هل هناك إدارة خفيّة للتوترات في المخيّمات والصدام مع الجيش اللبناني؟
الأحداث تستحضر السؤال عن المرجعيّة الموحّدة للفلسطينيين
القيادة: أقصى التفاهم مع الجيش وتخفيف الضغط على «البارد»
بقلم: محمد بلوط
كشفت أحداث مخيمات نهر البارد وعين الحلوة والرشيدية ضعف وغياب المرجعية السياسية والأمنية الموحدة للمخيمات الفلسطينية، وقد ظهر ذلك جلياً خلال الانفلات الذي سجل عندما هاجم شبان فلسطينيون حواجز ومراكز للجيش اللبناني في البارد ثم عين الحلوة.
وتستحضر هذه الاحداث اليوم ملف المخيمات الفلسطينية في لبنان من جديد، لا سيما ان ما جرى ينذر بتكرار مثل هذه الاعمال اذا لم تتخذ الخطوات السياسية والامنية المناسبة. مع العلم ان هذا الموضوع كان قد جرى بحثه ومناقشته بعد الحوار الوطني الذي عقد في مجلس النواب في اذار 2006.
وبغض النظر عن الظروف التي تشهدها المخيمات اليوم، فان هناك حاجة ماسّة لمزيد من التنسيق بين الجهات اللبنانية الرسمية والقيادات الفلسطينية من اجل الحفاظ على الاستقرار والامن داخل المخيمات وفي محيطها، وكذلك بين الفصائل الفلسطينية داخل هذه المخيمات لإيجاد مرجعية موحدة وقطع الطريق على نشوء حالات ومجموعات «متفلّتة» قد تطيح في اي وقت بالاستقرار المنشود.
ومن المعلوم ان مواقع وحواجز الجيش في محيط المخيمات تعرضت اكثر من مرة في السابق لتحرشات واعتداءات الا ان ما جرى اخيراً في نهر البارد وعين الحلوة في وجه خاص يشكل منحى جديداً في التعامل واستهداف وحدات الجيش لا سيما لجهة طريقة تنفيذ هذه الاعتداءات او الفئات التي شاركت فيها.
ويقول مصدر متابع للملف الفلسطيني في لبنان ان الرئيس نبيه بري كان حذر ونبّه منذ اشهر المسؤولين الفلسطينيين وفي اكثر من لقاء الى ان هناك محاولات يجري العمل لها من اجل جرّ المخيمات الفلسطينية الى الصدام مع الجيش اللبناني والى زجّها ايضاً في حوادث وعمليات أمنية من شأنها ليس الحاق الضرر بالاستقرار العام فحسب بل ايضاً بمصلحة الشعبين اللبناني والفلسطيني.
ولم يكن هذا التنبيه مجرد قراءة او استقراء للتطورات المحتملة بقدر ما كان يستند الى معلومات لدى الرئيس بري وضع القيادة الفلسطينية في اجوائها في ذلك الوقت، واتفق يومها على متابعة التنسيق عبر التواصل المستمر وعبر لجان متابعة مع الاخوة الفلسطينيين للتعاون لتعزيز المناخ الامني والتعاون في كل المجالات.
ويضيف المصدر ان الرئيس بري كان سبّاقاً في الاهتمام بموضوع التوترات الامنية التي سجلت وتسجل بشكل عام وتلك المتصلة بالوضع الفلسطيني بشكل خاص، وان هذا الاهتمام قد تضاعف عندما توافرت لديه معلومات عن امكانية ومحاولات اقحام العنصر الفلسطيني في المشكلات اللبنانية وفي استتباعات وتداعيات الازمة السورية على الساحة اللبنانية.
وقد ذكّر الرئيس بري الوفد الفلسطيني الرفيع الذي استقبله امس في عين التينة بما كان حذر منه سابقا، مع العلم ان الجهات والفصائل الفلسطينية بكل ألوانها تدرك ان هناك فئة من الشباب نشأت وتنشأ في اجواء خارج مناخ هذه الفصائل، وتتأثر بظروف عديدة لتشكل شريحة تضم مجموعات متطرفة واخرى تشعر أنها مهمشة ومهملة وغير ذلك. وهذا الامر يفاقم ازمة المرجعية داخل المخيمات ويطرح تساؤلات حول سبل عدم تكرار ما حصل مؤخراً.
ولذلك فان الاتصالات تسارعت في الـ72 ساعة الماضية على غير صعيد لتحمّل الجميع مسؤولياتهم، مع العلم ان ما جعل هذه الاتصالات تبدو مستعجلة وملحّة هو سلسلة الاحداث المتتالية بدءاً من عكار مرورا في طرابلس وانتهاء في نهر البارد ثم انتقالها في اليوم نفسه الى مخيمات الجنوب لا سيما عين الحلوة.
ويقول المصدر هل من قبيل الصدفة حصول هذه السلسلة من الحوادث والصدامات مع الجيش؟ ثم ما هي الاسباب التي تجعل ما حدث في البارد ينتقل بشكل تلقائي ومن دون اي سبب الى مخيم عين الحلوة، مع العلم ان الجيش والقيادات الفلسطينية سارعوا جميعا الى التأكيد على ضبط الموقف والحرص على العلاقة المتينة المتبادلة.
ولا شك ان هناك اسئلة عديدة طرحتها احداث المخيمات مؤخرا ومنها:
1- هل هي حقيقة أم صدفة ان «القيادة الرسمية» الفلسطينية والفصائل الفلسطينية عاجزاً عن ضبط الموقف واحتواء التحركات التي جرت. فاذا كانت عاجزة فعلا فان ذلك يقتضي من كل هذه الاطراف المبادرة بشكل عملي وجاد الى معالجة هذه الثغرات الخطيرة التي ستهدد أمن المخيمات ومحيطها في كل وقت.
2- هل هناك ادارة خفية للتوترات في المخيمات او للصدام مع الجيش اللبناني؟ ولمصلحة من ابراز جهات ومجموعات اصولية متطرفة او كوادر منشقة عن تنظيمات وفصائل فلسطينية معروفة؟ ثم ما هو موقف المنظمة والفصائل من هذه المجموعات الشبابية التي اخذت تحتل دورا متناميا في الشارع الفلسطيني في المخيمات؟
3- هل هناك فصائل او اطراف فلسطينية تحاول الاستفادة من الاوضاع في شمال لبنان وبالتنسيق مع اطراف لبنانية لإرباك الجيش لا سيما في الشمال من اجل تسهيل اقامة ما يسمى بالمنطقة العازلة على الحدود مع سوريا؟
4- هل هناك محاولات جادة لإخراج الجيش من مخيم نهر البارد ومحيطه، وبالتالي خلق مناخ مشابه للذي ساد سابقا؟
هذه الاسئلة وغيرها من الاسئلة فرضت وتفرض على القيادات الفلسطينية التحرك بمسؤولية وعلى الارض، وعدم الاكتفاء بالتصريحات والمواقف التي «لا تغني ولا تسمن من جوع».
ولا شك ان حضور عضو اللجنة المركزية لحركة فتح والمشرف العام على الملف الفلسطيني في لبنان (التابع للسلطة الفلسطينية) عزام الاحمد الى لبنان يندرج في اطار محاولة هذه السلطة التعبير عن مدى اهتمامها بما حصل وسعيها لمعالجته خصوصا في ضوء الاتصال الذي جرى بين رئيس الجمهورية ميشال سليمان والرئيس الفلسطيني محمود عباس، وكذلك الاتصالات التي جرت على محور الرئيس بري والقيادات الفلسطينية.
ووفق المعلومات فان اللقاءات التي اجراها المسؤول الفلسطيني في الساعات الماضية ناقشت كل هذه الامور بجدية وانفتاح وحرص مشترك على امن واستقرار الساحة اللبنانية كما عبر الاحمد في تصريحاته.
وابلغ الاحمد الرئيس بري وقائد الجيش ان القيادة الفلسطينية هي مع اقصى التفاهم مع الجيش اللبناني لضبط الوضع وتعزيز الاستقرار في المخيمات ومحيطها، مشددا على التنسيق والتعاون لتحقيق هذا الاستقرار والعمل على عدم تكرار ما حدث.
وشدد امام رئيس المجلس مرة اخرى على ان الفلسطينيين في لبنان ليسوا مع طرف لبناني دون آخر، مؤكداً على دعم وحدة اللبنانيين وتعزيز الاستقرار على الساحة اللبنانية.
واكد ايضا على اهمية اتخاذ خطوات في اطار تخفيف الضغط على مخيم نهر البارد لا سيما لجهة تسهيل حركة الدخول والخروج منه واستكمال بناء المخيم. وفي الوقت نفسه على ضبط ومكافحة العناصر الموتورة في المخيمات التي تسعى لاستغلال الظروف القائمة. وأبدى الأحمد الاستعداد للتعاون مع السلطات اللبنانية للعمل معا من اجل معالجة هذه المسائل بروح الاخوة وبمنهجية من شأنها ان تسرّع تعزيز مناخ الاستقرار في المخيمات ومحيطها.
وتطرق الحديث ايضا الى استكمال معالجة ملف الوضع الانساني والاجتماعي للفلسطينيين في لبنان والذي كان للرئيس بري الدور الاساسي في اقرار المجلس النيابي في فترة سابقة بعض هذه الحقوق.
المصدر: الديار