القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي

يوم بشائر العودة وقلق الزيارة

يوم بشائر العودة وقلق الزيارة

بقلم: فواد مطر

في يوم واحد إستبشر اللبنانيون خيراً بنبأ جاءهم في وقت هم في أشد الحاجة إلى أي نبأ يحمل في طياته نسائم بشرى بإحتمال أن تتبدل الأزمة اللبنانية من حال سيء إلى حال أفضل. كما انه في اليوم نفسه إنضم إلى الحال المتأزم نبأ يشغل البال لكثرة ما سيقال حوله من كلام وما سيؤسس لإجتهادات.

النبأ الذي يأمل اللبنانيون وبالذات المغلوب على أمرهم, وهُم الكثرة، يتمثل في عودة ميمونة للسفير السعودي علي عواض عسيري اللبناني الهوى، كما السفير السلف الدكتور عبد العزيز خوجه، بعد غياب دام بضعة أشهر من دون أن يفارق باله لبنان المبتلى بمختلف أنواع التوعكات. وهذه الكثرة التي نشير إليها تجمع المسيحي إلى جانب السني إلى جانب الشيعي إلى جانب الدرزي كما تجمع الأرمني إلى جانب الكردي ومع هؤلاء جميعاً المليون ونصف المليون لاجئ فلسطيني والمليون ونصف المليون سوري المغلوب على أمرهم وجاءوا قسراً إلى لبنان لتفادي الموت في ديارهم السورية. وأما الإستبْشار فلأن العودة العسيرية مؤشر إلى فك العسر خصوصاً أنها تتزامن مع أجواء عاشها السفير السعودي في الرياض وجدة ونعني بها أجواء ذكرى السنة التاسعة للبيعة التي كان لبنان طوال هذه السنوات كما سائر سنوات الزمن الماضي جزءاً من إهتمامات وهموم خادم الحرميْن الشريفيْن الملك عبد الله بن عبد العزيز واخوانه في القيادة السعودية

ومن المؤكد أن الإرتياح سيغمر نفوس الكثرة من اللبنانيين المغلوب على أمرهم لأن عودة السفير مؤشر إلى مفاعيل لا تقتصر على موسم الصيف وإنما تنقل لبنان من حافة مشارف الهاوية إلى أجواء الإستقرار مع إنتخاب رئيس جديد للبلاد كانت المملكة، مثل أكثرية اللبنانيين، تتمنى لو يتم ذلك في الجلسة الأولى أو على أبعد موعد في الجلسة الثانية التي طيَّر المطيِّرون نصابها. ولو أُجرى إستفتاء لمعرفة رأي أكثرية اللبنانيين ونعني بهؤلاء الفئة المغلوب على أمرها في عدم ذهاب نواب يمثِّلونهم إلى جلسة الإنتخاب وفعلوا ذلك بغرض التعطيل، لجاءت النتيجة تفيد بأن هؤلاء النواب ليسوا اهلاً للثقة وأنهم مقصِّرون في تأدية الواجب تماماً مثل تلامذة لم يؤدوا واجباتهم فإستحقوا الإنذار أو مدرسين تغيبوا فتعطلت دراسة طلابهم.

ومثل هذا التشبيه واقعي. كما أن عدم قيام هذا النائب أو ذاك بتأدية ما يمليه عليه الواجب الوطني والدستور ونظام الجلسات البرلمانية يعني أنه إرتكب فعل تقصير في الواجب أو لعله فعل ما يراد له فِعْله وليس ما يريد البضعة آلاف ناخب اقترعوا له.

هذا بالنسبة إلى النبأ الذي إستبشر اللبنانيون خيراً بحدوث محتواه أي عودة السفير علي عواض عسيري الذي لا يعرف كثيرون أي مشاعر وجدانية عاشها في غيابه القسري هذا. أما النبأ الذي يشغل البال فذلك المتعلق بما يقال حول إن البطريرك الكاردينال بشارة الراعي سيواكب رئيس الكنيسة الكاثوليكية البابا فرنسيس في زيارة سيقوم بها أواخر الشهر (ايار 2014) إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة.

وبصرف النظر عن الدواعي وكذلك الهدف من مثل هذه الخطوة، فإن الزيارة على رغم توضيحات كنَسية لها تبعث في النفس بعض القلق نتيجة ما ستعززه من تداعيات.

وقد نجد من يقول إنه لولا الذي فعله الرئيس أنور السادات رئيس أكبر دولة عربية إسلامية الذي وقف خطيباً في الكنيست قبل سبع وثلاثين سنة (20 تشرين الثاني 1977) لما كان البطريرك الراعي سيجيز لنفسه مثل هذه الخطوة، بل إن الرئيس المغدور الشيخ بشير الجميل ثم شقيقه الرئيس الأسبق الشيخ أمين الجميل ما كانا ليذهبا بعيداً في مسألة الإقتراب من الحقل الإسرائيلي المكهرَب. كذلك قد يقال إن الرئيس الإخواني المعزول الدكتور محمد مرسي دوَّن في رسالة رسمية مشاعر الود مهنئاً إلى «الصديق العزيز شيمون بيريز» وأن مفتي مصر السابق الدكتور علي جمعة زار وأدى الصلاة في المسجد الأقصى المحتل كما كنيسة القيامة للسنة السابعة والأربعين على التوالي. لكن البطريرك الراعي ليس رجل سياسة كما أن الدكتور جمعة دفع ثمناً باهظاً لخطوته تلك، وذلك على أساس أن ما قد يرتأي رجل السياسة، وإن منفرداً بالرأي دون تشاور، الإقدام عليه، لا يجوز لرجل الدين أن يفعله مفتياً كان أو شيخاً للأزهر أو واحداً من البطاركة العرب لأن الجرح الفلسطيني- العربي ما زال ينزف للسنة السادسة والستين على التوالي من الاغتصاب الإسرائيلي - الدولي لفلسطين.

في نهاية الأمر ليس هنالك حيثيات مقنِعة لمثل هذه الزيارة... إلاَّ إذا كان البابا فرنسيس الذي يرافقه كرادلة ورجال دين مسيحيين سيطلق خلال هذه الزيارة مبادرة مسيحية دولية تكون من حيث المحتوى بقوة مبادرة السلام العربية التي تشاء الأقدار أن بيروت كانت الساحة التي شهدت ولادة هذه المبادرة الموضوعية التي أرادها الملك عبد الله بن عبد العزيز سلاحاً يجعل نظام المجتمع الدولي تأخذ في الإعتبار أن العرب بإجماع قادتهم ومنهم الرئيس بشَّار الأسد تبنّوا المبادرة في القمة العربية الدورية الثانية في بيروت أواخر آذار 2002.

من المبكر تقييم هذه الخطوة للبطريرك الكاردينال بشارة الراعي إذ ربما يرى غبطته أن تعديل مسارها أفضل من أجل الإستقرار المنشود للبنان والذي في ضوء بشائر عودة السفير علي عواض عسيري فإن اللبنانيين سيعيشون بعد إنتخاب الرئيس فترة لإلتقاط الأنفاس وصيفاً لإستعادة إنتعاش الأحوال.

لكننا من باب التذكير وفي خضم ضوضاء مناورات الترئيس التي لا تخلو من التلاعب وكيف أن عبارة «رئيس صُنع في لبنان» أو عبارة «المطلوب رئيس يُصنع في لبنان»، نرى أن حقيقة الأمر هي «رئيس صُنع للبنان». لكن المهم أن يكون كامل الأوصاف وطنياً وعروبياً ومتفهماً للصيغة.. أي رئيس للبنان الذي لخَّص البطريرك المعوشي الطيِّب الذكر، مواصفاته ودوره وشخصيته في كلمة ألقاها قبل ست وخمسين سنة (الثلاثاء 11 شباط 1958) أمام وفد «جبهة الإتحاد العكاري» زاره في بكركي. وأبرز فقرات الكلمة التي أستحضرها من مقتنيات وثائقية شخصية كثيرة احتفظ بها لساعة الشِدّة السياسية العربية هي:

«إن آزدهار لبنان وسيادته وقوته مرتبطة مع إخوانه الدول والشعوب العربية وإن إتحادنا هو قوتنا. وإذا كان هناك بعض الغوغاء فإنني أقول لهذه الفئة إن الطائفة المارونية هي عربية قبل الإسلام وستبقى عربية ومناصرة لقوميتها العربية. وإني أوجه كلمتي لمن بينكم من الطائفة المارونية بأننا نحن الموارنة نقطة في بحر المسلمين فإما أن نعيش معهم في محبة وإخاء وسلام وإلاَّ فلنرحل أو فلنفْنَ...».

وهذه الرؤية المعوشية برسم البطريرك الراعي لأن التأمل فيها قبل الزيارة غير المستحبة من شأنه إخضاع الرؤية «البشارة الراعية» إلى الكثير من ترتيب الأهداف، كما أن الرؤية المعوشية قبل ست وخمسين سنة تبدو قريبة الشبه بما تنادي به السعودية دائماً ويردده السفير علي عسيري عبْر الفضائيات أو على صفحات الصحف فضلاً عن الحديث وبمنتهى العفوية عند ما يزور أو يُزار.

المصدر: اللواء