القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي

هل يُفاجأ الفلسطينيون والإسرائيليون باتفاق سلام؟

هل يُفاجأ الفلسطينيون والإسرائيليون باتفاق سلام؟

أحمد جميل عزم

بقراءة الصحف الأمريكية والبريطانية الرئيسة، يمكن الخروج باستنتاج أنّ الطرف الإسرائيلي يعيش أزمة ثانية، بعد أزمة إبرام الدول الكبرى اتفاقاً نوويا مع إيران، رغم معارضة حكومة بنيامين نتنياهو الشرسة. وأنّه قد تبيّنت محدودية القوة الإسرائيلية، وعدم واقعية خيالات الإسرائيليين. وتتمثل الأزمة الثانية في أنّ الجميع يتحدثون عمّا يفعله الأمريكيون مع إسرائيل الآن، وكيف يدفعونها للسلام.

تختلف التحليلات بين من يرى أنّ الأمريكيين قد يقلصون ضغوطهم (إذا جاز القول إنّ هناك ضغطا) على الإسرائيليين؛ وبين من يرون أنّهم سيزيدونها. ولكن الاتفاق في الرأي يتمثل في أن المأزق في التسوية السلمية مسؤولية الإسرائيليين.

بحسب تحليل لجيدون راشمان، في "فايننشال تايمز" البريطانية، فإنّ إدارة الرئيس باراك أوباما دخلت اتفاقية جنيف مع إيران، مسلحة باستطلاعات رأي أظهرت تأييد 56 % من الأمريكيين للاتفاق، مقابل معارضة 39 %. ويرى الكاتب أنّ إدارة أوباما ستنطلق في تعاملها مع إسرائيل من أنّ الأمريكيين سيتفهمون ضغوطاً على إسرائيل، رغم تعاطفهم التقليدي معها، لأنّهم لا يريدون حرباً جديدة في الشرق الأوسط. ويشير راشمان إلى أنّ اللوبي الإسرائيلي في الكونغرس، لم يخسر فقط موضوع الاتفاق مع إيران، ولكنه خسر قبل هذا في الملف السوري. وأن تحدي سياسة أوباما الإيرانية الآن من قبل إسرائيل ومؤيديها، حتى لو نجح، فسيكون أقرب إلى هزيمة للإسرائيليين، لأنّه يعني جر الأمريكيين إلى الحرب، وإهانة للرئيس الأمريكي.

لا تبدو تسيبي ليفني، الوزيرة الإسرائيلية المسؤولة عن المفاوضات مع الفلسطينيين، مدركة لمثل هذا التحليل، فهي تقول: "لدينا ستة أشهر لنمنع اتفاقا دائما مع إيران، يجعل منها (قوة) نووية، وستة أشهر للتوصل لاتفاق دائم مع الفلسطينيين، يؤدي إلى إسرائيل آمنة، ويهودية، وديمقراطية".

بطبيعة الحال، فإن ليفني لا تعبر عن السياسة الرسمية الإسرائيلية؛ فسياسة نتنياهو ربما وقف اتفاق مع إيران، ومنع اتفاق مع الفلسطينيين. لكن أحد السيناريوهات الممكن استنتاجها من حديث ليفني، هو أنّ الإسرائيليين قد يتراجعون في الملف الفلسطيني، على أمل التقدم إيرانيا. وفرص هذا السيناريو قليلة، إذا أخذنا بالاعتبار أنّ الإسرائيليين كانوا يتجهون إلى استخدام إيران ذريعة لحرف الأنظار عن الموضوع الفلسطيني، وما سيحدث الآن هو إما استمرار المساومات، أو على الأقل نقل الخلاف مع واشنطن إلى الملف الفلسطيني مباشرة.

لا يجب أن يعني هذا كله أن يسترخي أحد، وأن يُمارِس الرغبة الدفينة بالتفاؤل والتعويل على الأمريكيين، وهي الرغبة التي خابت عشرات المرات. فإذا كان متوقعا أن يزيد جون كيري من جهوده في المسار الفلسطيني-الإسرائيلي، فإنّ هناك ثلاثة سيناريوهات: الأول، أن يجري الضغط على الطرفين للتفاوض الجدي. ولكن فرص نجاح مفاوضات ثنائية محدودة. وهناك سيناريو ثانٍ، يتمثل في أن يتمكن الإسرائيليون من تسويق حل أحادي الجانب، يفرضونه هم، على غرار ما كان سيفعله آرئيل شارون، وأن يضغطوا على واشنطن لأجل هذا، ويجري إرضاء كيري بخطوة هنا وخطوة هناك، خصوصا على صعيد الاقتصاد، مقابل استمرار المفاوضات. ولكن العقبة الكبرى أمام هذا هي الاستيطان، الذي يفرغ أي خطوة من معناها. وربما تعمد إسرائيل إلى هذا الحل حتى من دون موافقة أمريكية، وسيكون ذلك قائما على أساس فصل يستند إلى جدار الفصل العنصري الذي سيستكمل في الشرق، في غور الأردن، وعلى أساس ضم أراضي المستوطنات ومحيطها. وهناك سيناريو ثالث، مع تسريبات مختلفة عن أنّ كيري يفعل أمورا تدعم فرص هذا السيناريو، والذي يقوم على أن يطرح هو نص اتفاق، يقدمه بعد شهرين إلى ثلاثة أشهر من الآن. إذ تشير تسريبات إلى جهود يقوم بها الأمريكيون لدراسة المطالب الأمنية الإسرائيلية، وإيجاد حلول لها، في إطار اتفاق. وهذا يعني أنّ الفلسطينيين قد يجدون أنفسهم أمام ضغط أمريكي كبير لقبول مشروع اتفاق لا يرضونه؛ أي أن يجدوا أنفسهم في وضع شبيه بما طرح عليهم في كامب ديفيد 2000، ولكن في ذلك الوقت لم يكن هناك وقت كافٍ لممارسة الضغط عليهم من قبل بيل كلينتون، وكانت هناك انتفاضة. الآن، يوجد وقت كافٍ، ولا يوجد ظرف ذاتي لانتفاضة.

الغد، عمّان، 27/11/2013