القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي
الخميس 28 تشرين الثاني 2024

يحبون فلسطين ويكرهون الفلسطينيين

يحبون فلسطين ويكرهون الفلسطينيين

بقلم: سمير الحجاوي

توجد في العالم العربي مفارقة خطيرة جدا، فهم جميعا يعلنون أنهم "يحبون" فلسطين، لكنهم في الواقع يكرهون الفلسطينيين، فالأقوال في واد والأفعال في واد آخر، فكل البيانات العربية تدبج من أجل" عيون فلسطين"، فهي عملة رائجة وسلعة "بياعة".

من أجل "عيون فلسطين" تم صك العرب الشعار الخطير"لا صوت يعلو فوق صوت المعركة"، وهي العبارة التي خلدها الشاعر المصري أحمد فؤاد نجم بقصيدة شهيرة، لم يتجاوز فيها الحقيقة عندما سأل عن المعركة؟ فإذا بها معارك الأنظمة ضد الشعوب لقتلها وليس من أجل تحرير فلسطين أو الفلسطينيين.

شعار "لا صوت يعلو فوق صوت المعركة" اقترن بشعار آخر لا يقل خطورة وهو "التوازن الإستراتيجي"، فعندما كان يسأل حافظ الأسد لماذا لا تحارب إسرائيل؟ كان يجيب دائما "نسعى للتوازن الإستراتيجي"، وورث ابنه بشار سوريا ومعها الشعار نفسه، وتبين فيما بعد أن "التوازن الإستراتيجي" لا يعني سوى التسلح حتى الأسنان، وتسليح طائفة وعصابة قليلة "لامتلاك التوازن" للسيطرة على الشعب السوري أو قتله وذبحه كما يحدث منذ عامين، فصواريخ سكود والقنابل الفراغية والبراميل المتفجرة خصصها لقتل الشعب السوري من ضمن "إستراتيجية التوازن"، ونسي الجولان وفلسطين في انتظار "الوقت المناسب" الذي لم يأت أبدا.

في ظل صخب وضجيج هذه الشعارات الرنانة ضاع الشعب الفلسطيني والقضية الفلسطينية، وزاد العرب على هذه الشعارات شعارات أخرى لا تقل بؤسا "تثبيت" و"دعم" صمود الشعب الفلسطيني"، وغيرها من الشعارات والكلاشيهات الفارغة عديمة القيمة.

فمن أجل "دعم" الشعب الفلسطيني، قررت السلطات المصرية تخصيص شرطي لمرافقة أي فلسطيني يصل إلى مطار القاهرة ومرافقته كل الطريق من القاهرة إلى معبر رفح الحدودي في قطاع غزة، وقبل ذلك على الفلسطيني الراغب بالسفر إلى مصر أو العابر من خلالها إلى العالم عليه أن يثبت أنه من "الملائكة" ويستجلب كل القديسين "ليشهدوا" له أنه سيغادر ولن يبقى في مصر لحظة واحدة.. والسبب بالطبع هو أن السلطات المصرية "تحب" الفلسطينيين بالطبع وتدعم صمودهم...

أما الأردن فيمنع دخول اللاجئين الفلسطينيين الهاربين من جحيم الإرهابي بشار الأسد وألقى القبض على العائلات الفلسطينية القليلة التي استطاعت الدخول إلى الأراضي الأردنية وتم احتجازها في معسكر اعتقال "سايبر ستي" ومنعها من الاختلاط بالناس أو الدخول والخروج للحيلولة دون "انتشار الفيروس" الفلسطيني، وهذا بالطبع دعما لصمود الشعب الفلسطيني و"تثبيته"..

أما دول الخليج بشكل عام فهي تتعامل مع الفلسطيني كـ"وباء" يجب الابتعاد عنه، وترفض استقبالهم إلا بشروط تعجيزية.. ولا بأس من إلقاء بعض الدراهم أو فتات الطعام في صحونهم كي يبقوا بعيدا عن الجزيرة العربية التي تستقبل ملايين البشر من كل أنحاء العالم، لأن حصول الفلسطيني على فرصة عمل في دول الخليج العربية مسألة دونها خرط القتاد، وإذا حصل على عقد للعمل، فإن الحصول على تأشيرة للدخول إلى الجنة أسهل من الدخول إلى الدولة... كل ذلك بالطبع من أجل "دعم" الشعب الفلسطيني و"الحفاظ" على حقوقه، كل ذلك بينما تتغنى وسائل الإعلام الخليجية بفلسطين والأموال التي تقدم لها، وجبال "الاستنكارات والإدانات والشجوبات"، دون أن يعني ذلك السماح لأي فلسطيني بالدخول والإقامة والعمل على قاعدة "روح العب بعيد"..

"الحب القاتل" للفلسطينيين في العالم العربي يمتد من سبتمبر الأسود في الأردن إلى مجازر الأسد والمليشيات المسيحية اللبنانية ضد مخيم تل الزعتر ومجزرة صبرا وشاتيلا التي نفذها مسيحيون لبنانيون وجيش الاحتلال الإسرائيلي، وحصار المخيمات بعد ذلك على أيدي مليشيات حركة أمل الشيعية التي دفعت الفلسطينيين في المخيمات إلى أكل لحم القطط، ثم طرد الفلسطينيين من الكويت ليسكنوا في مخيم الهاشمية الصحراوي قرب مدينة الزرقاء الأردنية، وبعد ذلك قتل الفلسطينيين في العراق برصاص المليشيات العراقية وطردهم إلى الصحراء على الحدود العراقية السورية ولم يسلم الفلسطينيون من دعم "ملك ملوك إفريقيا المقتول" معمر القذافي الذي طردهم إلى وادي العقارب وتدمير مخيم نهر البارد في لبنان.. واليوم يقصف نظام الإرهابي بشار الأسد المخيمات الفلسطينية في سوريا بالصواريخ والطائرات، بعد أن كانت بثينة شعبان مستشارة الأسد قد اتهمت الفلسطينيين في سوريا بأنهم مفجرو الثورة.. كل هذا لأن العرب "يحبون" الفلسطينيين، ويدعمون صمودهم.

اليوم وبعد 65 عاما من احتلال فلسطين يتمتع الفلسطينيون بـ"نعيم" حب العرب لفلسطين، دون أن ينالهم من الحب جانب، رغم اتفاق القادة العرب جميعا في بيروت قبل 11 عاما على أن حق العودة قضية "قابلة للنقاش" ويمكن التوصل إلى "حل مرضي" لها، الأمر الذي يعني موافقتهم عمليا على "إلغاء حق العودة"، إلا أنهم لم يقولوا ماذا سيفعلون بالفلسطينيين.

في العالم العربي اليوم.. ممنوع على الفلسطيني أن يعيش.. وممنوع عليه أن يقاتل.. وممنوع عليه أن يعود إلى وطنه.. وممنوع عليه أن يبقى حيث هو.. وممنوع عليه أن يعمل.. وممنوع عليه أن يحصل على "فيزا عربية".. فقط مسموح له أن يغادر إلى البرازيل وتشيلي والسويد أو حتى إلى القمر.. مسموح له أن يغادر بعيدا.. ولأن العرب "يحبون" فلسطين عليه أن يغادر، فهو البطل الذي لا يحتاج إلى عمل أو أسرة أو مدرسة أو جامعة أو وطن.. فالبطل لا يأكل ولا يتزوج ولا يتعلم، وهو ينتمي إلى السماء ولا ينتمي إلى الأرض، لأنه بطل "أسطوري" قادر على اجتراح المعجزات من دون العرب..

كل ذلك لأن العرب "يحبون" فلسطين ويكرهون الفلسطينيين، ويصدق عليهم المثل القائل " ومن الحب ما قتل".

المصدر: بوابة الشرق، 09-4-2013