يوم العودة :
فلسطين أرضي و«مي وملح»
بقلم: مروة
الشامي
ليس أجمل من أن
تعرف صديقاً فلسطينياً، إلا أن تعرفه يحيا بنبض الضفة ودفق الدم في أبناء غزة..
ليس أجمل من نقاشٍ معه عن بلدته، باسمها العربي الأصيل، عن تاريخها وأهلها، قبل أن
يدنّس ترابها خبث الغزاة وتواطؤ العرب.
ستة وستون
عاماً والفلسطينيون يهيمون في أصقاع الأرض، لديهم وطنٌ يعيش فيهم.. يكبرون من
أجله، ويعلّمون أبناءهم عشق الأرض ولو لم تتكحّل أعينهم برؤياها..
ستٌّ وستون عاماً، والعرب مشاركون باغتصاب أرض
الأنبياء، سكوتاً، تطبيعاً، وإيماءً بالرؤوس..
ضرب الصمت العربي القرار 194 الصادر عن أرفع
سلطةٍ دوليةٍ عرض الحائط.. فالكيان الغاصب اعترض، تبعه اعتراضٌ أميركيٌّ عقب اتفاق
أوسلو.. فمن يقوى بعد ذلك على التأييد والمطالبة بالتنفيذ؟؟
يروي لنا
الفلسطينيون، الذين ما انتموا يوماً لوطنٍ غير فلسطين، عن مفاتيح عتيقةٍ بعمر
النكبة، تزيّن صدور كبار السن الذين لا يتخلّون عنها حتى لأعزّ حفيد.. يحكون عن
الصغار، الذين ينامون على قصص أجدادهم حول بيتهم القديم الذي سيعودون إليه يوماً..
عن أحلامهم الغريبة، حين يرون الناس تتدفّق الى القرى، يحمل كلٌّ منهم مفتاحه
ويتّجه الى حيث كانت داره، ليجد باباً دون جدران.. باباً لم يتغيّر قفله.. لكنه لا
ينفتح إلا على المجهول.. ويستفيق الأطفال على مشهد الأبواب المعلّقة، الذي سرعان
ما تبدّده شمس النهار وألعاب الصغار، تماماً كما بدّدت الأيام قرار الأمم المتحدة.
وبمعزلٍ عن
القرارات التي لم تنفّذ يوماً، ما عدا تلك التي لا تدين الاحتلال، يتجاهل العرب
والعالم أجمع أبسط حقوق الشعب الفلسطيني، بالعودة الى حيث وُلد، أو كان من المفترض
أن يولد، مكرّسين بذلك الصورة التي عمل على زرعها العدو المحتل في أذهان الغرب عند
تحضير الأرضية المناسبة لاغتصاب فلسطين، وهي أنها أرضٌ بلا شعب، إلا بعض القبائل
(الرحّل) المتخلفة التي لا تستحق العيش فيها.
لا تنحصر
المأساة الفلسطينية المتجددة على اللاجئين خارج حدود الوطن، فكم من معذّبٍ في أرضه
وبين أهله، وكم من مظلومٍ تحت أنظار إخوانه. وكم يقاسي الأسرى خلف قضبان سجّانيهم،
يتنظرون حكماً يبرّر احتجازهم، حكماً بعيد الأجل، لكنه بالتأكيد أقرب من استيقاظ
العرب، خاصةً عندما يختار الأسرى درب المقاومة وإن كانوا "مسلوبي
الحرية" بنظر الجلّاد، فيضربون عن الطعام لأيامٍ وأشهر، يرعبون عدوّهم بقوة
عزيمتهم، ويثبتون للعالم أنّ من هم وراء قضبان السجون الصهيونية أحرارٌ بإرادتهم
وخياراتهم، وأنّ الخاضعين لأوامر العدو هم المساجين الذين لم يعرفوا أنّ للقفص
بابٌ أحمر.
في ذكرى
العودة، يدخل الأسرى في سجون الاحتلال يومهم الثاني والعشرين بالإضراب عن الطعام،
محتذيين درب من سبقهم، صابرين على الجوع والألم حفظاً لكرامتهم. ويساند الناشطون
على مواقع التواصل الاجتماعي الأسرى، "بما أوتوا من قوّة"، حيث أطلقوا
هاشتاغ #مي_وملح ، الذي سرعان ما اجتاح صفحات العالم الافتراضي مرفقاً بصور
المتضامنين من أصقاع الدُنيا، آملين بوصول صوتهم وتحقيق تحريرٍ حقيقيٍّ لأسرىً تمّ
احتجازهم وفق قراراتٍ افتراضية.
في ذكرى العودة
تندمج المعاناة، تحت معاني «العودة»، العودة لأرض فلسطين من شتات الأرض، والعودة
الى الحرية لأسرى الداخل، فتصبح العودة أرضاً ومي وملح.
المصدر:
سلابنيوز