القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي
الجمعة 29 تشرين الثاني 2024

وصفة "إسرائيل" لوقف الحرب وتجذير الانقسام الفلسطيني

وصفة "إسرائيل" لوقف الحرب وتجذير الانقسام الفلسطيني

صالح النعامي

يبدو أن صمود المقاومة الفلسطينية الأسطوري، خلال الحرب على غزة، أقنع بعض دوائر صنع القرار في الكيان الصهيوني بفشل رهاناتها على دور الثورات المضادة في العالم العربي، في مساعدة تل أبيب على تحقيق أهدافها من الحرب، ما اضطر هذه الدوائر للتفكير في البحث عن آلياتِ تحركٍ أخرى. فليس سراً أن إصرار تل أبيب على أن تكون مصر تحديداً "الوسيط" المخوّل بمحاولة التوصل إلى اتفاق يضمن انتهاء الحرب، جاء لالتقاء المصالح مع القاهرة في حرمان حركة حماس في نهاية الحرب من تحقيق أي إنجاز يعزّز من مكانة الحركة سياسياً. وهناك ما يؤشر إلى أن بعض أوساط الحكم في تل أبيب باتت، حالياً، ترى في "الوساطة" المصرية قيداً يضمن، فقط، تواصل الحرب بشكلٍ لا يخدم المصالح الصهيونية، حيث إنه، في أعقاب فشل الدور المصري، لم يعد أمام تل أبيب من ناحيةٍ عسكريةٍ سوى خيارين، أحلاهما مر.

الأول، أن تندلع حرب استنزاف بين المقاومة والكيان الصهيوني، تتمثّل في تكثيف "إسرائيل" غاراتها الجوية، ورد المقاومة بإطلاق الصواريخ، حيث يفضح هذا السيناريو الفشل في تحقيق أهم هدفين للحرب، هما: ردع المقاومة وضمان أمن مستوطنات جنوب الكيان الصهيوني مدة طويلة. ويتمثّل الخيار الثاني في توجّه الجيش الصهيوني إلى إعادة احتلال القطاع، ما يعني توريطه في الوحل الغزي سنوات طويلة، ناهيك عن الثمن البشري الذي ستدفعه إسرائيل، وما سيترتب على هذه الخطوة من تهاوي مكانتها الدولية، بسبب ضخامة عدد الضحايا من المدنيين الفلسطينيين. من هنا، تعاظمت الأصوات داخل تل أبيب، للتوجه إلى مجلس الأمن، ومحاولة تمرير مشروع قانون دولي ينهي الحرب، على غرار القرار 1701 الذي أنهى حرب لبنان الثانية عام 2006. ويقف خلف هذه الدعوة وزراء يمثلون الوسط في حكومة نتنياهو، مثل وزيرة القضاء، تسيبي ليفني، ووزير المالية، يائير لبيد، وغيرهما.

ويرصد الإسرائيليون عدة "مزايا" لإصدار قرار من مجلس الأمن بشأن وقف إطلاق النار في القطاع، فصدوره سيساعد نتنياهو على تمرير قرار بوقف الحرب داخلياً، حيث يرفض وزراء اليمين في حكومته، من حيث المبدأ، إجراء مفاوضات مع "حماس"، وإن كانت غير مباشرة، على اعتبار أن مثل هذه المفاوضات تعزّز مكانة الحركة سياسياً، فضلاً عن أن أي "تنازلات" تقدمها "إسرائيل" في المفاوضات يعتبرها ساسة اليمين الصهيوني مجرد "مكافأة" لحماس على "إرهابها". في الوقت ذاته، يأمل المتحمسون لوقف الحرب عبر صدور قرار من مجلس الأمن بتضمينه بنوداً تضمن نزع سلاح المقاومة، أو على الأقل، منع تعاظم قوتها العسكرية. ومما يغري الإسرائيليين بالرهان على إمكانية تضمين قرار مجلس الأمن مثل هذا البند، حقيقة أن وزراء خارجية دول الاتحاد الأوروبي أوصوا بإعادة إعمار قطاع غزة، في مقابل ضمان وقف تسليح المقاومة الفلسطينية، ما يعني أن دعم هذه الدول والولايات المتحدة لهذه الخطوة مضمون. في الوقت ذاته، فإن المتحمسين لصدور قرار من مجلس الأمن يراهنون على توظيفه في تغيير الواقع السياسي والأمني في قطاع غزة بشكل جذري، بالتخلص من حركة حماس، كقوة رئيسة في القطاع، ما يعني تقليص قدرتها على إعادة بناء قوتها العسكرية. وحسب ليفني، فإنه بالإمكان تضمين قرار مجلس الأمن بنداً ينص، بوضوح، على عودة السلطة الفلسطينية، برئاسة الرئيس محمود عباس، لإدارة مقاليد الأمور في قطاع غزة. وسبق لليفني أن أعلنت عن خطة متكاملة لإعادة السلطة إلى القطاع، والتخلّص من حكم "حماس"، بالتعاون مع مصر و"معسكر الاعتدال" العربي.

في إسرائيل، يرون أن تغيير البيئة السياسية في قطاع غزة سيفضي، حتماً، إلى تغيير البيئة الأمنية في القطاع ومحيطه الصهيوني، حيث يفترضون أن استتباب الأمور للسلطة سيفضي إلى تقليص هامش المناورة أمام قوى المقاومة الفلسطينية، حيث ستكون السلطة ملتزمة بمواجهة المقاومة، تماماً كما تقوم به، حالياً، في الضفة الغربية، لكن ممثلي اليمين في حكومة نتنياهو يتحفظون على التوجه إلى مجلس الأمن، إنْ كان مقترناً بإعادة السلطة الفلسطينية إلى إدارة شؤون قطاع غزة. فمعظم وزراء اليمين يخشون أن تسعى القوى الدولية التي ستؤيد صدور قرار مجلس الأمن إلى تضمينه بنداً يتعلق باستئناف المفاوضات بشأن مصير الضفة الغربية. وبغض النظر عن مدى تحقق مخاوف ممثلي اليمين الصهيوني، يتوجب على الجانب الفلسطيني الاستعداد لصدور مثل هذا القرار، وأن يتم تفعيل كل أشكال التحرك السياسي والدبلوماسي، للتأثير على صيغة القرار.

على الفلسطينيين أن يعوا أن تحقق السيناريو الصهيوني يعني عودة الانقسام الفلسطيني إلى المربع الأول. ويتوجب على قيادة السلطة أن تعلن، بوضوح وصراحة، أنها لن تتعاون مع أي تحرك دولي يهدف إلى نزع سلاح المقاومة في وقت يتواصل فيه الاحتلال الصهيوني، علاوة على وجوب تحركها دبلوماسياً لدى الدول الأوروبية، لاطلاعها على التداعيات الخطيرة لمكافأة الكيان الصهيوني على عدوانه على الشعب الفلسطيني. في الوقت ذاته، هناك حاجة لتحرك لدى الدول العربية والإسلامية لاطلاعها على خطورة أي قرار أممي يستهدف سلاح المقاومة، في وقت يتواصل فيه العدوان الصهيوني، ليس فقط على قطاع غزة، بل في الضفة الغربية المحتلة. يتوجب على الجانب الفلسطيني أن يطالب بإصرار أن تتحمل إسرائيل، وليس أي طرف سواها، مسؤولية إعادة إعمار قطاع غزة، فلا يعقل أن يعيث الصهاينة خراباً في غزة، ثم يجعلون من إعادة إعمارها مجالاً للمساومة على سلاح المقاومة.

العربي الجديد، لندن