القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي
الثلاثاء 26 تشرين الثاني 2024

هل اقتنع اللبنانيون أن اللاجئين الفلسطينيين في لبنان يريدون العودة؟

هل اقتنع اللبنانيون أن اللاجئين الفلسطينيين في لبنان يريدون العودة؟

بقلم: علي هويدي/ المدير العام لمنظمة ثابت لحق العودة

إثر نكبة فلسطين في العام 48 ولجوء أكثر من مائة ألف فلسطيني إلى لبنان، تم استقبالهم على الحدود الجنوبية من قبل رسميين لبنانيين وعلى المستوى الأول من الدولة، حينها قال بشارة الخوري أول رئيس للجمهورية اللبنانية للفلسطينيين "ادخلوا بلدكم". وبعد توقيع اتفاق الهدنة بين لبنان والاحتلال الإسرائيلي في 23/3/1949، اتخذت السلطات اللبنانية قراراً صيف العام نفسه بإغلاق الحدود مع فلسطين المحتلة واعتبرت أي لاجئ يصل لبنان بعد هذا الزمن مخالفاً للقانون.

وصل عدد اللاجئين الفلسطينيين في لبنان إلى 465,798 لاجئاً حسب إحصاءات «الأونروا» في الأول من كانون الثاني/يناير 2012، أما العدد الفعلي فيصل إلى حوالى 300 ألف لاجئ يقيمون في 12 مخيماً رسمياً، بالإضافة إلى 58 تجمعاً، أي أن حوالى 42% من اللاجئين هم مهجرون في دول عربية وأوروبية عموماً، إما لأسباب اقتصادية أو أمنية.

هذا وينفرد لبنان عن غيره من الدول المضيفة للاجئين الفلسطينيين بأن لا يوجد نص خاص يعرّف من هو اللاجئ الفلسطيني، وربما هذه واحدة من أهم القضايا التي يطالب بها اللاجئ في لبنان، بقوننة وجوده القسري الذي زاد عن 64 سنة، تماماً كما هو حال اللاجئ الفلسطيني في سوريا أو الأردن. ويعتبر اللاجئون الفلسطينيون في لبنان أجانب من الفئات الخاصة، ولا يعاملون كبقية الأجانب في الحقوق والواجبات، هو التمييز المزدوج كما يسميه وزير الإعلام اللبناني الأسبق طارق متري، الأول بمعاملة اللاجئ الفلسطيني معاملة الأجنبي والثاني بعدم معاملته كبقية الأجانب. هذا ولا يحصل اللاجئون على بطاقة تمثل هذه الفئة من الأجانب، بل تعطى لهم بطاقات صادرة عن المديرية العامة للشؤون السياسية واللاجئين. وتعتبر البطاقة الشخصية الصادرة عن هذه الدائرة مع بطاقة «الأونروا»، هما الدليل على وضعية اللجوء، وهما شرطان أساسيان للإقامة والتنقل والسفر والحصول على المستندات الرسمية وإجراء المعاملات.

تفاؤل مع رئيس جديد للجنة الحوار

مع تعيين الدكتور خلدون الشريف رئيساً جديداً للجنة الحوار اللبناني الفلسطيني خلفاً للسفير عبد المجيد قصير، والمؤتمر الصحفي الذي عقده في السرايا الحكومي يوم الأربعاء 11/7/2012، وتقديمه رؤيا واضحة للملف الفلسطيني في لبنان، أسست لشراكة حقيقية لمعالجة جميع ملفات اللاجئين الفلسطينيين رزمة واحدة وإخراجها من الأدراج المغلقة (الاقتصادية والاجتماعية والقانونية والأمنية)، عدا عن البشرى التي زفها بإلغاء نظام تصاريح الدخول والخروج من وإلى مخيم نهر البارد، والذي نُفذ بالفعل مساء يوم الجمعة 13/7/2012. بالإضافة إلى الحراك الإيجابي للرئاسة الثانية والثالثة في لبنان بإيلاء الملف المعيشي للاجئين الفلسطينيين في لبنان اهتماماً خاصاً، جميعها مؤشرات عكست تفاؤل وإيجابية يراها اللاجئون الفلسطينيون على أنها خطوة مرحبة بها، وبالاتجاه الصحيح، وتؤسس لثقة متبادلة بين الطرفين.

وهذا جاء نتيجة حراك قامت به القوى الفلسطينية في لبنان، بمختلف مشاربها السياسية التي أجمعت على ضرورة أن يحترم الخلاف السياسي، وأن يتقدم ما يتم الإجماع عليه من أهمية توفير الحقوق المدنية والاجتماعية للاجئين، على قاعدة رفض التوطين والتمسك بحق العودة. وجاءت زيارة الوفد الفلسطيني المشترك (تحالف وفصائل) للرئيس ميقاتي بتاريخ 28/6/2012، بحضور المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم، ومدير المخابرات في الجيش اللبناني العميد إدمون فاضل، والزيارة الأخرى التي قام بها الوفد المشترك للرئيس نبيه بري في 7/7/2012، وقبل ذلك زيارة القوى الفلسطينية لقيادة الجيش اللبناني إثر أحداث مخيم نهر البارد في 16/6/2012، هذه الزيارات وغيرها تمثل حراكاً فلسطينياً جدياً وفاعلاً حتماً سيكون له ما بعده، خاصة أن هناك تفاعلاً لبنانياً إيجابياً بالمقابل، وغياب الحجة التي كان يضعها الكثير من اللبنانيين أمام تحقيق أية مطالب فلسطينية محقة بغياب وفد فلسطيني مشترك أو غياب «مرجعية» فلسطينية موحدة.

مجلس الوزراء ولجنة الحوار التنفيذية

تأسست لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني في أواخر العام 2005، وهي عبارة عن هيئة حكومية مقرها رئاسة مجلس الوزراء، وتضم ممثلين عن وزارات معنية بشكل أو بآخر بحياة اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، وتحديداً وزارة العمل والشؤون الاجتماعية، وزارة الصحة العامة، مؤسسة كهرباء لبنان، قيادة الجيش في وزارة الدفاع، وزارة العدل، مديرية الأمن العام في وزارة الداخلية ووزارة الخارجية والمغتربين. وبهذا فإن الرؤية التي قدمها رئيس لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني في مؤتمره الصحفي تعكس موافقة وتوقيع الوزارات المعنية، التي أخذت بعين الاعتبار «الانتقال إلى مقاربة أكثر ملاءمة للعلاقات اللبنانية الفلسطينية، تقوم على احترام سيادة واستقلال واستقرار لبنان، وتأمين حياة كريمة للفلسطينيين داخل المخيمات وخارجها، وتحسين ظروف إقامتهم المؤقتة، بما يكفل عودتهم إلى ديارهم، وما يؤكّد على رفضهم ورفضنا لأي شكل من أشكال التوطين». ومع الرؤية التي قدمها، أعادنا الشريف إلى سبع سنوات خلت، وتحديداً إلى الشهور الأولى التي تلت تأسيس اللجنة عندما زار وزراؤها المعنيون حينها مخيم عين الحلوة وأعلنوا تعاطفهم مع سكان المخيمات، وآلمهم ما رأوه من مآسٍ، وأعلن الرئيس السنيورة ووزراء آخرون أنه «لا يجوز استمرار التعامل مع الفلسطينيين كحالة أمنية». فهل يبادر الوزراء المعنيون اليوم بالقيام بخطوات مشابهة وليُبنى على الشيء مقتضاه، ويتم الانتقال من مرحلة التعاطف الشخصي لهذا الوزير أو ذاك ليترجم عملياً تحت قبة البرلمان؟

مخاوف محقة

في الوقت الذي نتمنى فيه أن تجري الأمور بانسيابية وسلاسة، بالمقابل من حقنا كلاجئين أن نحسب حساب المتغيرات وما أكثرها في لبنان، وان تعترينا بعض المخاوف أمام أي منعطف حيوي يتعلق بنا كلاجئين في لبنان. فبعد التوقيع على اتفاق الطائف الذي أنهى الحرب الأهلية في العام 1991، وبسط السلطة التشريعية نفوذها على الأراضي اللبنانية كافة، تم طرح عدد كبير من مشاريع تحسين ظروف عيش اللاجئين (أوتوستراد الحازمية – المطار الجديد، مشروع جزين، مشروع القريعة وغيرها..). لكن في كل مرة كانت تلك المشاريع تصطدم بخوف بعض اللبنانيين من عملية التوطين، الأمر الذي استغلته أطراف طائفية ومذهبية، وحولته إلى مادة إعلامية لشن حملة شعواء، اتسمت بالسلبية الشديدة حتى كان لها تأثير مباشر على السلطة اللبنانية التي أصدرت توجيهات واضحة إلى «الأونروا» بمنع إعمار وترميم البنى التحتية والمساكن في مخيمات اللاجئين في لبنان، وخصوصاً في بيروت.

وإثر التوقيع على اتفاق الطائف تم تشكيل لجنتين؛ واحدة لبنانية وأخرى فلسطينية، بعضوية كل من الوزراء عبد الله الأمين وشوقي فاخوري ومحسن دلول، والفلسطينية بعضوية كل من صلاح صلاح والمرحوم فضل شرورو، مهمتها الحوار حول حقوقهم الفلسطينيين المدنية والاجتماعية، وكانت النتائج الأولية إيجابية حين وافقت الدولة اللبنانية على إعطاء اللاجئين الفلسطينيين المسجلين في المديرية العامة لشؤون اللاجئين كامل حقوقهم المدنية والاجتماعية باستثناء الجنسية والوظائف العامة، مقابل أن يتم تسليم السلاح الثقيل والمتوسط لقيادة الجيش اللبناني، وانكفاء المقاتلين الفلسطينيين مع سلاحهم الخفيف إلى داخل المخيمات، باستثناء بعض المواقع الفلسطينية في منطقة الناعمة والبقاع. وتم التفاعل الإيجابي من قبل الطرف الفلسطيني، واتفق الوفدان على آلية لمتابعة تنفيذ المطلوب من قبل الدولة اللبنانية، إلا أنه وبدون إعطاء أية أسباب طلب الطرف اللبناني تأجيل الموعد الثاني المقرر ولا يزال الموعد مؤجلاً حتى الآن.

الرؤية المشتركة لبنانياً وفلسطينياً

هناك إجماع لبناني فلسطيني على رفض التوطين، أما الإجماع على حق العودة فهو حق حصري للاجئين الفلسطينيين وجهات لبنانية لا تمثل الطيف السياسي اللبناني بكل مكوناته، حتى بات الفرق واضحاً بين شعار «تأييد حق العودة» و«رفض التوطين». فالأول شعار وطني لبناني ووطني فلسطيني، وموجه ضد الاحتلال الإسرائيلي، بينما الثاني شعار عنصري ضد الفلسطينيين، وربما لا يزعج الاحتلال لأن رفض التوطين يمكن أن يعني التهجير. والأول يمثل امتداداً لانجذاب لبنانيين إلى تأييد الحق الفلسطيني بصفته عنصراً مهماً في نهضة المنطقة وتحولاتها، ويؤسس لمعركة مشتركة لبنانية جامعة، بينما الثاني يغذي أجواء تحريض لبنانية ضد الفلسطينيين. ولا يختلف عاقلان من أن الضغط يولد الانفجار، في المخيم كان أو المدينة أو القرية أو في أكثر مدن العالم أمناً واستقراراً. فالخليط غير المتجانس من مواد قابلة للاشتعال كفيلة بحرق الأخضر واليابس لو ارتكب أي من الأخطاء ولو كانت بحجم الشرارة.

وبهذا المعنى كيف يُطالب اللاجئون بتحقيق الأمن والهدوء والاستقرار داخل مخيم بقي على نفس المساحة الجغرافية بعد 64 سنة على تأسيسه، يتكدس فيه اللاجئون في أبنية عامودية، لا تدخلها أشعة الشمس آو ضوء النهار، مخيمات مظلمة رطبة، زواريبها تفوح منها الروائح الكريهة، ومع شحّ في المياه وانقطاع للكهرباء، وفي أزقة تتعانق فيها كابلات الكهرباء بأنابيب المياه، ومع نسبة بطالة فاقت 60% ونسبة أميّة وصلت إلى 25.5%، ونسبة فقر وصلت إلى أدنى مستوى، و95% من اللاجئين ليس لديهم تأمين صحي ومحرومون من حقهم في العمل والتملك والاستشفاء والتعليم، وممنوع عليهم البناء أو الترميم إلا بعد الحصول على إذنٍ مسبق من قيادة الجيش. وهذا غيض من فيض فقط، إذن المطلوب وبشكل رئيس سحب أي فتيل من شأنه أن يساهم في إشعال الحرائق وتوليد الانفجار، وهذا بشكل رئيس وأساسي مسؤولية الدولة اللبنانية المضيفة وقرارها السياسي بإماطة اللثام عن المخاوف الأوهام، وإقناع من لا يزال لديه الفتات من المخاوف بأن اللاجئ الفلسطيني في لبنان ليس لديه إلا مشروع واحد هو مشروع العودة فقط. وبعد ذلك تقع المسؤوليات الأخرى على «الأونروا» ومؤسسات المجتمع المدني وغيرها.. فمعالجة جذور المشكلة كفيل بذوبان وسقوط جميع الثمار الفاسدة، والمرحلة القادمة امتحان للجميع.

المصدر: مجلة فلسطين المسلمة عدد آب 2012