القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي
الخميس 28 تشرين الثاني 2024

«هل انتهى حلم الوحدة الوطنية الفلسطينية؟»

«هل انتهى حلم الوحدة الوطنية الفلسطينية؟»

بقلم: عبد الهادي علي

لا فتح ولا حماس على استعداد لقبول تقاسم السُلطة، والانشقاق بينهما لم يعد مجرد خلافًا أيديولوجيًا في طبيعته

منذ ما يقرب من ثماني سنوات، اندلعت اشتباكات مدمرة في قطاع غزة بين الفلسطينيين أنفسهم، كانت حماس والحركة الإسلامية ضد كل من قوات السُلطة الوطنية الفلسطينية وحركة فتح.

وكانت نتيجة هذا الصراع الداخلي ليس فقط عدة آلاف الضحايا، منهم الصحفيين والأكاديميين والنشطاء والزعماء، ولكن أيضًا كارثة سياسية مماثلة للنكبة في عام 1948.

حماس، بعد فوزها في الانتخابات البرلمانية التي جرت في عام 2006، كانت غير قادرة على الحُكم بسبب العوائق السياسية والمالية الذاتية، وفي ذلك الوقت، طلب المجتمع الدولي واللجنة الرباعية للشرق الأوسط (روسيا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة)، من حماس الاعتراف بإسرائيل ونبذ العنف كشرط لدفع رواتب موظفي السُلطة الوطنية الفلسطينية، وكان الموظفون في الأساس أعضاء ونشطاء من حركة فتح ومنظمة التحرير الفلسطينية.

في عام 2007، ونتيجة لاستمرار الاستفزازات التي تقوم بها قوات السُلطة الفلسطينية التي أنشأها محمد دحلان لإسقاط حكومة حماس المنتخبة، ردت حماس باستخدام جميع الوسائل للسيطرة على قطاع غزة، ما أسفر عن مقتل العشرات من أعضاء حركة فتح.

لسنوات عديدة، بدا أنّ دحلان كان الشخص المطلوب والممقوت من قِبل حماس، وتوضح العديد من البيانات التي أصدرتها حماس في الفترة من 2007-2008 أنّ الإجراءات العسكرية كانت فقط ضد دحلان وقواته.

ومع ذلك، فقد تم تضليل الشعب، وخلال فترة قصيرة جدًا قُتل العشرات من أفراد العائلات المعروفة في غزة إضافة إلى العشرات من أعضاء الأحزاب الإسلامية المنافسة لها، مثل السلفيين وجماعات الجهاد الإسلامي، مع مرور الوقت، أصبح من الواضح أنّ حماس مهتمة فقط بحُكم غزة، وليس قتال دحلان أو محاربة الفساد.

وفي ظل اندلاع أعمال العنف، توسطت جامعة الدول العربية والحكومات المصرية والأردنية والسعودية لتجنب المزيد من الكوارث، وجلست فتح وحماس على طاولة المفاوضات جنبًا إلى جنب مع الفصائل الفلسطينية في القاهرة وغيرها من الدول العربية.

قبل "الانقلاب” في عام 2007، والمعروفة باسم معركة غزة، وقّعت الجماعات السياسية الفلسطينية على اتفاقيتين لتقاسم السُلطة وإصلاح منظمة التحرير الفلسطينية، وللأسف، فشل الاتفاق الرئيس، المعروف باسم "اتفاق مكة”، في أقل من شهر، لأنّ حماس وفتح لم يكونا على استعداد لتقاسم السُلطة.

شعرت حماس بأنّ الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي يحاولان تجاهل انتصارها الانتخابي، وذلك لأنهما أرسلا المعونات المالية مباشرة إلى مكتب الرئيس محمود عباس، ودعما القوات الخاصة التي يقودها دحلان، والأهم من ذلك، خططا لتحويل الرأي العام في فلسطين ضد حماس.

عندما سيطرت حماس على قطاع غزة، عيّنت الموالين لها في كل من القطاعين العام والمدني، وتم إنشاء مؤسسات حكومية جديدة يعمل فيها موظفون تابعون لها، مع هيكل وتسلسل وظيفي جديد.

قبل عام 2007، كانت هناك خلافات أيديولوجية بين حماس وفتح، ومنذ عام 2007، كانت الخلافات بين حماس وفتح والسُلطة الوطنية الفلسطينية ذات طبيعة أيديولوجية ومؤسسية؛ فالإعدادات وإدارة السياسات العامة والقدرات البشرية الكبيرة تمنع حماس من التفاوض بشكل بيروقراطي مع حركة فتح والسُلطة الفلسطينية.

ولا تريد حماس أن تفقد الحد الأدنى من الدعم المجتمعي لها، وخاصة في أعقاب المخالفات التي ارتكبتها في قطاع غزة، والوضع الإنساني الذي لا يطاق الذي نتج بسبب سوء التقدير خلال السنوات الثماني الماضية.

وتوضح السلسلة الطويلة من الاجتماعات والاتفاقات أنّ كلا الطرفين، فضلًا عن أعضائهما، ليس لديهما أي ثقة في بعضهما البعض، ولا تزال هنالك رغبة في الانتقام من مقاتلي حماس الذين قتلوا أعضاء حركة فتح.

لعب إغلاق القنوات المالية لحركة حماس دورًا حاسمًا في إجبارها على اختيار تشكيل حكومة وحدة وطنية، وقد تأثر هذا التمويل من قِبل العديد من العوامل، مثل موقف حماس تجاه الانتفاضة السورية وإدانتها للنظام السوري، الأمر الذي لم يعجب إيران، الحليف القوي للنظام السوري، والتي قامت، نتيجة لذلك، بوقف تمويلها، الذي بدأ في عام 2002 عندما خسرت حماس مموليها في الخليج بعد أحداث 11/9.

وكانت هناك نقطة تحول حاسمة وهي إغلاق الأنفاق بين قطاع غزة ومصر، والتي منعت قدرة حماس على تهريب الموارد المالية اللازمة للحفاظ على السُلطة، في هذه المرحلة، لم تعد حماس قادرة على الاستفادة من الضرائب المفروضة على البضائع المهربة من مصر، ونتيجة لذلك كانت غير قادرة على دفع رواتب موظفيها لعدة أشهر.

هذا هو السبب في أنّ حماس بدأت، بشكل غريب، بالحديث عن قبول محمد دحلان، والتقت الحركة بأتباعه وسهّلت زيارة زوجته إلى قطاع غزة، وعلاوة على ذلك، نظمت حماس فعاليات مشتركة منها حفلات الزفاف لمجموعة من سكّان غزة.

وبطبية الحال، دعم دحلان هذا بسبب أنّ منافسه في الضفة الغربية، الرئيس محمود عباس، يتهمه بانتهاك القانون، والمشاركة في قتل العديد من القادة وتسميم الرئيس السابق ياسر عرفات.

في الآونة الأخيرة، وبعد عدة اجتماعات منذ أغسطس 2014، يبدو أن هناك مصالحة بين حركة حماس وإيران التي أعلنت عن استعدادها لمواصلة تمويل حماس، وعلى رأسها الجناح العسكري "المتشدد” من قيادة حماس، الزهار. السبب في ذلك هو أنّ حماس لديها كتلتين: كتلة "متشددة” بقيادة الزهار في غزة موالية لإيران، وكتلة أخرى بقيادة خالد مشعل غير موالية لإيران.

من ناحية أخرى، ومع التغيرات السياسية الراهنة في المنطقة، دعت السلطات السعودية قيادة حماس للمشاركة في الائتلاف السُني الإقليمي الجديد التي تحاول تشكيله مع تركيا ومصر ضد إيران، ومن العلامات الواضحة على ذلك الحرب ضد الحوثيين في اليمن.

إذا قبلت حماس أن تقف مع التحالف السعودي، فالجائزة ستكون قطاع غزة؛ فالمملكة العربية السعودية يمكنها إغواء حماس من خلال منحها قطاع غزة بمساعدة مصر والولايات المتحدة وإسرائيل، طالما أنّ حماس تحافظ على تهدئة الأوضاع في جبهة غزة، كما يمكن أن يقنع التحالف عباس بمعالجة الانقسام الفلسطيني من خلال تقاسم السُلطة مع حركة حماس في قطاع غزة، وبطبيعة الحال، لا يؤخذ الشعب الفلسطيني في الاعتبار في جميع هذه الخطط.

هناك عامل آخر يقف ضد إنهاء الانقسام الفلسطيني هي قضية الأمن والميليشيات المسلّحة، حماس لن تقبل عودة قوات السُلطة الفلسطينية كما كانت عليه قبل عام 2007؛ ولن تقبل السلطة الفلسطينية وحركة فتح أن تحافظ حماس على أسلحتها وقواتها كما هي الآن.

ويهدف عباس، بدعم من العديد من الدول العربية وإسرائيل، إلى تجريد حماس والميليشيات الأخرى من الأسلحة، وبالتأكيد لن يتم التوافق بين كل من الأجندتين، وبالتالي لن ينتهي الانقسام أبدًا.

بناءً على ما سبق، يبدو أن لا شيء سيتغير، دعوة مستشار عباس الأخيرة للقوات العربية بالقضاء على حماس، وعودة حماس القوية هي مؤشرات بأن كلا الجانبين ليسا على استعداد لقبول تقاسم السُلطة.

وعلاوة على ذلك، فإنّ البيانات الأخيرة من حماس، التي اتهمت السُلطة الفلسطينية بأنّها تريد عدم الاستقرار الأمني في قطاع غزة، ورد السُلطة الفلسطينية الذي كان قاسيًا، زادت من ترسيخ فكرة أن لا فتح ولا حماس يريدان سد هذه الفجوة، ويبدو أن عزمهما هو توسيع هذه الفجوة بشدة وباستمرار.

وعلى هذا النحو، فإنّ الانقسام بين فتح وحماس لم يعد ذا طبيعة أيديولوجية، لكنه متجذر بعمق في القدرات المؤسسية لكلا الطرفين.

وللأسف لا يمكن توقع أي أمل في تكوين وحدة وطنية حقيقية لها استراتيجية سياسية واحدة وحكومة واحدة وسُلطة شرعية واحدة.

المصدر: موقع أوبن ديموكراسي