على الحؤول دونها مهما كلف الأمر، حتى ولو عن طريق الحرب؟
تلك الأسئلة تطرح نفسها أمام مجريات الأيام المقبلة..
لقد مر 64 عاماً مرت على نكبة فلسطين، يوم أقتُلع الشعب الفلسطيني من أرضه وشُتت على أصقاع المعمورة، يوم نفذ الإنتداب البريطاني تشريد الفلسطينيين بإعطاء من لا يملك إلى من لا يستحق - أي أن الانتداب البريطاني أعطى أرض فلسطين إلى الإسرائيليين بعدما تم تجميع اليهود من الشتات..
بين العام 1948 و15 أيار 2012 مرت تلك السنوات بآلامها ومراراتها على الشعب الفلسطيني، ولكن بينها تمكنّ الفلسطينيون من تحويل مآسي الخيام إلى إبداعات وتفوق وتصدير ثورةٍ إلى العالم أجمع..
بين النكبة واليوم تحولات عديدة طرأت، على ما رفضه الفلسطينيون والعرب في العام 1947 عند صدور قرار التقسيم رقم 181 بتاريخ 29 تشرين الثاني 1947، وافق الفلسطينيون عليه الآن للحصول على أقل مما كان معروضاً، فيما الاحتلال الإسرائيلي لم يوافق حتى على تنفيذ بنود الاتفاقات الدولية، وفي مقدمها التي عقدت بين «منظمة التحرير الفلسطينية» والمسؤولين الإسرائيليين، خصوصاً اتفاق «أوسلو» الذي وقّع بتاريخ 13 أيلول 1993..
المتتبع للتطورات، يُلاحظ أن أي قرار يصدر لصالح القضية الفلسطينية لا ينفذ من قبل المجتمع الدولي، بينما أي من القرارات التي تصدر لصالح الكيان الإسرائيلي تتم المسارعة إلى تنفيذه بدعوم من الولايات المتحدة الأميركية التي استخدمت الـ «فيتو» 43 مرة ضد قرارات لصالح القضية الفلسطينية بين 85 «فيتو» استخدمته الإدارة الأميركية في «مجلس الأمن الدولي» ضد قرارات كانت ستصدر وتدين الكيان الإسرائيلي.
المتغيّرات في المنطقة
وفي ظل المتغيرات التي تشهدها المنطقة، بعد حراك الشوارع العربية وتغيير أنظمة وسقوط أخرى، ومباشرة بعض الأنظمة بإصلاحات تحت المطالبة الشعبية أو بتحركات خارجية، ما زالت فلسطين كأنها تحت وطأة الممارسات والاعتداءات الإسرائيلية المتعددة اغتيالا وقصفاً وارتكاباً للمجازر وأسراً وإبعاداً وقطع أوصال الوطن، وتهويد القدس، وبناء المستوطنات، وتشريد العائلات الفلسطينية دون أي ذرائع، بل تنفيذاً للسياسة الاستيطانية الإسرائيلية، ولكن ثبت بالملموس أن أبناء أي وطن يقع تحت الاحتلال إذا لم يتحركوا هم لنجدته وتقديم الغالي والنفيس من أجله، فلم يبادر أحدٌ إلى القيام بذلك لهذا تحول النضال الفلسطيني من تحركاتٍ جماهيرية إلى تنظيم مسلح عسكري فدائي وتغيرت الإستراتيجية الفلسطينية في كل مرحلة وفق المقتضيات والمتطلبات التي تعيش تلك المرحلة والظروف التي تكون مسيطرةً، وتحول الفلسطيني من القيام برد الفعل على العدوان والمجازر الإسرائيلية إلى القيام بفعلً، كما حال انطلاقة الثورة الفلسطينية بتاريخ 1 كانون الثاني 1965 عبر «عملية عيلبون» التي قادها الشهيد الأول في الثورة الفلسطينية أحمد موسى الدلكي، وكرت سبحة العمليات التي تنوعت في الأرض والجو والبحر، وكل منها له طعمُ ووقعٌ خاص، ترك صداه ولفت الأنظار إلى القضية العادلة للشعب الفلسطيني، فتحول يوم 29 تشرين الثاني من كل عام إلى يومٍ للتضامن مع الشعب الفلسطيني.
وفي كل محطة كان يتسابق فيها الفلسطينيون الداعمون للقضية الفلسطينية إلى التعبير عن أوجه النضال ضد الاحتلال الإسرائيلي، وكانت العمليات الفدائية، وكان أسرى فلسطينيون في طليعتهم محمود بكر حجازي الذي أسر خلال عملية قام بها بتاريخ 17 كانون الثاني 1965، وكان أول أسير يتم تبادله مع الاحتلال الإسرائيلي بشروط فلسطينية، وذلك بتاريخ 28 شباط/ فبراير 1971، مقابل حارس إسرائيلي يدعى شومئيل روزن فايزر، يوم رفض الرئيس ياسر عرفات مبادلة أسير إسرائيلي مقابل 52 أسيراً فلسطينياً، بل قال أسير مقابل أسير، حتى لا يُكرس نظرة جديدة من التعاطي بأنّ حياة الفلسطينيين لا تساوي حياة الإسرائيليين، وهكذا كان فاستقالت حكومة غولدا مائير في العام 1971.
وأرسى الفلسطينيون نماذج رائعة في العمل الفدائي، يوم دخلت المرأة إلى هذا العمل عبر العمليات الفدائية، فكانت أسيرات فلسطينيات في مقدمتهم فاطمة البرناوي بتاريخ 8 تشرين الأول 1967م، ثم ليلى خالد التي حلقت في الجو وخطفت طائرة بتخطيط من مسؤول «العمل الخارجي» في «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين» الدكتور وديع حداد بتاريخ 29 آب 1969، لتكون قمة المواجهات مع عملية «الشهيد كمال عدوان» بقيادة الشهيدة دلال المغربي التي خطط لها القيادي خليل الوزير «أبو جهاد» ونفذت بتاريخ 11 آذار 1978، يوم أقامت دلال «أول جمهورية فلسطينية» على الأراضي الفلسطينية، وصُدم أيهود باراك بأن قائدة المجموعة الفدائية التي ضمت 13 فدائياً هي فتاة، وذلك في رسالة واضحة الدلالات من «أبو جهاد» الوزير، بأن باراك الذي تنكر بزي امرأة يوم اغتال أعضاء اللجنة المركزية لحركة «فتح» كمال ناصر وكمال عدوان ومحمد النجار «أبو يوسف في فردان 10 نيسان 1973، يرد عليها الفلسطينيون بفتاة وليس برجل يتنكر بزي امرأة.
وفي قراءة لمسلسل الأحداث والتطورات بين نكبة فلسطين في العام 1948 واليوم، نُلاحظ أن كل أقل من عقد من الزمن تكون هناك حرب مع الكيان الإسرائيلي، حرب 56 (العدوان الثلاثي)، نكسة حزيران 67، انتصار تشرين الأول 1973، اجتياح جنوب لبنان آذار 1978، اجتياح لبنان حزيران 1982، عدوان تصفية الحساب تموز 1993، ثم «عناقيد الغضب» نيسان 1996، قصف الجسور والمنشآت، وحرب تموز 2006، وصولاً إلى العدوان على غزة في كانون الأول 2008.
هذه الاعتداءات تؤكد، أنّ الكيان الصهيوني، كيانٌ قائمٌ على الحرب، وأنه عمل جاهداً بدعم أميركي إلى تفتيت الدول العربية وشرذمتها، فإذا كانت هذه الدول في أوّج عزها لم تتمكن عبر جيوشها من مقاومة الاحتلال الإسرائيلي، فكيف هو واقع حالها في ظل التفتيت؟
ووفقاً لسياسي متابع لما يجري على الساحة الإسرائيلية، يرى أنّ الحلم الإسرائيلي بأن تكون حدود دولة «إسرائيل» من الفرات إلى النيل تلاشى، بعدما أيقن الإسرائيليون أن إمكانية ذلك مستحيلة، وأن «اتفاق أوسلو» هو بداية الانهيار لتلك الفكرة الإسرائيلية، وبالتالي فإن إقامة الجدار على الحدود مع لبنان، يعني أن المشروع الإسرائيلي الموسع قد زال، وإن كانت هناك أهداف إسرائيلية للسيطرة على المنطقة، وليس بالضرورة أن يكون ذلك بسيطرة عسكرية، بل يُمكن ممارستها من خلال «الإرهاب» أو تنامي القوة العسكرية، وهذا ما تسعى إليه «إسرائيل» لتصبح أقوى قوة في الشرق الأوسط.
مخططات إسرائيلية
لذلك، فقد سعى القادة الإسرائيليون إلى تغيير معالم السيطرة على المنطقة، وذلك من خلال بذل الجهد لتفتيت الدول إلى أقاليم وإمارات و«كونفدراليات» ومناطق صغيرة، تحكمها طوائف ومذاهب، وبالتالي فإنه يكون بإمكانها تسويق «دولة يهودية»، بعدما واجهت صعوبة في تحقيق ذلك، حتى من يؤازرها تريث في دعم إقامة «الدولة اليهودية»، نظراً للمخاطر الجمّة التي ستنعكس على المنطقة بأسرها.
على مر السنوات قُدمت قوافل الشهداء، وعلى الرغم من سياسات القتل والتدمير والاعتقال والأسر والإبعاد، إلا أن الفلسطينيين لم يأبهوا لكل الضغوط الإسرائيلية بقوا صامدين. فنشاهد الأم تزف أبناءها واحداً تلو الآخر في أعراس الاستشهاد بدلاً من أن تزفه للزواج، وتسابقت «الخنساوات» الفلسطينيات في تقديم قوافل الشهداء والأسرى، ومنهن من فارقن الحياة وما زال أبناؤهن في السجون، أو ما زالوا يأملن احتضان الأبناء وفك أسرهم أو عودة المخطوفين منهم.
قد أثبتت الأيام أن الاحتلال الإسرائيلي لا يلتزم بالأعراف والمواثيق والمعاهدات، بل أنه لا يفهم إلا لغة واحدة، هي لغة المقاومة والكفاح والنضال في شتى العناوين، وفقاً لمراحلها: المسلح، الجماهيري، الشعبي، المقاطعة، المواجهة بالصدور العارية أو بالحجارة، أو بالوحدة الداخلية، فكل ذلك يؤدي إلى مواجهة الاحتلال وإرباكه، وكثيراً ما شاهدنا ولمسنا أن الحرف والكلمة والصورة لهم وقع الرصاص ضد الاحتلال الإسرائيلي.
في كل مناسبة، يثبت الفلسطينيون تمسكهم برفضهم لكل مشاريع التوطين والتهجير والتشتيت، التي فشلت على مر السنوات منذ طرحها، بل أن من طرحها أصبح عدواً للفلسطينيين قبل غيرهم، وذلك بتأكيد تمسكهم بحق العودة وفقاً للقرار الدولي 194 الصادر بتاريخ 11 كانون الأول 1948، وهم لا يتركون مناسبة إلا ويعبّرون عن ذلك. وبتاريخ 15 أيار 2011، يوم سمح للاجئين الفلسطينيين في لبنان بالتوجه نحو الحدود الجنوبية مع فلسطين، سارعوا بالآلاف كباراً وصغاراً، شيباُ ونساءً، إلى مارون الرأس وكانت الملحمة بسقوط 10 شهداء وأكثر من 100 جريح برصاص الاحتلال الإسرائيلي، على مقربةٍ من تراب الوطن في رسالة واضحة المعالم، بأن وجهة الفلسطينيين وعنوانهم هي العودة إلى فلسطين: مناضلين أو أسرى أو شهداء لا فرق، المهم أن تكون القبلة هي فلسطين.
وعندما منعوا من تكرار التجربة في يوم الأرض بتاريخ 30 آذار 2012، كانت وجهتهم وإقامتهم ومحطتهم في «قلعة الشقيف» - النبطية، تلك القلعة التي كانت شاهدةً على تحطيم صورة الجيش الإسرائيلي الذي لا يُقهر، من هناك تلمسوا الضوء باتجاه أرض الوطن، وتنشقوا هواءه العليل، على أمل أن يكحلوا عيونهم بترابه ويتباركوا بحبات زيتونه المبارك.
في الذكرى الـ 64 للنكبة تصادف مع تسطير الأسرى الفلسطينيين لملحمةٍ جديدة، وهم الذين خطوا الأحرف الأولى للمصالحة الفلسطينية، عندما أصدروا وثيقتهم في العام 2005، وكانت نقطة الانطلاق للمصالحة بعد حالة التشرذم بين الفصائل الفلسطينية.
إضراب الأسرى عن الطعام
لقد نفذ الأسرى الفلسطينيون إضراباً مفتوحاً عن الطعام، ضد الممارسات الإسرائيلية وأساليب التعذيب والاعتقال الإداري المتعسف ودون توجيه أحكامٍ ضدهم، وها هم يدخلون موسوعة «غينيس» من خلال بلال ذياب وثائر حلاحلة بعدما حطما الرقم القياسي بإضرابهما عن الطعام 76 يوماً، بعدما كان الأسير الايرلندي بوبي ساندز (الذي توفي في السجون البريطانية بعد اضراب مفتوح عن الطعام لمدة 64 يوماً)، وكذلك أثبت الفلسطينيون أنهم كالجسد الواحد، مصداقاً لقول رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): مثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى»، فهم ينفذون الإضرابات التضامنية مع الأسرى والمعتقلين في سجون الاحتلال.
وجاء إضراب الأسرى المفتوح عن الطعام ليحقق لهم انتصاراً رائعاً، حيث توّج باتفاق برعاية مصرية، أنهى إضرابهم في مقابل تحسين ظروف احتجازهم وتلبية مطالبهم الأساسية والإنسانية وفقاً للمواثيق والأعراف الدولية، حيث يثبت الأسرى مجدداً انتصارهم في وجه المحتل الإسرائيلي وسياساته، في محاولة للنيل من الفلسطينيين.. ولن تكون معركة الأمعاء الخاوية انتهاءً لمسيرتهم النضالية، بل هي بداية الطريق لخروج أكثر من 4700 أسير ما زالوا في سجون الاحتلال.
وفي قراءة سريعة لعمليات التبادل مع الاحتلال، نلاحظ أن هذه الصفقات التي تمت بين الفصائل الفلسطينية أو الأحزاب اللبنانية أو الدول العربية، كانت تتم عبر وسيطٍ أجنبي أو عربي أو «الصليب الأحمر الدولي»، وفي كل واحدة من هذه المحطات كان يُسجل انتصاراً على الاحتلال الإسرائيلي، بكسر مقولته بعدم الإفراج عن الأسرى والمعتقلين، تحت تهم أن أيديهم لطخت بدماء إسرائيليين، فأُجبر الاحتلال على إطلاق سراح أسرى بعمليات تبادل، حيث سارع المسؤولون الإسرائيليون لإيجاد تبريرات لهذه الصفقات.
تمر الساحة الفلسطينية بهذه المرحلة في ظروف دقيقة وحساسة جداً، خصوصاً أن مفاعيل المصالحة الداخلية التي وقعت بين الفصائل الفلسطينية في القاهرة بتاريخ 4 أيار 2011 لم تستكمل خطواتها، كما كان يتوقع، وإعلان الدوحة بين الرئيس الفلسطيني محمود عباس ورئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» خالد مشعل أيضاً بتاريخ 6 شباط 2012 أيضاً لم يكتب لها النجاح حتى الآن.
ما يأمله الفلسطينيون المسارعة في تحقيق هذه الخطوة، وإنجاز المصالحة الفلسطينية، خصوصاً أن المسؤولين الإسرائيليين توحدوا في ما بينهم وهدفهم تحقيق المصلحة الإسرائيلية، فها هي حكومة بنيامين نتنياهو تعلن نهايتها ويتم توافق مع شاؤول موفاز على تشكيل حكومة إسرائيلية جديدة، تعتبر حكومة وحدة وطنية، وهو ما يخشى لها أن تنفذ العديد من الأهداف في المرحلة المقبلة، لأن تشكيل مثل هذه الحكومة يعني الكثير للصالح الإسرائيلي.
المصدر: اللواء