هل يستحق الفلسطينيون كل هذا الوجع؟
حمادة فراعنة
ليست بريئة إجراءات وزارة العمل اللبنانية نحو اللاجئين
الفلسطينيين المقيمين على أراضيها منذ تشردهم ونكبتهم عام 1948،
فاللاجئ الفلسطيني في لبنان لا تتساوى أحواله مع معيشته في بلديْ الاستضافة المماثلة
سوريا والأردن، ففي سوريا تتم معاملة اللاجئ
الفلسطيني معاملة مساوية للمواطن السوري باستثناء الانتخابات لمجلس النواب، وفي الأردن
تتفوق معاملة اللاجئ على أنه مواطن كامل المواطنة، ولا يوجد على الإطلاق لاجئ فلسطيني
لا يتمتع بكامل حقوق المواطنة الأردنية، ومع ذلك بقيت مخيمات اللاجئين في سوريا والأردن
أداة للهوية، وعنواناً لحق العودة لا يقبل المساومة، وبقيت الأونروا مظلة دولية للرعاية
وإرتباطاً بالقضية، حتى يتم حلها وفق قرار الأمم المتحدة 194.
اللاجئ الفلسطيني في لبنان منذ سبعين عاماً، لا
يُعامل معاملة اللاجئ الذي يستحق الرعاية الخاصة، بل يُعامل معاملة الأجنبي، ولكنه
لا يتمتع بحقوق الأجنبي الذي يملك حق التملك والعمل في لبنان، فهو لا مع هذه الشريحة
ولا مع تلك، يُقيم إقامة مؤقتة تفتقد لأبسط حقوق الإنسان، فهو ممنوع من العمل والتملك،
وإقامته مرفوضة مرهونة بالعوامل والمستجدات السياسية، ولذلك كان عنوانها طوال عشرات
السنين التوتر والصدام وفرض الأمر الواقع، وموازين القوى بين الأطراف والمكونات السياسية.
واليوم عنوانها بعد المنامة الاقتصادي يوم 25 حزيران
2019، الذي دعت له واشنطن، « صفقة العصر « وأحد أهدافها « توطين اللاجئين « حيث هُم،
بعد تقليص موارد الأونروا وحجب الولايات المتحدة دعمها المالي عنها، بهدف شطبها وشطب
قضية اللاجئين من جدول الاهتمامات الدولية باعتبارها مع قضايا القدس، والمستوطنات،
وحدود 1967، عقبات أفشلت الرعاية الأميركية طوال سنوات الرؤساء الأميركيين الأربعة
: بوش الأب، وكلينتون، وبوش الابن، وأوباما.
القلق اللبناني مشروع إزاء قضية اللاجئين بسبب البرنامج
الأميركي الإسرائيلي الهادف إلى دمج اللاجئين الفلسطينيين وتوطينهم، ولكن هذا القلق
يجب توجيهه نحو عنوان الظالم المستبد، لا أن يستهدف المظلوم، فاللاجئ الفلسطيني لا
يتوسل المواطنة اللبنانية وحقوقها، لأن لبنان للبنانيين كما هي سوريا للسوريين والأردن
للأردنيين، ولكنه يتطلع لمعاملته في لبنان أسوة بما يحظى به من معاملة لاجئ محفوظ الكرامة،
إلى حين عودته لوطنه فلسطين.
فلسطينيون بالملايين منتشرين في العالم، وتبرز اهتمامات
أولادهم بالمطالبة بحق العودة، ويوظفون امكانياتهم نحو قضيتهم الفلسطينية، رغم وجود
استثناءات قليلة ضعيفة، وما يغيظ قادة المستعمرة الإسرائيلية أن الأجداد وحتى الآباء
ماتوا، ولكن الأبناء مازالوا محتفظين بمفاتيح بيوتهم، ويتطلعون لإستعادة ممتلكاتهم
لدى المدن والقرى التي طُردت منها عائلاتهم، أسوة بفلسطينيي الجليل والمثلث والنقب
ومدن الساحل المختلطة، بعد سبعين عاماً من الاحتلال وتغيير شكل المواطنة وفرض الجنسية
الإسرائيلية، والتعلم في مدارس عبرية، ومع ذلك هويتهم الوطنية الفلسطينية تتقدم ولا
تتراجع، وقوميتهم العربية تتعمق ولا تزول، وإيمانهم الإسلامي والمسيحي والدرزي، راسخ
في أعماقهم وسلوكهم وثبات عقائدهم، فكيف يمكن للفلسطيني أن يزول ما دام متمسكا بفلسطينيته
وعروبته ودينه.
الشيء المطمئن أن مخيمات اللاجئين في الرشيدية والبداوي
وعين الحلوة وبرج البراجنة تعاملوا برفعة وولاء وانضباط وحرص شديد على أمن لبنان واستقراره،
لأن كل المعارك والصدمات السابقة لم ينتصر فيها طرف وبقيت عنواناً للدمار والخراب لكل
من تورط بها، والشيء المطمئن أكثر أن قطاعات لبنانية من كافة الأحزاب والمكونات والطوائف
في طرابلس وبيروت وصيدا والجبل، رفضت إجراءات وزارة العمل، وطالبت الحكومة اللبنانية
بمعاملة الفلسطيني بما يليق به كإنسان وكعربي وكلاجئ مؤقت يستحق الاحترام طالما أنه
يلتزم بالقوانين اللبنانية السائدة والمرعية، والكل يتطلع إلى إلغاء قرار وزارة العمل
التي وصفها اللبنانيون على أنها « إرتجالية وغير مدروسة «، وستطوى ومعاملة اللاجئ الفلسطيني
المعاملة اللائقة حتى ينتزع حق العودة إلى وطنه فلسطين، فالتراجع عن الخطأ ليس ضعفاً
بل فضيلة تُسجل لصاحبها كما يُطالب اللبناني القومي معن بشور.