12 آب 1976..
مجزرة تل الزعتر
الدرس الأول عن الجدار الأخير
بقلم: ياسر علي
خاص/ لاجئ نت
بعد حصار 52 يوماً.. وقتال مرّ ومفاوضات أمرّ.. وبعد 72هجوماً و55ألف
قذيفة، جاء الأمر من غرفة القوات المشتركة إلى قيادة العمليات في المخيم، أن على
التشكيلات القتالية أن تتحرى طريقها للخروج من المخيم في الجبال والأحراش المحيطة
بالمخيم.
وبدأ المقاتلون بالخروج المنظم أحيانا والعشوائي أحياناً أخرى.. جماعات
وفرادى، استشهد نصفهم على الطريق..
استيقظت الليلة من منام فلسطيني غزاوي، نظرت للساعة فإذا هي 12 آب.. وتذكرت
هذه الليلة في البيت.
هذه الليلة عادت امي باكراً من عملها في فرن الثورة، سمعت أحاديث الرجال
المقاتلين هناك. علمت أنه حان وداع المخيم.
عادت الى البيت تحضّرنا، وتحضّر أخي محمد (14سنة) للخروج مع المقاتلين.. هو
وجارنا أبوجمال وابنه جمال. أعطته هوياتنا وأشياءنا الثمينة، على اعتبار أن نروج
المقاتلين كان أسلم وأضمن.
حمّمتنا نحن الصغار، وألبستنا ثيابا مخيطة الجيوب، وأوصتنا ان لا نخبر
أحداً عما في جيوبنا، وقال إنه دواء سكري لها. صدّقنا الأمر، فنحن لم نعرف على
ماذا سهرت طوال الليل..حيث كانت تخيط الثياب التي سنلبسها. وتعبئ بقجة النكبات
بالخبز والماء والثياب والدواء.
وقررت أن نكون في أول فوج من الخارج. كي لا يتكاثر المسلحون على الحواجز..
خرجنا صباحاً.. كان الناس بالآلاف، يمشون بحذر، يحملون اغراضهم، ويقتربون
من حواجز الميليشيات الكتائبية، ارعبني صراخ أحد المسلحين وشتائمه، ثم بدأ إطلاق
الرصاص وقد اصبحنا في مكان لا يسمح لنا بالعودة فيه، فركضنا إلى الأمام، ورجع أخي
جلال (8سنوات) إلى المخيم وحده.. وبقي أكرم (11سنة) وأنا (6سنوات).. وبدأت
المجزرة!!
(سبق ان كتبت عن حالنا في الخروج منذ سنوات والنص موجود على النت بعنوان: أجمل زهرة لأجمل الأمهات)..
فتى يريد الانتقام لأبيه، يعطونه الذين يختارهم ليشفي غليل الدم.
امرأة تمسك البندقية، وتوجه أبناءها للانتقام لأخيهم، فيحضرون لها من
تختارهم للقتل فتشفي غليل الدم.
قناص يختار من يشاء ليقتله، اختياراً عشوائياً.. فيقتل دون أن يرى الوجوه..
ليشفي غليل الدم.
رجل يربطون رجليه بسيارتين تنطلقان باتجاهين معاكسين، فيفسخونه قسمين،
ليشفوا غليل الدم.
مصفاة من 12حاجزاً، انتشرت في الطريق من تل الزعتر الى المتحف، ينزلون من
يشاؤون من الشاحنات، فيخطفونهم ويقتلونهم..
التفاصيل فظيعة، الحوارات بين القتلى والقاتلين أفظع، «مواكب النصر» التي
تجر الأسرى في الأحياء، من أفظع ما يفعله من يظن نفسه منتصراً في معارك الدم
الغوغائية.
.. رأينا البدايات، لكن النهايات أفضت إلى ثلاثة آلاف قتيل..
مشاهد عديدة، تجعلك تعتقد أن داعش تحبو في مدرسة هؤلاء، يمكن الحديث عنها،
لكني أكتفي بهذا القهر/ القدر.
في 12 آب.. استشهد مخيم تل الزعتر، وما زلنا نحمل ذكراه منذ 38عاماً.
وهذا ما حدث في حرب المخيمات بلبنان ومعركة مخيم جنين، وحروب غزة..
كان تل الزعتر درساً قاسياً، تسبب في تفضيل الفلسطيني الدخول في محرقة على
أن يستسلم، لقد كان الدرس الأول عن الجدار الأخير.