وكالة "معا" ليست بريئة وعليها الالتزام بأخلاق
المهنة
خالد العمايرة
لم أكن متحمسا لأن أدلي بدلوي في المواجهة المستعرة بين
وكالات الأنباء الفلسطينية في الضفة الغربية خاصة "معا" و "وفا"
من جهة وبين السلطة الفلسطينية في قطاع غزة.
فهناك نزعة معينة لدى كثير من الصحفيين والإعلاميين في
كثير من دول العالم الثالث للتضامن مع زملائهم خاصة لدى الوقوع في ضائقة مع السلطة
الحاكمة. ومما لا شك فيه أن التضامن بين الإعلاميين أمر ضروري وله أسبابه ومبرراته
خاصة عندما يعمل هؤلاء في ظل حكومات سلطوية لا تحترم حرية الإعلام.
ومع ذلك فالإعلاميون ليسوا أعضاء في تجمع قبلي مقدس والتضامن
بينهم يجب أن يكون دائما محكوما بالصدق والأمانة والمنطق السليم. كما أنه من الخطأ
الجسيم الافتراض او التظاهر بأن الإعلاميين معصومون من النقد وهم في الواقع من أكثر
الناس وقوعا في الخطأ.
ولذلك أرجو أن تتسع صدور زملائي العاملين في الوكالتين
المحترمتين لسماع بعض الملاحظات بخصوص مراعاة القواعد المهنية والأخلاقية في عملهما.
لا شك أن هناك انطباعا معينا لدى كثير من المتابعين أن
الوكالتين تخلطان خلطا واضحا أحيانا بين الخبر والتعليق علما أن القاعدة الذهبية تقول
"الخبر مقدس والرأي حر."
في أحيان كثيرة جدا نرى كاتب الخبر أو معد التقرير الإخباري
يضيف رأيه الشخصي في صياغة الخبر مما يجعل التقرير يبدو مشوها للغاية ولا يتماشى مع
قواعد المهنة. وللأسف الشديد فإن هذا الخلل كثير الحصول بل إنه سمة حاضرة باستمرار
في التقارير الإخبارية وتحديدا في وكالة "معا".
إن باستطاعة هذا الكاتب أن يستشهد بعشرات الأمثلة على
هذه الملاحظة فنحن نتحدث في واقع الأمر عن ظاهرة. لكن الأمر ينبغي أن يبقى في دائرة
التناصح ولا ينتقل إلى دوائر أخرى قد تسيء إلى الإعلام الفلسطيني بشكل عام.
على سبيل المثال لا الحصر انظر إلى مقدمة التقرير الإخباري
التالي الذي نشرته وكالة "معا" ظهر يوم الأحد 25 أغسطس: "دعت الجبهة
الديمقراطية وحزب الكرامة الناصري إلى عدم الخلط بين شعب فلسطين وقواه الثورية والديمقراطية
وبين أية عناصر فلسطينية يمينية دينية طائفية متخلفة وظلامية منخرطة مع الارهابيين
لإعادة مصر إلى الوراء عشرات عشرات السنين." ( لاحظ كلمة عشرات مكررة مرتين مما
يشير إلى أن التقرير ربما لم يمر على رئيس التحرير أو حتى المدقق اللغوي)
فهل مثل هذه الصياغة الإخبارية تنسجم مع المعايير المهنية
في كتابة الأخبار والتقارير الصحفية أم أن ذلك يتناسب أكثر مع ما كانت تنشره صحيفة
برافدا السوفيتية او صحيفة Der Stürmer التي كانت تنطق باسم الحزب النازي الألماني.
فلو كان لدى وكالة "معا" أدنى اعتبار لأصول
المهنة لوضعت العبارات التحريضية مثل "يمينية ...طائفية.... متخلفة...ظلامية...منخرطة
مع الإرهابيين لإعادة مصر إلى الوراء عشرات السنين"!....لوضعتها بين هلالين للإظهار
للقارئ أن هذه الأوصاف جاءت كما هي من المصدر وأنها ليس كلام الوكالة. ولكن كما يقال
دائما "ليس على المطرب أن يعرب."
فهل هذا ما يتعلمه طلاب الصحافة في كلياتهم وجامعاتهم؟
وهل هذه هي نوعية الصحافة والإعلام التي تود وكالة "معا" نشرها بين الأجيال
القادمة من الصحفيين والإعلاميين الفلسطينيين؟
في كثير من الأحيان تقوم الوكالة أي "معا"
بنشر أخبار لا أساس لها من الصحة. فعلى سبيل المثال قامت الوكالة المذكورة بنشر خبر
يدعي أن رئيس الحركة الإسلامية في الداخل الشيخ رائد صلاح هاجم الشيخ العلامة يوسف
القرضاوي بشدة لدى زيارة الأخير قطاع غزة في مستهل العام الجاري. وعلى حد علم هذا الكاتب
لم يتم محاسبة المراسل الذي اختلق او "فبرك" الخبر وبقي على رأس عمله على
الرغم من هذه الخيانة لقدسية المهنة.
وفي تقرير آخر ل "معا" نشر قبل أسابيع قليلة
قيل أن حماس تخفي أعضاء من حركة الإخوان المسلمين المصرية في أماكن محددة في قطاع غزة
بغية حمايتهم من الاعتقال.
وفي خبر ثالث قيل إن حماس متورطة من أخمص قدميها إلى
أذنيها في المواجهات بين المتشددين والأمن المصري في شبه جزيرة سيناء علما أنه لا يوجد
أي إثبات أو قرينة تؤكد تلك الإشاعات.
وللأسف الشديد نلاحظ دائما أن هذه الإشاعات منقولة عن
"مصادر مطلعة" و "مصادر خاصة" مما يجعل المراقب العادي يعتقد أن
الخبر ملفق من ألفه إلى يائه ولا أساس له من الصحة.
وقد احتوت تقارير "معا" وما زالت وللأسف الشديد
كما كبيرا من الغمز و اللمز ضد حركة حماس وخاصة في الآونة الأخيرة مما جعل الحركة تضيق
ذرعا ب"معا" وتتحرك للتضييق عليها .
إن المسؤولية لا تقع حصرا على المراسل (المسيس والمؤدلج)
إلى أبعد الحدود بل تقع أساسا على المحرر الإخباري أو رئيس التحرير في رام الله أو
بيت لحم الذي يضطلع بواجبه المهني في تصحيح ما يجب تصحيحه ويترك الحبل على الغارب ويجعل
الأخطاء الجسام تكرر نفسها مرات ومرات.
هناك ملاحظة أخرى حول تغطية وكالة "معا" للشأن
المصري إذ أن تلك التغطية منحازة بشكل سافر لصالح الفئة الانقلابية. فمن خلال مراجعة
وفحص التقارير التي يوردها مراسل او مراسلو "معا" من القاهرة يخيل للمرء
أن هؤلاء المراسلين يعملون كموظفي علاقات عامة لدى الأجهزة الأمنية المصرية علما أن
تلك الأجهزة تكذب مثلما تتنفس. فهل من المهنية الصحفية أن تتحول وكالة أنباء فلسطينية
محترمة إلى بوق للدعاية الرخيصة لهذا النظام المصري خاصة في أعقاب الانقلاب الدموي
على الديمقراطية؟
ثم إن "معا" غالبا ما تستخدم ذات الأوصاف وذات
المصطلحات المشحونة وغير الحيادية في وصف المعسكر الإسلامي مثل "الاخونة"
ونحو ذلك, فهل يتماشى ذلك مع قواعد وأخلاق المهنة؟
السلطات المصرية لديها وسائل إعلامها العديدة لعرض ونشر
وترويج دعايتها المناهضة للإسلاميين فما بال وكالة أنباء فلسطينية تجد نفسها مختارة
لا مجبرة تنحاز لفريق دون فريق متجاهلة في ذلك أبسط قواعد المهنة الصحفية وعلى رأسها
الأمانة والاتزان والصدق والموضوعية والحياد؟
لقد دأبت وكالة "معا" على نشر مقابلات مع شخصيات
سياسية وإعلامية وعسكرية مصرية (مثلا رئيس التيار الشعبي الناصر حامدين صباحي) معروفة
بعدائها الصارخ للحركة الإسلامية المصرية والتيار الإسلامي بشكل عام. وقد حوت تلك المقابلات
كما كبيرا من التشويه للمعسكر الإسلامي.
نعم ربما لا يعتبر هذا جرما كبيرا في العمل الصحفي فناقل
الكفر ليس بكافر كما يقول المثل لكن امتناع الوكالة عن نشر الرأي الآخر يعد خطيئة صحفية
بكل المقاييس.
هناك أمر آخر, إذ يلاحظ أن وكالتي "معا" و"وفا"
تتعمدان نشر الأخبار والإشاعات التي تسيء إلى الحركات الإسلامية وخاصة حركة حماس والأغلب
أن نشر تلك التقارير والإشاعات لا يتم عن طريق الصدفة وليس هو من قبيل الاجتهاد الخاطئ
بل هو أمر لا علاقة له بالنوايا الحسنة بل يدخل فيه عنصر الكذب وبشكل متعمد. إننا نربأ
بالإعلام الفلسطيني أن يتصرف على هذا النحو إذ إن ذلك يعد كبيرة من الكبائر في عرف
الصحافة ينبغي تجنبها تحت كل الظروف.
مسألة أخيرة. يلاحظ أن مادة كبيرة مما تنشره وكالة
"معا" منقول حرفيا عن وسائل الإعلام الإسرائيلية وبدون تثبيت او تمحيص.
ومما لا شك فيه أن هذا الأمر محفوف بالمخاطر والضرر المحتمل
على الرأي العام الفلسطيني.
صحيح إن الترجمة من الصحف العبرية أمر ضروري أحيانا,
أما أن يتحول هذا الأمر إلى منهج دائم أو صفة لصيقة فهذا غير مقبول من وكالات أنباء
تزعم أنها وطنية.