وجهة نظر من قطاع غزة
بقلم: جورج
فريدمان
في الوقت الذي دفعت
فيه المؤسسة العسكرية المصرية قواتها ضد المتشددين الاسلاميين في شبه جزيرة سيناء،
أصبح وضع حماس في قطاع غزة محفوفاً بالمخاطر على نحو متزايد. في السنوات الأخيرة،
حاولت حماس أن تنأى بنفسها عن إيران وأن تعتمد بدلاً من ذلك على الصعود السياسي
لجماعة "الاخوان المسلمين" في مصر لتعزّز صعودها السياسي الخاص. ولكن
الآن، فقد حشرت الاطاحة بالرئيس المصري السابق محمد مرسي وعمليات الجيش المصري في
سيناء والحملة المكثفة ضد الأنفاق التي تربط قطاع غزة مع العالم الخارجي، حشرت
حماس في الزاوية.
لدى حماس خيارات
قليلة يمكن أن توظّفها للرد على هذا الواقع، إلا أن أيا منها ليس محبذاً على وجه
الخصوص. يمكن أن تحاول بالقوة إعادة فتح الأنفاق التي أصبحت شريان الحياة
الاقتصادية بالنسبة لها، كما حاولت في يناير/ كانون الثاني عام 2008، أو أنها يمكن
أن ترفع إما حدة الخطاب أو النشاط العسكري ضد أهداف "إسرائيلية" ومصرية
في محاولة لتذكير "إسرائيل" ومصر من مغبة إغلاق حدود قطاع غزة. هذه الخيارات
تحمل في طياتها مخاطر تفضل حركة حماس تجنبها، ولكن إذا واصل الجيش المصري حصاره
بشكل أساس لقطاع غزة، فسيكون على حماس محاولة القيام بشيء ما لتغيير الوضع الراهن.
منذ وقت ليس ببعيد،
شعرت حماس بوضعها التصاعدي. فقد شهد تشرين الثاني/ نوفمبر 2012 تثبيت حماس لنفسها
بشكل إيجابي على أنها ركيزة الدفاع الأساسية في الصراع مع "إسرائيل"، من
خلال إثبات قدرتها على ضرب تل أبيب بصواريخ "فجر 5" التي كانت قد حصلت
عليها حديثاً من إيران. وقد انتهى هذا الصراع من خلال توسط مصر لوقف إطلاق النار،
والذي بموجبه اتفقت حماس وحلفاؤها "الإخوان المسلمون" في الحكومة
المصرية على التفاوض على إعادة فتح معبر غزة على الحدود مع مصر. في كانون الأول/
ديسمبر 2012، زار رئيس المكتب السياسي لحركة حماس "خالد مشعل" قطاع غزة
في أول رحلة له إلى الأراضي الفلسطينية منذ الحرب العربية "الإسرائيلية"
عام 1967، بإذن ضمني من الإدارة الأكثر تعاطفاً في القاهرة بقيادة الرئيس مرسي.
عند هذه النقطة، رأت
الحركة أنها قد طوّرت ما يكفي من الشرعية الإقليمية لأن تنأى بنفسها عن راعيها
الإيراني وإعادة توجيه نفسها نحو اللاعبين الإقليميين السنّة مثل قطر والأردن.
وسواء كان خفض مستوى العلاقات بين حماس وطهران أو مشاكل ايران الاقتصادية الخاصة
مسؤولة عن الانخفاض اللاحق في المساعدات الإيرانية للحركة، فإن حماس قادرة على
استثمار الوضع لزيادة مصداقيتها السياسية في المنطقة. وفي علامة أخرى على تغيير
النظام الأساسي لحركة حماس، فقد وعد رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان بزيارة
غزة، بعد أن يكون قد ضمن من "الإسرائيليين" اعتذاراً علنياً عن حادثة
"مافي مرمرة".
لكن الاطاحة بالحكومة
التي تقودها جماعة "الإخوان المسلمين" في مصر أدت إلى إلحاق ضرر خطير
بالموقع الواعد على مايبدو لحركة حماس، وذلك يعود إلى حد كبير لظروف الحركة
الفريدة من نوعها. واجهت حركة حماس تحديات طويلة من الجماعات الأخرى العاملة في
قطاع غزة. في شهر حزيران/ يونيو، اتهمت حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين قوات الأمن
التابعة لحماس بقتل أحد قادتها. الجهاد الإسلامي في فلسطين ردت بإطلاق الصواريخ
على "إسرائيل"، أملاً في إثارة رد "إسرائيلي" يجبر حماس على
الرد في ذلك الوقت الذي كانت تحرص فيه الأخيرة على تجنب مثل هذه الأعمال.
بعد ذلك بوقت قصير،
رداً على كل من محاولات مرسي لتعزيز نفوذ "الاخوان المسلمين"
والاضطرابات العامة الرئيسية التي نظمتها حركة "تمرد"، قام الجيش المصري
بإزاحة مرسي من خلال تنفيذه لانقلاب عسكري. وفي حين حافظت حماس على علاقة وثيقة مع
مجمع الاستخبارات العسكرية في مصر لسنوات عديدة سبقت صعود مرسي إلى السلطة، تظل
الحقيقة أن حماس هي ثمرة الأيديولوجية ل"الإخوان المسلمين" في مصر، وعلى
الأقل حتى الآن يبدو أن حماس قد فقدت حليفاً متعاطفاً في دولة مجاورة، جنباً إلى
جنب مع الفوائد التي كان يحققها لها.
بالتزامن مع إزاحتها
لمرسي، قامت القوات العسكرية المصرية بنشر عناصر ومدرعات في شبه جزيرة سيناء،
لتكون جاهزة لأي رد فعل عنيف محتمل من قِبل الاسلاميين على إزاحة مرسي، واحتواء أي
دعم يمكن أن يأتي من غزة إلى مصر. ومنذ 1 تموز/ يوليو، أي بعد يوم فقط من
الاحتجاجات الرئيسية المخطط لها من قبل حركة "تمرد" ضد مرسي، أفادت
وكالة أنباء الأناضول التركية أن 30 دبابة على الاقل كانت منتشرة على طول الحدود
بين غزة وسيناء. في الأيام الأخيرة، كانت هناك تقارير متعددة عن اشتباكات بين
القوات العسكرية والأمنية المصرية مع متشددين إسلاميين في رفح، العريش، الشيخ زويد
إضافة إلى مناطق أخرى. ويوم 16 تموز/ يوليو، قال وزير الدفاع
"الإسرائيلي" "موشيه يعالون" إن "إسرائيل" وافقت
على مرابطة كتيبتي مشاة مصريتين إضافيتين إلى المنطقة المنزوعة السلاح من سيناء.
بالنسبة لحماس، الأهم
من ذلك ليس فقط قيام مصر بإغلاق معبر رفح الحدودي، ولكن ايضا إغلاق العديد من
الأنفاق التي تستخدمها حماس لتهريب السلع والبضائع من وإلى قطاع غزة. كميات كبيرة
من المواد الغذائية والصلب والاسمنت والوقود تأتي عبر الأنفاق، وقد صادف أن حماس
تعتمد على هذه الأنفاق كوسيلة لاستيراد هذه السلع وأيضاً مصدراً للدخل على حد
سواء؛ وذلك من خلال قيامها بفرض ضرائب على البضائع التي تأتي عبر الأنفاق التي تقع
تحت إشرافها. وقال وزير اقتصاد حكومة حماس "علاء الرفاتي" لمصادر في
موقع "Al-Monitor" الإخباري إن عدم الاستقرار السياسي في
مصر قد تسبب بخسارة حماس حوالي 225 مليون دولار خلال الشهر الماضي، بالإضافة إلى
نقص الوقود وتسريح عمال البناء بسبب توقف حركة مرور البضائع.
حماس ما زالت حتى
الآن تتخذ نهجاً حذراً. موقفها الحالي –في الوقت الذي تتعرض فيه لضغوط من قِبل
الجيش المصري و"إسرائيل"، مع عدم وجود حليف سياسي في القاهرة للمساعدة
في تخفيف آثار العمليات العسكرية في سيناء على غزة - هو موقف مألوف ومتوقع.
التقارير التي تحدثت عن قيام حماس بإجراء اختبار على صواريخ بعيدة المدى قادرة على
الوصول إلى تل أبيب تسمح لحماس بإعطاء إشارة إلى "إسرائيل" بأن خنق قطاع
غزة وقطعه عن العالم الخارجي هو مخاطرة بإمكانية حصول اشتباك عسكري مع غزة سيكون
مكلفاً هو الآخر. حماس لا تريد بالضرورة إعادة تلك الجولة في هذا التوقيت، ولكن
تهديد الهجمات الصاروخية هو أفضل ما يمكن أن تلجأ إليه الحركة لإثبات نفوذها
وقوتها.
سوف تضطر حماس
للتعامل مع الجيش المصري، بحكم أنه الوسيط الموثوق الوحيد مع "إسرائيل"
إضافة إلى كونه القوة الموجودة على الأرض التي تغلق شبكة الأنفاق المنتشرة مع غزة.
مع اكتسابه مزيداً من الجرأة الآن، يتوقع الجيش المصري أن تقوم حماس بمضاعفة
جهودها لمنع تدفق الأسلحة والمقاتلين إلى سيناء، وبالتالي تحقق مصلحة مشتركة في
الحد من النشاط الجهادي الذي يمكن أن ينافس الحركة في المنطقة. ومن جانبها، تأمل
حركة فتح أيضاً أن حماس، الواقعة تحت الضغوط في غزة، سوف تبذل في النهاية جهوداً
لتحقيق المصالحة وتنضم إلى حكومة تشكلها مع فتح لإنهاء الانقسام السياسي.
ولكن مدى تعاون حماس
سيكون محدودا. فعلى الرغم من أن حماس سوف تحافظ على علاقة عمل مع الجيش المصري،
إلا أنها ستكون أقل بكثير مما كانت عليه خلال فترة وجود "الإخوان المسلمين"
في السلطة. ولحماس أيضاً رعاة آخرون ينتظرون على الأرجح مجرد فرصة لتعزيز العلاقة
بينهما. وفي حين تم خفض العلاقات مع إيران في الأشهر الأخيرة، إلا أنها بالتأكيد
لم تُقطع نهائياً، ويجب أن نتذكر أن إيران لعبت دوراً أساسياً في تزويد حماس
بصواريخ بعيدة المدى قادرة على ضرب قلب المناطق المدنية "الإسرائيلية".
طهران ستحاول استخدام تراجع حظوظ "الإخوان المسلمين" السياسية في مصر
والصراع الدائر مع الثوار السنّة في سوريا لإقناع حماس أنه من الأفضل في ظل المشهد
الجيوسياسي الحالي الحفاظ على علاقات قوية مع إيران.
وفي الوقت نفسه، فقد
أظهرت المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة نفسيهما بالفعل أنهما
تبحثان عن طرق لاسترجاع بعض المكاسب الدبلوماسية الأخيرة التي حققتها دولة قطر،
وذلك من خلال حزم المساعدات التي أعلنتها كلتا الدولتين لمصر في اللحظة التي أُطيح
بها بمرسي. سيكون حزب الله مهتماً أيضاً في سحب حماس بعيداً في الوقت الذي يحتاج
فيه لإبعاد الحركة عن تقديم الدعم للمتمردين السنة في سوريا ولبنان. وفيما يتجه
قطاع غزة نحو مزيد من العزلة، سيكون الدعم العسكري
والمساعدات
الاقتصادية هو الطريقة الأكثر فعالية للتودد إلى حماس. وستتنافس ايران ورعاتها مع
منافسين إقليمين آخرين من أجل هذا التأثير. وفي نهاية المطاف، سوف تجد حماس الطرف
الذي سوف يبذل قصارى جهده ليساندها.
مركز ستراتفور
الاستراتيجي، واشنطن، 16/7/2013
مركز دراسات وتحليل
المعلومات الصحفية، 18/7/2013