القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي
الثلاثاء 26 تشرين الثاني 2024

واقع الانتفاضة

واقع الانتفاضة

بقلم: أحمد الحاج

يبدي كثيرون خشيتهم على مصير انتفاضة القدس، معدّدين عوامل لا تساعد، بنظرهم، على استمرار هذه الانتفاضة. ومن هذه العوامل: تشرذم فصائل العمل الوطني الفلسطيني، وازدحام مناطق الصراع على الأجندة الدولية مما يحرم الانتفاضة الأضواء الإعلامية الضرورية التي تسهم في فضح الاحتلال.

يُضاف إلى ذلك كلّه، حسب هؤلاء، تآمر واضح من بعض الدول العربية، وعلى رأسها مصر، بهدف إجهاض الانتفاضة، وتنسيق أمني بين سلطة عباس والأجهزة الأمنية الصهيونية. ويأخذ هؤلاء بعين الاعتبار ارتقاء حوالي 4400 شهيد فلسطيني خلال انتفاضة الأقصى، وهو ما يمكن أن يؤثّر على أداء انتفاضة القدس الحالية.

قد يحوي الكلام بعضاً من الصحة، لكن هذه الوقائع ليست سوى جزء من تاريخ عاشه الشعب الفلسطيني خلال فترات عديدة من نضاله. فالانقسام الفصائلي كان سمة العمل السياسي الفلسطيني منذ ما بعد وعد بلفور، واحتلال بريطانيا لفلسطين، ثم الانقسام بين الحسيني والنشاشيبي، والهيئة العربية العليا وحزب الاستقلال وغيره من الأحزاب.

رغم ذلك جاهد الفلسطينيون، واستطاعوا تحديد عدوّهم الأول، وميّزوا بين التناقض الرئيسي مع الاحتلال، والتناقضات الثانوية الداخلية التي لا تغيّب التناقض الرئيسي. فما أجمل، في انتفاضة القدس، أن ينتقم الشهيد إياد جرادات، من حركة فتح، للشهيدة داليا ارشيد، من حركة حماس، وتتم الخطبة بعد استشهادهما. إنها روح الشعب الفلسطيني التي تعرف التمييز بين أخ وعدوّ.

إن عدد الشهداء كان كبيراً خلال انتفاضة الأقصى (أكثر من 4400 شهيد)، لكنهم سوف يتحوّلون إلى منارات هدي في الطريق. إنها ليست سابقة تاريخية في التاريخ الفلسطيني أن تتلو انتفاضةٌ انتفاضةً سبقتها، ففي ثورة 1936 استُشهد 5032 فلسطينياً، وجرح 14760 شخصاً، واعتُقل 50000 آخرون، وصدرت أحكام مؤبدة على 2000 منهم، وأُعدم شنقاً 146 مجاهداً، وتعرض 5000 منزل للنسف تماماً. ورغم ذلك لم تمض سنوات قليلة حتى انخرط الشعب الفلسطيني في الجهاد عام 1948، وأسس كتائب الجهاد المقدّس قبل ذلك بعام.

وإذا قارنّا الواقع العربي بواقع حرب 1948، فإن ذلك الواقع لم يكن أحسن حالاً من واقعنا اليوم، فقليل من الدول العربية هي من قد نالت استقلالها قبل تلك الأحداث بفترة وجيزة، وكانت تقريباً بلا جيش، ولم يكن هناك إعلام، ولا تعليم منتشر، باستثناء نخب مهمّة. وإذا عدنا إلى الانتفاضة الأولى عام 1987، فمعلوم أن الانقسام العربي والإسلامي وصل مرحلة خطيرة (سورية والعراق، اليمن، الحرب الإيرانية العراقية، ليبيا وتشاد... إلخ) حتى تجاهلت القمة العربية في عمّان ذكر فلسطين، لولا التدخلات العديدة.

الخلاصة أن الانتفاضة عندما تندلع فإنما هدفها تغيير واقع بائس، وإن استخدمت أدوات منه، وهي تعرف كيف تزاوج بين الواقع والحلم لتصنع التغيير.