يوم الأرض الفلسطينية وسقوط «الأسرلة»
علي بدوان
مرت قبل أيام
الذكرى السابعة والثلاثون ليوم الأرض في فلسطين، هذا اليوم الذي تَحَوّل إلى نقطة
بارزة في المسيرة الوطنية الكفاحية للشعب العربي الفلسطيني عندما انتفضت الجماهير
الفلسطينية داخل العمق المحتل من فلسطين عام 1948 مُعلنةً تصديها وبصدورها العارية
لسياسات الاحتلال في نهب الأرض واقتلاع السكان والتمييز القومي والطبقي بحق من
تبقى من أبناء فلسطين داخل المناطق الفلسطينية المحتلة عام 1948.
فيوم الأرض أعاد الأمور لنصابها في
هبة الجليل والمثلث والنقب يوم الثلاثين من آذار عام 1976، وقد فاجأ صناع القرار
في الدولة العبرية الصهيونية، الذين اعتقدوا في حينها بأن سياسات «الأسرلة»
والتذويب القومي، قد فَعَلت فِعلها في صفوف من تبقى من الشعب الفلسطيني داخل مناطق
العام 1948 فالرد الفلسطيني الصاعق من داخل عمق فلسطين قَصَمَ ظهر المراهنات
«الإسرائيلية» وأعاد على الملأ طرح الأسئلة الصعبة داخل «إسرائيل»، مُذكراً في
الوقت نفسه العالم بأسره بأن القضية الوطنية للشعب الفلسطيني واحدة لا تتجزأ، وأن
الشعب الفلسطيني سيبقى واحداً موحداً بين الداخل والضفة والقطاع والشتات مهما
تفاقمت المصاعب والالتواءات.
وعليه، ونحن نعبر يوم الأرض في
ذكراه السابعة والثلاثين، نقول إن الشعب الفلسطيني داخل فلسطين المحتلة عام 1948،
بات قوة مقررة لا يمكن القفز عنها، ولا يمكن تجاهل مصائرها الوطنية وسعيها
للمساواة وفي إسناد عموم الحركة الوطنية الفلسطينية وحق العودة للاجئين
الفلسطينيين الذين يشكلون نحو (65%) من المجموع العام للشعب العربي الفلسطيني بين
الداخل والشتات.
إن صمود الفلسطينيين داخل فلسطين
عام 1948 والذي يطلق عليهم الإعلام العربي وللأسف مُسمى «عرب إسرائيل» قد أعاد خلط
الأوراق وقلب الطاولة على رأس حكام الدولة العبرية الصهيونية، فقد باتوا الآن
يشكلون قوة ديمغرافية (نحو 22%) من السكان، وقوة سياسية مؤثرة، وقوة دعم وإسناد
للمشروع الوطني الفلسطيني باعتبارهم جزءاً لا يتجزأ من الشعب الفلسطيني وحركته
الوطنية التحررية، معلنين في الوقت نفسه إسقاط ودفن مشاريع «الأسرلة».
من هنا، كان ومازال لبقاء هؤلاء
المواطنين الفلسطينيين داخل فلسطين المحتلة عام 1948 الأثر الأكبر والأهم في مسار
حياة الدولة العبرية الصهيونية، التي استفاقت بعد عقود قليلة من إنشائها لترى
أمامها كتلة سكانية فلسطينية كبيرة باتت تفوق المليون وثلاثمائة ألف مواطن
فلسطيني، يشكلون جزءاً عضوياً وأساسياً من أبناء الشعب الفلسطيني وحركته الوطنية
والتحررية، حيث فشلت كل سياسات الاحتلال في «أسرلة» أو تذويب هوية هؤلاء
الفلسطينيين الوطنية والقومية، الذين استفاقوا بعد سنوات من ظلام النكبة، وهم
يستعيدون دورهم في المعركة الوطنية التي يخوضها أبناء شعبهم في الضفة الغربية
والقدس وقطاع غزة كما وشعبهم في الشتات المحيط بفلسطين.
لقد سَعَت سلطات الاحتلال لتفريق
وحدة العرب هناك داخل فلسطين العام 1948، من خلال تقسيمهم إلى مسميات مدروسة،
فوضعتهم في أربع خانات مُصطنعة ومخالفة للواقع وهي : الخانة الأولى خانة (قومية
العرب) وهم الفلسطينيون والمسيحيون من أبناء الريف والمدن. والخانة الثانية (قومية
الدروز) وهم الفلسطينيون العرب من أبناء الطائفة الدرزية. والخانة الثالثة (قومية
الأقليات) ويقصد بهم من ذوي الأصول الشركسية وغيرها. والخانة الرابعة (قومية
البدو) والتي خصت بها سلطات الاحتلال البدو الفلسطينيين من أبناء عشائر الشمال في
الجليل، وبدو النقب. واتجهت نحو فرض الخدمة العسكرية على أصحاب الخانات الثانية
والثالثة والرابعة وذلك ضمن وحدات حرس الحدود وغيرها من قطعات جيش الاحتلال. وفي
الوقت الحالي، فان ما تبقى من بدو فلسطين باتوا يشكلون نحو (12%) من أبناء فلسطين
داخل حدود العام 1948، وتحديداً نحو (160) ألف نسمة من أصل نحو (1,3) مليون نسمة
من أبناء فلسطين المتجذرين داخل الأرض المحتلة عام 1948، والمتوقع أن تصل أعدادهم
إلى نحو (30%) من عدد سكان الدولة العبرية بحلول العام 2025 ويقيم غالبية بدو
فلسطين من الذين تبقوا داخل حدود العام 1948 في منطقة النقب، وبشكل أقل في منطقة
الجليل الأعلى والشرقي شمال فلسطين، الذين استقروا فوق أرض وطنهم التاريخي كمجموعة
سكانية متنقلة ضمن حدود أراضيهم المعروفة في بادية النقب، ومناطق الجليل.
لكن الممارسات «الإسرائيلية»
الصهيونية التي وقعت بحقهم طوال العقود التي تلت النكبة، ساهمت بطرد نحو (80%)
منهم من أراضيهم ، بينما تم وضع البقية في مناطق عسكرية صُمّمت خصيصاً لهم، وتشكّل
نحو (10%) من أراضيهم، فقد كانوا يملكون أساساً نحو (12) مليون ا و (750) ألف دونم
ولكن لم يتبق بيدهم سوى (850) ألف دونم بعد مصادرة الباقي، والبعض لا يزال يسكن
على أراضيه المصادرة. علماً بأن مساحة منطقة بادية النقب تشكل حوالي (40% من مساحة
أرض فلسطين التاريخية، وتبلغ مساحته نحو (12 ألفا و577 كلم؟، ويقطنه قرابة مائتي
ألف عربي (من الفلسطينيين البدو وغير البدو).
وفي الوقت الذي ينشغل فيه
الفلسطينيون والعالم العربي على مستوياتهم المختلفة بإثارة ومواجهة عمليات
الاستيطان الاستعماري الصهيوني الجائرة التي تجري فوق الأرض المحتلة عام 1967، فإن
عجلة الاستيطان والتهويد «الإسرائيلية» الصهيونية تُواصل تَقَدُمها داخل مناطق الاكتظاظ
والتواجد السكاني العربي في فلسطين المحتلة عام 1948، وتحديداً في مناطق الجليل
والمثلث والنقب، حيث عملت الحكومات «الإسرائيلية» المتعاقبة للانتقال إلى خطوة
نوعية جديدة في هذا المسار من عمليات التهويد باتجاه استكمال خطة (النجوم السبعة)
المعروفة لخلخلة الوجود السكاني العربي، فالمساحات الساحقة جدا من أراضي الجليل
والنقب، هي أراض عربية مصادرة منذ عام النكبة، وجرت مُصادرتها في إطار سياسة
الاضطهاد القومي العنصري «الإسرائيلي» الصهيوني ضد المواطنين العرب، حيث سنت «دولة
إسرائيل» من أجل ذلك أكثر من أربعين «قانوناً» يفتقد للشرعية منذ العام 1948 .
وكان ما يسمى بـ «مجلس الأمن
القومي الإسرائيلي» قد اقترح قبل عدة سنوات حل ما يسمى بـ «مشكلة القرى العربية
الفلسطينية» غير المعترف بها في بادية النقب الواقعة جنوب فلسطين المحتلة عام 1948
بواسطة خطط واقتراحات مختلفة تفتقت بها عبقرية غلاة الصهاينة من أصحاب مشاريع
التهويد والترانسفير.
المصدر: صحيفة الوطن القطرية