القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي
الأحد 24 تشرين الثاني 2024

وكالة "الأونروا".. من التهميش إلى الإزالة! - هاني حبيب

وكالة "الأونروا".. من التهميش إلى الإزالة!

بقلم: هاني حبيب

ليست هي المرة الأولى، التي يتم تسليط الأضواء على وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا"، إلا أن سببين متلازمين هذه المرة، فاقما من خطورة الأمر، إثر صدور التقرير الأممي عن مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية في الأرض المحتلة "أوتشا" يشير إلى اضطرار "الأونروا" تراجعها عن الالتزام ببعض البرامج التشغيلية والإغاثية، بسبب فجوة في التمويل تبلغ 35 مليون دولار، أما السبب الثاني فهو إعادة "ترويسة" عنوان الموقع الالكتروني لوكالة الغوث، بالعربية والانجليزية، باسم جديد وهو "وكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين" بحذف التشغيل والإغاثة كمهام أساسية من مهمات هذه الوكالة التي أقرتها الجمعية العامة للأمم المتحدة بالقرار رقم 302 عام 1949.

وقد عانت الوكالة، مراراً عديدة من العجز في التمويل، وإعلانها عن تراجع خدماتها بسبب ذلك، وعادة ما تجد الحلول في نهاية المطاف، وتعود إلى برامجها نسبياً، غير أن الإعلان عن هذا العجز بالذات، في هذا الوقت العصيب والأزمة المالية الخانقة التي تمرّ بها السلطة الوطنية الفلسطينية نتيجة لعدم وفاء العديد من الدول بالتزاماتها، كشكل من أشكال الضغط على القيادة الفلسطينية لثنيها عن التوجه إلى الجمعية العامة في أيلول المقبل بهدف نيل الاعتراف بالدولة الفلسطينية المستقلة، هذا التزامن لا يمكن النظر إليه ببراءة، خاصة عندما يتزامن مع بالون الاختبار الذي حدث "بالخطأ غير المقصود" بتعديل مهام الوكالة من خلال الموقع الرسمي، باللغتين العربية والانجليزية الخاص بها!

لقد عادت الوكالة، وعدّلت من ترويسة عنوانها على موقعها باسمها الحقيقي، غير أن ذلك، لا يكفي لتبرئة دوافعها من جرّاء ذلك، وعلى الارجح انها كانت تحاول ان تقيس ردود الفعل، اي أن هذا التعديل، مجرد "بالون اختبار"، لا اكثر، إذ إن أي تعديل في اسم الوكالة ومهامها الاساسية، هو من صلاحية الجهة التي قررت قيامها، اي الجمعية العامة للامم المتحدة، وما نستهجنه في هذا الإطار، ان قيادة الوكالة، تصدت بنفسها في السابق، لمحاولات تعديل مهامها، ووقفت بالمرصاد لكافة الدعوات التي انطلقت، خاصة من قبل اطراف في الولايات المتحدة، لإنهاء عمل الوكالة، او الحد من صلاحياتها ومهامها، الا ان الامر قد اختلف هذه المرة، وقامت بنفسها في اجراء "بالون الاختبار" القاضي بتعديل الاسم، وهو امر غير شكلي على الاطلاق، كونه يتناول مهامها الاساسية، وسبب وجودها.

وأتذكر ان قيادة الوكالة، خاصة في قطاع غزة، حينما كان جون كينغ، مدير عمليات وكالة غوث وتشغيل اللاجئين، قد تصدت لتقرير اعده جيمس جي ـ ليندساي والذي تم نشره عن طريق معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى في كانون الثاني 2009، وهو المستشار القانوني السابق للوكالة بين عامي 2000 و2007، تناولت هذه الدراسة العديد من المبررات التي تؤدي إلى إنهاء عمل الوكالة، باعتبارها تدعم حقوق الفلسطينيين برفضهم تغيير أوضاعهم، وترك المخيمات إلى المدن والقرى في البلاد التي لجأوا لها والاندماج التام مع مواطني الدول التي استضافتهم.

ذلك التقرير، يحمل على الوكالة، متبنياً وجهة نظر إسرائيلية، خاصة فيما يتعلق بمناهج التعليم، التي التزمت بها الوكالة وفقاً للرؤية الفلسطينية، والعديد من الاتهامات التي سبق ان تناولتها في مقال في "الأيام" في 29/4/2009 بالتفصيل، إلا أن اخطر ما جاء في هذا التقرير، يتعلق بالتوجهات التي وجهها معده إلى الولايات المتحدة الاميركية، بالعمل على تهميش دور الوكالة إلى ان يتم زوالها من خلال تخفيض خدمات الوكالة تدريجياً وان تقسم عمل الوكالة ومهامها "اللجنة العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، أي ان تزول وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين نهائياً، وان تتسلم الدول المضيفة للاجئين مهمة العناية بهم، خاصة في الاردن، اذ ان المواطن الفلسطيني، هو مواطن اردني حسب زعمه.

من هنا، كان رد فعل قيادة "الأونروا"، في ذلك الوقت، مناهضاً لكل ما جاء في هذا التقرير، الذي اعتبرته غير منصف سواء لأداء الوكالة، او للتهم الموجهة لها، او بضرورة الابقاء عليها كونها مناطة بالقيام بمهامها إلى حين عودة اللاجئين إلى موطنهم الأصلي حسب قرار الجمعية العامة آنف الذكر.

إلا أن الوكالة، هذه المرة، وبالتزامن المترافق مع العجز المتجدد، حاولت هي، وليس معد التقرير، التناغم مع الدعوات المتلاحقة لإنهاء وتصفية الوكالة، ومن هنا، كان تعديل اسم الوكالة، حتى بعد العودة عن هذا التعديل، يعتبر موقفاً منسجماً مع الدعوات لتصفية الوكالة، وهو ما لم تفعله القيادة السابقة للوكالة.

والاعتقاد الأغلب، ان العجز في ميزانية الوكالة سيستمر، بهدف تراجعها عن برامجها وخدماتها التشغيلية والانمائية الاساسية، وفرض أمر واقع من خلال تجفيف مواردها المالية، إلى أن تعجز عن القيام بمهامها، والامر لا يتعلق فقط بالضغط على الجانب الفلسطيني حتى لا يرفع القضية الفلسطينية إلى الجمعية العامة في ايلول القادم لانتزاع الاعتراف الدولي بالدولة الفلسطينية، بل بهدف تصفية قضية اللاجئين نهائياً، بإعفاء المسؤولية الدولية عن النكبة الفلسطينية.

من هنا نرى ان من الضروري بمكان الوقوف في وجه هذه الدعوات والممارسات بكافة السبل، على المستوى الشعبي والرسمي، وحتى كافة الدول والمنظمات الدولية على الإيفاء بالتزاماتها المالية، خاصة الدول العربية التي يجب ان تشكل سياجاً مالياً لمستلزمات سد العجز في ميزانية الوكالة ودعمها في مواجهة فرض الأمر الواقع، وعلى هذا الأساس، يجب عدم التوقف فقط عند الطلب من الوكالة القيام بمسؤولياتها الخدمية والإنمائية والتشغيلية، فالأمر يتعلق بالسياسة أساساً، وعليه فان التحركات الشعبية والرسمية يجب ان تنطلق من هذا الميدان، اذ ان بعض التحركات والاضرابات هي مواجهة "بالقطعة" وتجنح إلى تجاهل العامل السياسي الذي يشكل الخطورة الاكبر كونها تتعلق بحل مسألة اللاجئين الفلسطينيين وتخلي المجتمع الدولي عن مسؤوليته في اختلاق هذه المسألة عندما أقر بقيام دولة (إٍسرائيل) على أنقاض فلسطين وشعبها!