هل فعلاً هناك
مشروع وطني لقضية اللاجئين الفلسطينيين؟
بقلم: طارق
حمود
هذا سؤال بات
يفرض نفسه بقوة أمام مشاهد البؤس التي تجتاح مخيمات اللاجئين من جهة، والانحدار
السياسي في المواقف تجاه قضيتهم من جهة أخرى، وهو أمر لاتقتصر مظاهره على طرف
فلسطيني دون آخر بالتأكيد، فعلى الرغم من قوة الطرح السياسي وعنواينه التي يتبناها
تيار المقاومة الفلسطيني المناهض لعملية السلام بشكلها الحالي، فإننا نجد ثغرات
خطيرة في أبعاد المشروع الوطني المتبنى لديهم إن صح تعبير وجود مشروع وطني، فحتى
هذه العبارة "المشروع الوطني" هنا قد تأخذ المنحى المجازي للتعبير عن
مشروع سياسي لفصيل أو تيار بعينه لا أكثر، وفي أكثر الأحيان فهي تستخدم استخدامات
شعارتية فقط.
بكل تأكيد هناك
ما يمكن رصده من مشاهد التجاهل المتعمد بعضها، والتلقائي في بعضها الآخر لقضية
اللاجئين، والتي بات التعامل معها على أنها عبء سياسي واقتصادي وأخلاقي، لا كقضية
إستراتيجية، وفي أفضل الحالات يتم التعامل معها على أنها مجاميع بشرية يمكن
الاستفادة منها لتغذية السياق السياسي المتخذ من قبل طرف من الأطراف الفلسطينية،
وهذا الأخير لا ضير فيه، إذ أن اللاجئين الفلسطينيين ككتلة بشرية هائلة تمثل
مايقرب من ثلثي الشعب الفلسطيني لابد وأن يكون لها تأثيرها القوي والمباشر في مسار
الأحداث اليومية على الساحة الفلسطينية، إلا أن هذا الاستخدام لاينبني على حالة
هادفة ومدروسة في سياق بناء المشروع الوطني، أو التعامل مع طموحاته الشعبية، وإنما
يأتي في سياق استثمار مساحات فاعلية معينة في طريق التفاعل مع مختلف التطورات التي
تفرض ظروفها أحياناً تقديرات تجعل من المخيمات ومن فيها المساحات الأرحب للعمل
السياسي. ومع كل ذلك فإن تقسيماً غير متعمد، وفي جزء منه ربما يكون متعمداً في عزل
مصير لاجئ فلسطيني عن آخر، سواء مابين الداخل والخارج، أو ما بين الخارج والخارج
من خلال التعامل مع ظروف بلدان مستضيفة للاجئين بمعزل عن المشروع العام لإنجاز
حقوق اللاجئين الفلسطينيين وعلى رأسها حق العودة، حتى بتنا نسمع عن حديث التوطين
أو التهجير جهاراً نهاراً وبرعاية رسمية فلسطينية ربما وإن كانت مبطنة، والأمثلة
على ذلك في مخيمات لبنان مثلاً أكثر من أن تحصى، أما في سورية فالأمر كما لم يعدا
خافياً على الجميع، تهجير ممنهج للاجئين، وحتى المخيمات التي باتت خارج دائرة
الصراع وهي الآن بعهدة النظام ومنذ شهور يمنع أهلها من العودة إليها بتاتاً دون أن
يعلم أحد ما السبب، كمخيم الحسينية جنوب دمشق الذي يعد ثاني أكبر مخيمات سورية بعد
اليرموك من حيث عدد اللاجئين، فيما اليرموك لا يزال على طاولة مزاد الدم الذي
يمارس بحقه وحق أهله سلوك لم تشهد مثله القضية الفلسطينية على مر تاريخها لا في
الداخل ولا في الخارج.
شاهد هذه
الأحداث التي نسرد بعضها هو عنوان المقال المتمثل بحقيقة وجود أي مشروع ولو نظري
تجاه اللاجئين الفلسطينيين؟ خاصة في الخارج، فأمام مشاهد الانتهاكات التي مورست
بحق مخيمات لبنان وسورية وعلى مر عقود، ما يدفع أي قيادة فلسطينية لاستنفار وطني
لوضع حد لهذه الانتهاكات، إلا أن الحاصل هو العكس، نستذكر جيداً تبني منظمة
التحرير الفلسطينية والسلطة لرواية نوري المالكي وحكومته تجاه القتل الذي استحر
بفلسطينيي العراق على خلفيات طائفية وشعوبية يدرك القاصي والداني من يقف خلفها، ثم
تبني كامل لرواية الجيش اللبناني ومبرراته لتدمير مخيم نهر البارد بحجة وجود
مجموعات متطرفة لم تنبت هناك إلا بسبب سياسة القهر التي مارستها الدولة اللبنانية
بحق فلسطينيي لبنان على مدار عقود بسبب ممارسات وسلوكيات القيادة التي تتبنى
خيارات القهر والإذلال الحالية، وأخيراً في سورية حيث يموت اللاجئون الفلسطينيون
جوعاً بغطاء رسمي وكامل، وربما داعم من منظمة التحرير الفلسطينية والحجة كعادة أي
سلطة مستبدة وعتيقة هي وجود مجموعات إرهابية ومسلحة، وكأن حقيقة وجود هذا الشيء قد
يعطي المبرر لقتل الناس جوعاً، ومنعهم المهجرين من العودة لديارهم. إن حقيقة وجود
أدنى مشروع تجاه قضية اللاجئين الفلسطينيين في مشروع أي من القوى السياسية
الفلسطينية بشقيها الرسمي وغير الرسمي هو من قبيل محاولات برهنة أن الأرض ليست
كروية في القرن الحادي والعشرين الذي يمتلك فيه كل شخص منا أدوات المعرفة الأساسية
وربما أكثر منها.
اللاجئون
الفلسطينيون اليوم مع وجود قيادة تعلن صراحةً وجهاراً نهاراً أنها ذاهبة إلى حلول
التوطين والتهجير، ولو كان ذلك من خلال خلق الظروف الموضوعية لإيجاد بيئة طاردة
لأي صمود بعد أكثر من 67 عاماً من النكبات المتلاحقة، ومن صمود على ثوابت القضية
من شعب صنع من خيمته وطناً إلى الوطن، وفي ظل غياب أي تصدي فعلي وحقيقي لهذه
المحاولات العلنية التي تمتاز بوقاحة سياسية لم تعهدها الساحة الفلسطينية.
اللاجئون في
خطر، وحقوقهم في خطر، وبالتالي كل القضية الفلسطينية في خطر، وأي محاولة الآن أو
فيما بعد لإقناعنا أن دولة على أقل من ربع فلسطين يمكن أن تمثل منتهى مآلات حركة
التحرر الفلسطينيية، ستكون محاولة للإعلان أن شعباً فلسطينياً وأرضاً فلسطينية لم
تكن في مخيلة ملايين الناس عبر العالم إلا أكذوبة خُتمت فصولها بدويلة وظيفية
لترسيخ الاحتلال وطنياً.
المصدر: السبيل
الأردنية