نيسان فلسطين .. ذكرى من صنعوا التاريخ
بقلم: غسان الشامي
لا يمر شهر نيسان على فلسطين، دون الحديث عن رجالات
صنعوا التاريخ، سطروا صفحات التاريخ بمداد من ذهب، وخضبوا الأرض بدمائهم الطاهرة الزكية،
يذكرنا شهر نيسان بالكواكب المنيرة التي أضاءت سماوات فلسطين، وعبقت هواءها برائحة
الرصاص والبارود والقنابل الثورية.
في نيسان فلسطين ذكريات نضالية كثيرة: ذكرى رحيل
رجال صنعوا تاريخ شعب وذاكرة أمة ونضال وطن تربع على عرش الثورات الشعبية، وذكرى نضال
الإنسان في تحرير فلسطين الأرض والهواء والماء من دنس الغاصبين، تختلط الذكريات النضالية
في هذا الشهر؛ ففيه يوم الأسير الفلسطيني، وذكرى استشهاد القائد الفلسطيني الكبير أبي
جهاد الوزير، وذكرى استشهاد أسد فلسطين الهصور الدكتور عبد العزيز الرنتيسي، ولكل ذكرى
من هذه الذكريات سطور تاريخية سطروها القادة بالدم؛ من أجل فلسطين الأرض والإنسان والهوية.
فيوم الأسير الفلسطيني السابع عشر من نيسان هذا
التاريخ المشهود يحمل إنجازًا كبيرًا حققته المقاومة الفلسطينية في عام 1974م، عندما
أبرمت صفقة تبادل أسرى مشرفة مع الاحتلال الصهيوني، نتج عنها إطلاق سراح أول أسير فلسطيني،
وهو محمود بكر حجازي، هذا اليوم الفلسطيني العالمي أصبح يومًا للأسرى الفلسطينيين الذين
يتجرعون أشد صنوف التعذيب والإجرام الصهيوني؛ كيف لا وقد أسر مددًا مختلفة منذ عام
1967م أكثر من 800 ألف فلسطيني حسب الإحصائيات المسجلة، ولا يزال أكثر من 5100 أسير
داخل سجون الاحتلال، موزعين على أكثر من 27 سجنًا، لسان حال الأسرى ينادي المقاومة
أن تبشرهم بصفقة جديدة؛ لتفرج كربهم وتزيل همهم، ولا يعولون على المفاوضين والمساومين.
أما الذكرى الثانية في نيسان فلسطين فهي ذكرى
استشهاد القائد الكبير أبي جهاد، الذي استشهد في السادس عشر من نيسان من عام 1988م،
هذا الرجل الذكي كان في السبعينيات والثمانينيات العدو الأول للاحتلال، كانت حياته
مليئة بالعمل والجهاد والعطاء، وكثفت المخابرات الصهيونية جهودها وحملاتها وخططها،
وجندت كثيرًا من عملائها من أجل اغتياله والقضاء عليه.
لقد كان هذا الرجل صاحب فكر ثوري مميز، ساهم مع
رفاقه في قوات الثورة الفلسطينية في التصدي للعدو الصهيوني في معركة الكرامة بالأردن
في 21/3/1968م، وعمل في عام 1971م في إعادة البناء وتدريب المقاتلين الفلسطينيين والتحضير
للعمليات الفدائية، وبعد اغتيال القائد كمال عدوان في العاشر من أبريل عام 1973م في
بيروت تولى "أبو جهاد" في "فتح" مسؤولية القطاع الغربي من
"الأرض المحتلة"، وخلال توليه المسؤولية خطط للعديد من العمليات الفدائية
وأشرف على تنفيذها، منها عملية فندق (سافوي) في تل الربيع، وعملية تفجير الشاحنة المفخخة
في القدس في عام 1975م، وعملية قتل ألبرت ليفي كبير خبراء المتفجرات الإسرائيليين ومساعده
في نابلس عام 1976م، وعملية الساحل (الشاطئ) بقيادة دلال المغربي في عام 1978م، وغيرها
من العمليات العسكرية.
أما القائد الدكتور عبد العزيز الرنتيسي أسد فلسطين
الهصور فقد كان طبيبًا وشاعرًا، وقائدًا عسكريًّا فذًّا، حمل الهم الجهادي والدعوي
منذ صغره، وكان همه الأكبر تحرير فلسطين من العدو الصهيوني.
من أقواله المأثورة: "أرض فلسطين جزء من
الإيمان، وقد أعلنها الخليفة عمر بن الخطاب أرضًا للمسلمين قاطبة، ولا يحق لفرد أو
جماعة بيعها أو إهداؤها"، وأيضًا قال: "سننتصر يا بوش، سننتصر يا شارون،
وستعلمون غدًا ذلك بإذن الله، فكتائب القسام ستزلزلكم في حيفا وعكا، وستضربكم في تل
الربيع"، وقد تحققت مقولة الشهيد الرنتيسي فضربت كتائب القسام المظفرة العدو في
تل الربيع بصاروخ الرنتيسي (R160).
لقد كان القائد الرنتيسي من المؤسسين الكبار السبعة
الذين اتخذوا قرار انطلاقة الانتفاضة الشعبية الفلسطينية الأولى ضد الاحتلال عام
1987، وساهم في تأسيس حركة المقاومة الإسلامية حماس التي انطلقت في 14/12/1987م.
لقد سجل التاريخ الفلسطيني موقفًا للقائد الرنتيسي،
عندما أعلن رفضه القاطع للقرار الصهيوني إبعاد (417) من قيادات حماس والجهاد الإسلامي
إلى مرج الزهور بجنوب لبنان في شهر ديسمبر 1992م، إذ قال: "إما العودة أو الشهادة"،
وكان صاحب قرار عدم اجتياز الحدود اللبنانية والبقاء في المنطقة الحدودية مع المخاطر
المحدقة به.
ونجا القائد الرنتيسي من عدد من محاولات الاغتيال
الصهيونية؛ ففي العاشر من يونيو 2003م نجا من محاولة اغتيالٍ صهيونية جبانة، إذ استشهد
أحد مرافقيه وعددٌ من المارة، وبعد استشهاد الإمام الشيخ أحمد ياسين اختارت حماس القائد
الرنتيسي زعيمًا للحركة، ولم تمر سوى أيام معدودة حتى كان موعد القائد الرنتيسي مع
قدر الله، ففي 17 نيسان 2004م كانت عملية اغتيال صهيونية ارتقى فيها الرنتيسي شهيدًا،
ليختم حياته قائدًا مظفرًا رسم تاريخ تحرير فلسطين بالدم والشهادة.
مقتطفات قليلة في هذا المقال عن ذكريات نضال شعب
فلسطين في شهر نيسان، هذه السيرة العطرة للقادة التاريخيين يجب أن تكون نبراسًا منيرًا
للقادة والأجيال للسير على النهج نفسه في العمل النضالي الفلسطيني، والحفاظ على الثوابت
والمبادئ الوطنية الفلسطينية.
المصدر: فلسطين أون لاين