هل تتفجّر
الانتفاضة الفلسطينية الثالثة؟
بيروت، 12 حزيران 2012
هل ستقوم إسرائيل بضرب إيران؟ أم أن
حكومتها ستصب اهتمامها للتسوية خصوصاً بعد الاتفاق على تشكيل حكومة الوحدة بين
حزبي الليكود وكاديما؟! هل الشعب الفلسطيني مُقبل على انتفاضة ثالثة؟ أم أن الأمر
لا يعدو كونه إحدى التوقعات؟! هل تكون قضية الأسرى إحدى أدوات تفجير انتفاضة
ثالثة؟
حقق رئيس الحكومة الإسرائيلية،
بنيامين نتيناهو، ما أراده من خلال اتفاقه مع زعيم المعارضة شاؤول موفاز (حزب
كاديما، 28 مقعداً)، على تشكيل "حكومة وحدة وطنية"، وباتت هذه الحكومة
التي سُميت من قبل بعض وسائل الإعلام الإسرائيلية بالقنبلة ذات رائحة كريهة، تستند
إلى أكثرية 94 نائباً من مجموع 120، وبات نتنياهو يقف على رأس ائتلاف هو الأكبر
منذ إقامة إسرائيل. ويستطيع من خلالها نتنياهو اتخاذ أي قرار يريده، سيما أن موفاز
تعهد بعدم الخروج من الحكومة حتى انتهاء دورة الكنيست الحالية. هذه الحيلة والتي
ألغت الانتخابات، أدهشت الجميع، حتى أنه في العواصم العربية والغربية حاولوا أيضاً
أن يفهموا هل يكمن وراء ما كُتب في الاتفاق الائتلافي خطة سرية فيها هجوم إسرائيلي
على إيران.
وقد حاولت وزيرة خارجية الاتحاد
الأوروبي كاثرين آشتون عقب إعلان الاتفاق بين نتنياهو وموفاز معرفة شيء ما عن
المزاج العام في إسرائيل. ففي الغرب خشية من أن تأمر إسرائيل الطائرات بالإقلاع
شرقا، وأرسلوا آشتون إلى القدس المحتلة لتتبين ما هو طول الحبل الذي أصبحت القدس
مستعدة لمنحه للاتصالات الدولية التي تقودها بإزاء إيران، وأنه هل يعني الائتلاف
الجديد التساوي في التجنيد وتغيير طريقة الانتخابات فحسب أم يعني أيضاً التمهيد
لتأييد سياسي وجماهيري واسع لإجراء حربي معقد في إيران، بحسب ما كتب يوآف ليمور
("إسرائيل اليوم").
ويرى كبير المحللين السياسيين في
"يديعوت أحرونوت" بأن رئيس الحكومة الإسرائيلية الأسبق مناحيم بيغن أقدم
على قصف المفاعل النووي العراقي عام 1981 عشية معركة انتخابات عامة، وعندما سئل في
وقت لاحق عن هذا الأمر قال أنه كان يعرف أن منافسه في الانتخابات في ذلك الوقت
شيمون بيريز، رئيس حزب العمل، وكبار جنرالات هيئة الأركان العامة، يعارضون قصف هذا
المفاعل، ولذا فإنه في حال فوز بيريز والعمل في تلك الانتخابات سيتم تجميد عملية
القصف. وخلص محلل "يديعوت أحرونوت" إلى استنتاج فحواه أن رئيس الحكومة
الحالي نتنياهو يمكن أن يهاجم إيران حتى عشية معركة انتخابات عامة، متذرعًا بالحجة
نفسها التي تذرع بها بيغن.
ويقول تسفي برئيل، المؤرخ والكاتب
السياسي: "إذا كانت الذرة الإيرانية تهديداً وجودياً لإسرائيل فإن سعر النفط
هو تهديد استراتيجي لاستقرار أوروبا التي تتوقع من اوباما أن يهدئ حليفته لأن
الحديث هنا ليس عن أمور تافهة كالمسيرة السياسية أو وقف البناء في المستوطنات. أما
استقرار العالم، أي البورصات فيه، فهو متعلق الآن بما ستقوله إيران وبما ستفعله
إسرائيل. وهرم التقديرات هذا هو الذي سيجعل حكومة نتانياهو – موفاز تواجه أصعب
المعضلات: هل ينبغي لها ألا تهاجم إيران وألا تقضي على جزء من التهديد الوجودي
الذي يجادل مسؤولوها الكبار في حقيقة صدقه، أم تهاجم وتصبح هي نفسها عدوة العالم.
وستضطر إلى أن تؤجل القرار إلى الصيف المقبل؟".
وفي العموم، هذا الاتفاق حقق
الاستقرار لحكومة نتنياهو الذي ردد طيلة الثلاث سنوات الأخيرة بأنه لا يمكنه أن
يتقدم في مسيرة التسوية مع الفلسطينيين بسبب خوفه على سلامة ائتلافه. ويقوم
الاتفاق على أربع نقاط أساسية: تولي موفاز منصب النائب الأول لرئيس الوزراء
الإسرائيلي. قيام الطرفين باستحداث بديل لقانون "طل" الذي كان يستخدم
لإعفاء الطلاب المتدينين من الالتحاق بالجيش الإسرائيلي، وتمرير موازنة جديدة
وتجديد النظام السياسي في إسرائيل، والبعض يتوقع قيام التحالف الجديد بالمضي قدماً
في عملية التسوية.
وما يعني الولايات المتحدة في هذا
الظرف هو استمرار الاتصالات ومنع التدهور الأمني فالأمريكيون يأملون من خلال
استمرار التواصل بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية في أن تنشآ آلية تمنع تصعيداً في
الوضع الأمني في الضفة الغربية حتى انتخابات الرئاسة الأمريكية. إذا انتخب الرئيس
اوباما لولاية ثانية، فهو معني باستئناف الاهتمام بالموضوع الإسرائيلي الفلسطيني
لإحداث اختراق بين الطرفين، وادعى نتنياهو أمام الأمريكيين بأنه إذا خرج بمبادرة
سياسية في إطارها عرض مواقف واضحة في موضوع حدود الدولة الفلسطينية أو نفذ بادرات
طيبة ذات مغزى تجاه الرئيس محمود عباس، فسيؤدي الأمر إلى تفكيك رئيس إسرائيل بيتنا
افيغدور ليبرمان الائتلاف، أو إلى معارضة شديدة من داخل الليكود، بحسب باراك
رابيد، (هآرتس 11/5/2012). فنتنياهو سئم من محاولات ابتزاز وزير خارجيته افيغدور
ليبرمان والأحزاب الدينية والمستوطنين.
وحكومات "الوحدة الوطنية"
أقيمت في إسرائيل، من أجل الحرب على الغالب. فقبل خمسة أيام من حرب حزيران (يونيو)
عام 1967، شكل رئيس حكومة حزب العمل، ليفي اشكول في حينه أول حكومة وحدة، ضم
خلالها رئيس حزب الليكود (كان اسمه جاحل يومها) مناحم بيغن. وشكلت رئيسة حكومة حزب
العمل، غولدا مئير، الحكومة الثانية إذ ضمت بيغن في سنة 1969، خلال حرب الاستنزاف
في سيناء، وكانت مقدمة لضرب العمق المصري بالغارات الجوية. الحكومة الثالثة أقامها
اسحق شامير عشية الانتفاضة الفلسطينية الأولى واستمرت حتى عام 1990.
والسؤال المطروح، هل يريد نتنياهو
فعلاً إنجاح عملية التسوية ودفع تكاليفها؟! البعض يرى أن تحقيق نتنياهو لحكومة
مستقرة سيجعله يقاوم الضغوط الدولية المتزايدة بشكل أكثر سهولة لجهة تجميد
النشاطات الاستيطانية، فضلاً عن تفكيك الكتل الاستيطانية، أو الانسحاب من مناطق
مصنفة "ج" وتسليمها للسلطة الفلسطينية.
ما يجعل الإجابة عن الأسئلة التي
طرحناها أمراً يكاد يكون مفروغاً منه، وهذا ما يتم تأكيده بشكل واقعي من خلال
تكرار زعيمة المعارضة آنذاك "تسيبي ليفني" تأكيدها مراراً وتكراراً
عقب تهديد شركاء نتنياهو في
الائتلاف الحكومي بالإنسحاب منها إذا قدّم تنازلات بشأن عملية التسوية؛ مؤكدة
استعدادها لتوفير شبكة أمان سياسية للحكومة إن رغبت في تقديم ما أسمته
"تنازلات جدية من أجل السلام".
وفي الوقت الذي يشدد فيه أبو مازن،
على أن الطريق إلى استئناف المفاوضات تتطلب وقف الاستيطان، وبما يشمل القدس
الشرقية وقبول مبدأ حل الدولتين. ما زال نتنياهو يصر على استئناف فوري للمفاوضات
"من دون شروط مسبقة" أي دون اشتراط وقف الاستيطان، بحسب ما نقل موقع
صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية على الإنترنت عن مسؤول إسرائيلي.
ويرى الكاتب الفلسطيني هاني حبيب أن
الحديث المستمر وبلا انقطاع عن إمكانية شن حرب إسرائيلية على إيران، لم يبدأ مع
دخول موفاز إلى حكومة نتنياهو الموسعة، فهو سياق متصل طوال السنوات الماضية، يهدأ
حيناً ويزداد حيناً آخر، حسب الظروف والتوازنات الداخلية في معظم الأحيان، وفي
إطار الضغط على الولايات المتحدة والمجتمع الدولي حيناً آخر، مع إدراك تام بأن
حرباً على إيران من قبل إسرائيل لم تكن بحاجة إلى موافقة المعارضة الهشة التي كان
يرأسها كاديما بقيادة ليفني ثم موفاز، وكانت ستقوم لو توافرت الإرادة والقرار
اللازمين لشنها.
وما يجري الآن من حراك قد يؤدي إلى
انشقاقه، قد يكون مؤشراً على أن توسيع حكومة نتنياهو، قد كان من أهم أهدافه إزاحة
العملية التفاوضية على الملف الفلسطيني – الإسرائيلي عن دائرة الاهتمام والأولويات
لصالح الملف الإيراني، ذلك أن الجماعة المحسوبة على رئيسة الحزب المطاح بها مؤخراً
ليفني، بدأت تشكل وتبلور مجموعة يمكن أن تنشق عن كاديما على خلفية التطور الأخير،
السبب الرئيس الذي أعلنته هذه المجموعة على لسان أحد قادتها شلومو مولا، هو أن
موفاز، في إطار انضمام كاديما إلى حكومة نتنياهو قد تخلى عن أحد مبادئ كاديما
المتعلق بإعطاء المسيرة السياسية على الملف الفلسطيني الإسرائيلي الأهمية الأولى..
وهي إشارة إلى أن حكومة نتنياهو الجديدة نجحت في تحقيق هدفها، المتمثل في تجاوز
الملف الفلسطيني تحت ضجيج الملف الإيراني.. وهنا الإسهام الأكثر تأثيراً للشراكة
الجديدة بين نتنياهو وموفاز!.
انتفاضة ثالثة؟!
إذا عدنا إلى تجربة الانتفاضة
الأولى "انتفاضة الحجارة"، وأسبابها ومسبباتها، والتجربة الغنية التي
اختزنها الفلسطينيون منها، نرى أن تفجرها جاء بسببين اثنين:
-وجود الاحتلال الصهيوني وطبيعته
الاستيطانية والعنصرية، وفي كل الأحوال الاحتلال هو أحد المحفزات الرئيسية لمقاومة
أي شعب تُحتل أرضه، ويُنتزع منها.
-أن انتفاضة الحجارة لم تكن منقطعة
عن سلسلة من التجارب الكفاحية والنضالية والجهادية، بل جاءت حصيلة تجربة كفاحية
ونضالية في مواجهة الاحتلال... وبالتالي لم يكن تفجرها نتيجة "كبسة زر
بالريموت كنترول"، بل حصيلة تجربة مختزنة على مدار سنوات من الصبر والمعاناة
والنضال والكفاح اليومي... ومنها على سبيل المثال: (8-29/3/1979)، ضد معاهدة الصلح
المنفرد بين إسرائيل ومصر؛ انتفاضة نيسان (ابريل) والأيام الأولى من أيار (مايو)
1980 وتخللها هجوم فدائي في الخليل أسفر عن قتل 6 مستوطنين وجرح 17 آخرين؛(1)
انتفاضة كانون الأول (ديسمبر) 1981؛ انتفاضة آذار- نيسان 1982 التي بلغت من حدة
المواجهة والشمولية ما دفع مناحيم ميلسون، رئيس "الإدارة المدنية" في
الضفة الغربية إلى اعتبارها "أهم معركة سياسية تخوضها إسرائيل منذ العام
1948"، كما دفع أحد الكتاب الإسرائيليين إلى القول: "خجل أنا ببلدي. خجل
أنا بحكومتي. خجل أنا بنفسي، إزاء الفظائع التي تحصل... أمام أعيننا". (2)
انتفاضة كانون أول (ديسمبر) 1986:
امتدت طيلة شهر، وتميزت بأسبوع من الاشتباكات العنيفة بين الفلسطينيين
والإسرائيليين في القدس إثر مقتل إسرائيلي. وقد استشهد خلالها طالبان من جامع بير
زيت وفتى من مخيم بلاطة، وافتتح معسكر "أنصار 2"، في غزة لاستيعاب مئات
المعتقلين. (3)
انتفاضة شباط (فبراير) 1987: بدأت
في أواخر الأسبوع الأول من شباط وتواصلت حتى أواخر الشهر. (4)
انتفاضة أيلول (سبتمبر) – تشرين
ثاني (نوفمبر) 1987: وتجسدت في سلسلة من المواجهات العنيفة: إضرابات، تظاهرات،
هجمات.. (5)
المقصود من إيراد هذا التسلسل من
الأمثلة التأكيد على استمرار مقاومة الفلسطيني للاحتلال، من جهة، ومن جهة أخرى أن
المتشابهات التاريخية مع استمرار الإصرار على المقاومة والانتفاض ضد الاحتلال قد
تكون مدخلاً جديداً يُفجر الانتفاضة الثالثة.
هذا الكلام لا يستند إلى تمنيات، بل
القادة الإسرائيليون باتوا يحسبون له ألف حساب. فقد ذكرت صحيفة "هآرتس"
ووسائل إعلامية إسرائيلية أخرى أن تقريراً رسمياً إسرائيلياً قُدم مؤخراً لحكومة
بنيامين نتنياهو حذر من احتمال اندلاع انتفاضة فلسطينية ثالثة خلال العام الجاري،
سواء من خلال قرار تتخذه القيادة الفلسطينية أو في إطار احتجاجات شعبية متأثرة
بموجة الثورات التي يشهدها العالم العربي. وجاء بالتقرير الذي أعده مركز الأبحاث
السياسية بالخارجية - وهو هيئة استخبارية - أنه بهذه المرحلة لا توجد إرادة لدى
القيادة أو الرأي العام الفلسطيني لتصعيد عنيف ضد إسرائيل، ولكن مع استمرار الجمود
بالعملية السياسية إلى جانب عمليات إسرائيلية شديدة على المستوى العسكري
والاقتصادي واستمرار العاصفة في الشرق الأوسط، فقد يؤدي إلى تغيير بهذا التوجه.
يترافق ذلك مع محاولات فلسطينية
لعزل إسرائيل على الساحة الدولية، في إشارة إلى خطوات قامت بها السلطة الفلسطينية
للحصول على عضوية دولة فلسطين بالأمم المتحدة. وفتور العلاقات مع كل من الأردن
ومصر، مشيراً التقرير إلى أن النظام الأردني يعمل على الحفاظ على اتفاق
"السلام" والعلاقات الوثيقة مع المستويات الاستخباراتية والعسكرية
الإسرائيلية، لكنه يحمل الحكومة مسؤولية الجمود السياسي. في السياق ذاته، قال
المحلل للشؤون الفلسطينيّة في صحيفة 'يديعوت أحرونوت' روني شاكيد إنّ المؤسسة
الأمنية في إسرائيل تتخوف من أن يتسبب الإضراب عن الطعام، الذي يخوضه الأسرى
الفلسطينيون في سجون الاحتلال بموت أحد الأسرى، الأمر الذي من شأنه أن يؤدي إلى
اشتعال اضطرابات عنيفة في جميع أنحاء المناطق المحتلّة، مشيرا إلى أنه يوماً بعد
يوم يحظى الإضراب بمزيد من التعاطف بين صفوف الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع
غزة، كذلك بين صفوف عرب الـ48.
من ناحيته قال المحلل للشؤون
الأمنيّة في الصحيفة عينها، أليكس فيشمان، إنّ الجمود الذي يُسيطر على ما يُطلق
عليها المسيرة السلميّة بين الإسرائيليين والفلسطينيين يؤدي إلى رفع حالة التأهب
في صفوف المؤسسة الأمنية، إذ إنه منذ ذكرى يوم الأرض الأخيرة باتت حالة التأهب في
صفوف قيادة المنطقة العسكرية الجنوبية في الدرجة القصوى. ونقل فيشمان عن مصادر
عالية المستوى في القيادة العسكريّة بتل أبيب قولها إن الهدوء الحالي المسيطر على
منطقة الضفة الغربية يخفي وراءه عاصفة كبيرة، ذلك بأنه من غير المنطقي أن يخرج
ألوف الأشخاص للتظاهر في ميدان التحرير في القاهرة، وأن تزداد التظاهرات المناهضة
لإسرائيل في الأردن، وألاّ يحدث شيء في الضفة الغربية...
وكتب الياس خوري في صحيفة (القدس
العربي) تحت عنوان: (فلسطين : نحو انتفاضة ثالثة) " المفاوضات في الشروط
الراهــنة، وفي موازين القوى المرتسمة على أرض الصراع، لن تقود إلى مكان. الفراغ
السياسي سوف يتعاظم، ومؤشرات الاستقرار الأمني والاقتصادي في الضفة الغربية ليست
سوى حالة مؤقتة ووهمية وسريعة الذبول.
نحن أمام مقدمات انتفاضة فلسطينية
ثالثة. والانتفاضة لن تكون وليدة قرار تتخذه هذه القيادة السياسية أو تلك، بل
ستكون وليدة انفجار شعبي يتنامى، وهي بهذا سوف تكون استكمالاً لانتفاضة أطفال
الحجارة التي فاجأت القيادة الفلسطينية، قبل أن يتم تبنيها...
فلسطين اليوم في وضع مشابه، وطن
وحيد ومحاصر بالاستيطان، وبلا أي عمق استراتيجي يعطي الفلسطينيين أي أمل.
الانتفاضة الجديدة لا تأتي من
لامكان، وليست نتيجة الخيبة أو الانسداد السياسي فقط، بل هي ثمرة تراكم تجارب
متعددة ومتنوعة، وخبرات ونضالات تبدو صغيرة، لكنها تحمل جميع مؤشرات الامتداد
والنمو.
من تجربة مقاومة الجدار في نعلين
وبلعين، أو من تجارب مشابهة، أو من الاحتقان في القدس، أو من حادث صغير في جنين أو
نابلس، سوف يبدأ الاشتعال الفلسطيني، الذي سيكون مفاجئا، وسيعيد رسم خريطة السياسة
في المنطقة العربية بأسرها".
والسؤال الذي يطرح نفسه ما مدى
ارتباط الانتفاضة الثالثة بالانقسام الفلسطيني؟
من الواضح أن حالة الانقسام الحاصلة
قد أضرت بشكل كبير ليس بالفلسطينيين وحدهم، وإنما بالقضية الفلسطينية نفسها. وهذا
ما ثبُت من خلال تراجع الاهتمام بالقضية إلى أدنى المستويات! فالشعب الفلسطيني
الذي خاض الانتفاضة الأولى والثانية من أجل القضية الفلسطينية سيخوض انتفاضة ثالثة.
إن الانقسام لو بحثنا في جوهره يعني
عدة أمور:
1. ضعف الرابطة البيولوجية في الانتماء
للوطن.
2. تشجيع الهجرة إلى الخارج من اجل
الانتماء الطوعي.
3. التحول في الصراع من صراع ضد العدو
المشترك إلى الصراع البيني.
4. تحول القضية الفلسطينية إلى مسألة
فلسطينية.
5. تشويه القضية الفلسطينية أمام
العالم الخارجي
6. ضعف الرابطة الجمعية ما بين أبناء
الانتماء البيولوجي.
... إن انقسام الأرض الفلسطينية ضمن
حدود 67 ما بين غزة والضفة إنما يعني انهيار القضية الفلسطينية وضياعها وافتقادها
إلى الجوهر النضالي وان اندلاع انتفاضة ثالثة ستزيد الشعب الفلسطيني تمسكا بالقضية
الفلسطينية.. (6)
وليس من المستبعد أن تندلع
الانتفاضة الثالثة.. إذ إنه ربما تشكل تلك الانتفاضة، المخرج الحقيقي للأزمة التي
يمر بها الفلسطينيون، لأن القاعدة علمتنا دوماً أن الشدائد والخطر الشامل الذي
يهدد الجميع، هو من يوحد الشعوب ويجمعها على هدف واحد، وفي الوقت ذاته يذيب كل
الخلافات والتباينات التي تنشب في زمن الهدوء والصراع على السلطة. فالأقصى بات في
خطر حقيقي، ومن المتوقع الإعلان عن سقوط وانهيار حوائطه بين حين وآخر، خصوصاً بعد
ما تردد عن استخدام إسرائيل لمواد كيماوية في تفتيت الصخور أسفل الأقصى. والأسرى
أيضاً في خطر، والمستوطنات تنتشر في الضفة والقدس، وعمليات التهويد جارية على قدم
وساق، وانسداد في أفق عملية التسوية ـ رغم المعارضة لها ـ،، وعدم الاستقرار في
الشرق الأوسط.. كل ذلك قد يكون مقدمات لاندلاع انتفاضة ثالثة.
وحتى نكون موضوعيين أيضاً، توجد بعض
الآراء الإسرائيلية التي تستبعد ذلك فقد توقع آفي يسسخروف في مقالة له نشرتها
صحيفة "هآرتس"، أن قد لا تكون هناك انتفاضة ثالثة لتعب الجمهور
الفلسطيني في الضفة.
وقال: "من شأن التوتر حول
الحرم أن يبعث اليوم مرة أخرى اندلاعاً للعنف بين الفلسطينيين وإسرائيل".
وأضاف: "الانتفاضة الثالثة تبدو شبه خيالية في هذه المرحلة، ولا سيما في ضوء
تعب الجمهور الفلسطيني في الضفة، الوضع الاقتصادي المتحسن وعدم رغبة السلطة في
التدهور الشامل، ولكن من الصعب على المرء أن يتوقع إلى أين ستؤدي المظاهرات
والصدامات
".
وفي المقابل، اقترحت أوساط أمنية
وعسكرية صهيونية لمكافحة سيناريو الانتفاضة الثالثة ومواجهته، ـ وهذا يعني أن
إسرائيل تأخذ على محمل الجد احتمال اندلاع انتفاضة ثالثة ـ التوصيات التالية:
-رفع درجة التأهب القصوى في جميع المواقع
المستهدَفة والمرشحة للاستهداف في الانتفاضة الثالثة.
- تكثيف درجة التنسيق الأمني مع
الأطراف المجاورة للكيان، التي تربطها بها علاقات سلام، كالأردن ومصر والسلطة
الفلسطينية؛ على أن يشمل التعاون تبادل المعلومات، والتحقيقات، ونشر القوات
المشتركة إن أمكن.
-ضرورة فحص أثر هذه الجبهة الحربية
الجديدة مع إسرائيل،.. ورصد المناطق التي تحيا فيها المجموعات المسلحة.
- تقصير أمد جولة المواجهة وضررِها؛
حيث يحتاج الجيش أن يعمل لتخفيف الضرر الواقع به نتيجة الانتفاضة، ويكون تخفيف
الضرر بعدة أعمال، منها: عزل حَلَبَة المواجهة،.. واستعمال القوة بمقادير ملائمة
بحسب الحاجة لردع المقاومة عن فتح حلبة قتال أخرى.
- تقليص الضرر: من خلال استعمال وسائل
تحصين لتقليص الضرر الذي يقع على نسيج الحياة المدنية الصهيونية أثناء المواجهة،
وتقصير مدة الانتفاضة؛ حيث يجب على الجيش العمل من أجل تحديد مقدار الضربة
وقوَّتها؛ بحيث يفضيان بالمقاومة الفلسطينية إلى إدراك أن الاستمرار على القتال
مناقض لمصلحتها، ومن جهة ثانية ينبغي وَقْف القتال بعد أن يحرز إصابة بالِغَة
بالفلسطينيين. (7)
وفي العموم، إن تفجُّر انتفاضة
فلسطينية ثالثة أمر أسهمه في تزايد مستمر؛ قد يكون الوقت قريبا، أو قد يتأخر
انفجارها لبعض الوقت، إلا أن عوامل تفجُّرها ما زالت تختمر وستأتي كحلقة من حلقات
الكفاح ضد الاحتلال الإسرائيلي...
14-5-2012
هوامش
1-الانتفاضة الثورية في فلسطين
الأبعاد الداخلية، خالد عايد، نقلاً عن كتب "العرب تحت الاحتلال الإسرائيلي"،
الصادرة عن مؤسسة الدراسات الفلسطينية، للسنوات المعنية..
2-دون بارنير، "عال
همشمار"، (29-3-1982).
3-الانتفاضة الثورية في فلسطين
الأبعاد الداخلية، خالد عايد، ص 17.
4-المصدر السابق.
5-المصدر السابق.
6-الانقسام سيفجر انتفاضة ثالثة،
مأمون شحادة، الحوار المتمدن، العدد: 2550.
7-مجلة البيان الإماراتية، ترقب
الصهاينة لانتفاضة ثالثه، د. عدنان أبوعامر، العدد: 276.
المصدر: هيثم محمد أبو الغزلان