وكالة
الغوث.. لا لتسييس الإعمار
د.
أيمن أبو ناهية
في
ظل المعاناة الصعبة التي يعيشها أهالي قطاع غزة وبصفة خاصة أولئك المدمرة بيوتهم ولا
يجدون من يعيد إعمارها، نجد أن "الأونروا" في غزة أوقفت بشكل مفاجئ جميع
مشاريع الاعمار والتي كانت قد أخذت على عاتقها إدخال مواد البناء لاعمار البيوت
التي دمرتها آلة الحرب الإسرائيلية، فيا ترى ما هو السبب في اتخاذ مثل هذا القرار
المفاجئ. مع أن الوكالة الآن هي الجهة الوحيدة التي تسير أعمالها ومن المفترض أن
تقدم الخدمات الإنسانية والإغاثية دون أي تحيز أو تمييز أو تسييس من أي طرف آخر
هذا هو الوجه الحقيقي لها ويجب أن يكون واجبها الإنساني هو عنوانها.
فالاحتجاجات
الحاشدة التي شهدتها غزة منذ صدور قرار الوكالة إيقاف جميع نشاطات الإعمار
بالإضافة إلى تقليص خدماتها التي بات جزء كبير من اللاجئين محروما منها مثل
الخدمات الصحية والتعليمية والإغاثية والتموينية للاجئين في قطاع غزة بحجة عجز
الوكالة وغيرها من الحجج التي لا يصدقها عاقل، وبات هذا الدعم محصورا في شرائح
معينة من اللاجئين ولا ندري من هو الذي أعطى وكالة الغوث الحق في تصنيف اللاجئين
على هذا النحو وحرمان جزء منهم من أي دعم وتقليص الدعم عن جزء آخر، كما لا ندري إن
كان مسمّى اللاجئ يختلف بين مخيم وآخر أو من مدينة أو قرية علمًا بأن هموم ومعاناة
اللاجئين الأساسية واحدة. وهي نفس السياسة المتبعة في الضفة الغربية إذ تقوم
الوكالة بفصل العاملين والموظفين لديها على خلفية اعتقالهم من قبل الاحتلال
الإسرائيلي؟
هذا
الموقف المتعنت "للأونروا" والأضرار والمعاناة التي لحقت بالمنكوبين
والمتضررين في فصل الشتاء التي أصرت الوكالة أن توقف فيه المساعدات والاعمار،
للزيادة في المعاناة والضيق وتشديد الحصار المفروض على قطاع غزة، ارجع إلى سؤالي
الرئيس: ما هو سبب تعنت الوكالة وإصرارها على قرارها اللاإنساني وتلكئها في القيام
بمسؤولياتها والتزاماتها الأخلاقية وواجبها الإنساني في خدماتها المقدمة للاجئين
من جانب واعمار غزة من جانب آخر؟!
فإذا
أصبحت وكالة الغوث مسيسة أو بتعبير أدق تسيس عملها ووظيفتها الإنسانية وتتنصل
اليوم من واجبها الأخلاقي تجاه اعمار البيوت المدمرة وإيجاد أماكن إيواء للمنكوبين
وتعمل على تقليص مساعداتها الاغاثية للاجئين، فالسؤال الذي يطرح نفسه؛ لماذا هي
موجودة إذن في الأراضي الفلسطينية المحتلة؟! وهل انتهى عملها قبل إرجاع اللاجئين
الفلسطينيين إلى ديارهم؟ أم أن المنظمة الدولية أعلنت إفلاسها وأصبحت عاجزة عن
القيام بمهامها الإنسانية تجاه اللاجئين الفلسطينيين؟ حقيقة هي مسألة مدعاة
للسخرية, فالوكالة الدولية وجدت أصلا من قبل المجتمع الدولي وانطلاقا من مسؤولياته
إزاء مأساة اللاجئين الفلسطينيين من أجل دعمهم وتقديم الخدمات لهم إلى أن يعودوا
إلى ديارهم ويحل قضيتهم جذريًا، وبالتالي فإن ما تقدمه الوكالة للاجئين
الفلسطينيين ليس منة من أحد بل ينبع أساسًا من المسؤولية الملقاة على عاتق منظمة
الأمم المتحدة التي للأسف عجزت حتى الآن عن مواجهة الاحتلال الإسرائيلي وفرض إرادة
المجتمع الدولي عليه وإلزامه بإنهاء احتلاله غير المشروع.
لا
نعلم ماذا تعني الوكالة بهذا القرار التعسفي اللاإنساني, ومن يقف وراءه؟ ولماذا تم
إصداره في مثل هذا الوقت بالذات الذي يشهد مؤامرة دولية لحصار قطاع غزة؟ وهل أن
هذا القرار جاء متناغمًا مع خطة سيري الأمنية التي تشدد الحصار بشكل جديد ملغم
بقنابل الاعمار التي ما إن تنفجر ستكون اشد دمارا من قنابل الاحتلال.
لكن
ما يجب أن يقال هنا إن على وكالة الغوث أن تدرك الوضع المأساوي الذي يعيشه سكان
قطاع غزة في ظل الحصار الخانق المفروض منذ 8 سنوات متواصلة وعليها التمعن بحقيقة
اعمار البيوت المدمرة كي تعيد النظر في موقفها المتعنت في هذا الجانب ولا يعقل أن
يتواصل التمسك بهذا الموقف في الوقت الذي يعني ذلك زيادة معاناة المنكوبين الذين
أنشئت وكالة الغوث لخدمتهم ودعمهم.
إن
"الأونروا" مطالبة بعدم تقليص خدماتها والتراجع عن قرار إيقاف الاعمار
وبتحسين أوضاع اللاجئين في المخيمات، بدلا من تقليصها. وأخيرًا ربما يشكل ما حدث
من احتجاج شامل فرصة لوكالة الغوث لإعادة النظر في مواقفها والتوصل إلى حلول
مرضية. أما استمرار التمسك بهذا الموقف المتعنت فإن ذلك يعني اعترافًا من وكالة
الغوث بعجزها عن تلبية الحد الأدنى من واجبها الإنساني التي تحمله.
المصدر:
فلسطين أون لاين