القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي
الثلاثاء 26 تشرين الثاني 2024

19 عاماً على أوسلو.. بين المفاوضات والمقاومة

19 عاماً على أوسلو.. بين المفاوضات والمقاومة

بقلم: هيثم محمد أبو الغزلان

بين مؤتمر مدريد في تشرين الثاني 1991، وتوقيع اتفاقية أوسلو (13-9-1993)، وصولاً للذكرى التاسعة عشرة (13-9-2012)، حصلت تغيُّرات وتبدُّلات عميقة وجذرية ليس فقط على صعيد الساحة الفلسطينية، وإنما أيضاً على الصعيدين الإقليمي والدولي. وخلال هذه المدة الزمنية ثبُت وبالملموس فشل خيار التسوية واقعيا.. إلا أن أصحاب هذا "الخيار" ما زالوا يعلقون آمالاً على نجاحه رغم ادعائهم الواقعية!!

وبين الثغرات الكبيرة والعديدة في الاتفاق والتي اعتُبرت بمثابة التفريط، والاعتماد المتمادي على ما سُمي "سبك نصوص" من أجل عدم التهرب من التنفيذ "الدقيق والأمين" للاتفاقات، كانت الفاجعة الكبرى أن ما حاول المفاوضون الهرب منه وتفاديه وقعوا فيه!! فكانت الملحقات والاتفاقات المتتالية المُفسرة لما قبلها والداخلة في تفاصيل التفاصيل بعيداً عن التنفيذ أو بعضاً منه! على حد وصف أحد مهندسي اتفاق أوسلو الرئيس محمود عباس: (فهو إما أن يوصلنا إلى دولة إن أحسنّا الفهم والتطبيق أو إلى كارثة إن أسأنا الفهم والتطبيق).

ورغم كل الثغرات والتفسيرات المتناقضة والتنفيذ "الأمين" للاتفاقات من جانب السلطة الفلسطينية، إلا أن الجانب الإسرائيلي كعادته لم يلتزم تنفيذ الاتفاقات، ورغم هذا ظل التنسيق الأمني بين الجانبين قائماً لا بتأثر بفشل أو نجاح المسار السياسي.

مدريد.. نقطة تحول

لقد أدت المتغيرات الدولية العديدة قبل انعقاد مؤتمر مدريد، سقوط الاتحاد السوفياتي، والتفرد الأمريكي الواضح في قيادة العالم، والاختلال الواضح في ميزان القوى لصالح "إسرائيل"، والاحتلال العراقي للكويت وما نتج عنه من زيادة التشرذم في الصف العربي وانتهاء حالة التضامن العربي، استمرار انتفاضة الحجارة والتي اتخذها أصحاب خيار التسوية ورقة تحريك وليست ورقة للتحرير.. كل هذا اعتبرته قيادة منظمة التحرير أحد العوامل المساعدة للدخول في عملية التسوية.

وبغض النظر عما رافق مسألة تشكيل الوفد المفاوض، والرفض الإسرائيلي لمشاركة قياديين من منظمة التحرير الفلسطينية بوفد رسمي، واقتصار الأمر على وفد أردني يضم شخصيات فلسطينية من الداخل، فإن مؤتمر مدريد قد أسس لمرحلة مفاوضات صعبة بمسارين: علني وسري.

ويصف الأستاذ محمد حسنين هيكل تلك المرحلة بقوله: "..لعل الانتفاضة كانت الشفاعة الوحيدة التي أعادت إلى الصورة العامة شيئاً من الاحترام... رغم أن العرب أنفسهم خشوا منها خارج الأرض المحتلة بمثل خشية الإسرائيليين داخلها".

وخلال اثنين وعشرين شهراً من المفاوضات، كانت الأسئلة المطروحة: هل ستؤدي المفاوضات إلى دولة فلسطينية حقيقية، أم إلى كيان مقطع الأوصال؟ خصوصاً أن المشاركة الفلسطينية في مؤتمر مدريد كانت نتيجة للتحولات والتغيرات في المنطقة والعالم، واستطاعت "إسرائيل” أن تُجيّر كل هذه التغيرات لصالحها ففرضت مفاوضات ثنائية، وترتيبات انتقالية، وأبعدت الأمم المتحدة عن عملية التسوية، فيما سمحت بهيمنة الولايات المتحدة على العملية "السلمية" باعتبارها الراعي الوحيد لها.

ويقول الدكتور نصير العاروري: "كانت مدريد نقطة تحول في الصراع العربي ـ الإسرائيلي، إذ لم يقبل العرب والفلسطينيون بحقيقة وجود "إسرائيل” فحسب، في مرحلة من تاريخ العالم تتسم بزوال الاستعمار، ولكنهم قبلوا أيضاً بشرعيتها كدولة، حتى قبل أن تعترف لهم "إسرائيل” بأنها تحتل أرضهم. وكحدث لم يسبق له مثيل في تاريخ المفاوضات"... (1)

وبهذا لم تعترف "إسرائيل” في مقدمة إعلان اتفاقية أوسلو بالحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني، ولا بحق عودة اللاجئين، وإنما اعترفت بـ "الحقوق السياسية والمشروعة المشتركة"، وحصرت اعترافها بمنظمة التحرير مشترطة ذلك بعبارة "في ضوء التزامات منظمة التحرير" والتي تتضمن شجب ما أسمته العنف والإرهاب. كما أبقت السيادة للجانب "الإسرائيلي" على المناطق التي اتفق على حصول انسحاب أو إعادة انتشار الجيش الإسرائيلي منها.

واشتمل "إعلان المبادئ الفلسطيني ـ الإسرائيلي" على سبعة عشر بنداً، وأربعة ملاحق، ومجموعة من النقاط التوضيحية المتفق عليها بين الجانبين.

ونص "إعلان المبادئ" على أن الإعلان هذا يُشكل "الأساس لإنهاء حالة العداء والصراع الذي استمر عقوداً من الزمن بين الجانبين". ومن خلال "الاعتراف بالحقوق الشرعية والسياسية المتبادلة" يسعى الجانبان إلى التوصل ".. لتسوية عادلة وشاملة ودائمة، تحقق مصالحة تاريخية وتعايشاً سلمياً... بواسطة العملية السياسية المتفق عليها"..

واعتبر الدكتور علي الجرباوي أن صعوبة تكمن في النص المعلن، جراء ضعف ترابط أجزائه، وهو يركز على رسم حدود عامة وإرساء قواعد أساسية للصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي، تاركاً الكثير من القضايا والتفاصيل، وكذلك النتائج، مفتوحة، ومعلقة، تخضع في نهاية الأمر لتفسير الطرف الأقوى في معادلة ميزان القوى.

وربطت "إسرائيل” إعادة انتشار قواتها بتحكم الشرطة الفلسطينية وقدرتها على فرض سيطرتها على المناطق، كما ورد في البند الثالث في المادة 13 من إعلان المبادئ.

وأوضح الاتفاق أن مصدر السلطة هو سلطة الاحتلال نفسها. كما تم تأجيل جميع القضايا الرئيسية: القدس، اللاجئون، الحدود..

ويعتبر الدكتور عاروري أن اتفاق أوسلو أظهر في غاية الوضوح، إلى أي مدى تم تحويل الشروط الفلسطينية لدخول عملية مدريد (دورة المجلس الوطني الفلسطيني في الجزائر أيلول 1991) إلى أهداف قصوى. وما يعتبره الفلسطينيون أهدافاً (القدس كعاصمة، عودة اللاجئين، تفكيك المستوطنات)، فإن "إسرائيل” تعتبره خطوطاً حمراء.(2)

ووصف حسن عصفور أحد المشاركين في مفاوضات أوسلو السرية، اتفاق إعلان المبادئ بأنه "يشكل خطوة سياسية نوعية... وشكل اعتراف "إسرائيل” بمنظمة التحرير أول كسر لمحرم إسرائيلي: الاعتراف بالمنظمة وبما تمثل سياسياً وقانونياً". (3)

وفي العموم يمكن القول استناداً للعديد من أقوال وبيانات وتصريحات قيادات فلسطينية وحركات فلسطينية إسلامية ووطنية معارضة للاتفاق أن اعتراف "إسرائيل” بمنظمة التحرير هو إفادة لإسرائيل، وتفريغ للمنظمة من محتواها الوطني، وهو يصب في المصلحة الإسرائيلية ولا يخدم المصلحة الفلسطينية عموما.

هذا الموقف تُرجم لاحقاُ عملياً من خلال إنشاء الفصائل العشرة، ولاحقا تحالف القوى الفلسطينية. ولكن ما ميز تلك الفترة استماتة حركتي حماس والجهاد في تنفيذ عمليات استشهادية داخل العمق "الإسرائيلي"، ساهمت في الدفع باتجاه إفشال مسار التسوية رغم كل الدعم الدولي لنجاحها.

وعلى ما تقدم فإن مقاومة الشعب الفلسطيني ضد الاحتلال أمر طبيعي، والعمليات الاستشهادية هي إحدى الوسائل التي استخدمت في سبيل إيقاع الخسائر الكبيرة في صفوف جنود ومستوطني الاحتلال. ففي معركة الحق ضد الباطل لا يربح الضعفاء المعركة لمجرد أنهم أصحاب حق متمسكين بالمبادئ‏ ، بل يجب امتلاك أسباب القوة والمنعة، ونعرف من خلال السنن والقوانين أن العدو قد يربح المعارك إذا امتلك القوة حتى وإن كان على باطل. ولعل العمليات الاستشهادية هي إحدى أدوات القوة التي امتلكها الشعب الفلسطيني في مواجهة آلة الحرب الإسرائيلية، فهي صنعت توازن رعب وصفه ارييل شارون رئيس الوزراء الإسرائيلي بـ «الرعب الإسلامي»، مطالباً بإيجاد نوع من «الرعب الإسرائيلي» للرد عليها، وهذا ما يبرر عدد المجازر التي ارتكبها قواته بحق الشعب الفلسطيني في محاولة لثنيه عن مواصلة مقاومته.

ورغم ذلك استطاعت المقاومة توجيه ضربات موجعة وقاسية للاحتلال في كل فلسطين، بدءاً من عمليات إطلاق قذائف الهاون على المستوطنات الإسرائيلية، مروراً بمهاجمة جيش الاحتلال والمستوطنين والآليات العسكرية بالأسلحة الرشاشة أو العبوات الناسفة، إضافة لاستخدام سلاح العمليات الاستشهادية وعمليات تفجير السيارات في مناطق كان يعتقد الاحتلال أنها آمنة (القدس، حيفا، نتانيا)... مما حدا بصحيفة "هتسوفيه" الإسرائيلية لمهاجمة شارون في افتتاحيتها عقب عملية الخضيرة الاستشهادية معتبرة أياه أنه «ركب موجة الوعي الإسرائيلي الذي يستدعي خطوات صعبة لا يقدر عليها سواه، وقد انتخب على هذا الأساس، ولكن بدل أن يقضي على أوسلو قرر الانسحاب من العملية السياسية... يبدو أن هذه الحكومة لا تقودنا إلى قرارات حكيمة...» (هتسوفيه، 29-10-2001).

وقد أحصت "إسرائيل” خلال عام 2002 وحده، مئة وستين (160) عملية استشهادية نفذت بالفعل، وأعلنت عن مئة وأربعين (140) محاولة لم يوفق فيها المقاومون، وكانت حصيلة العمليات الاستشهادية الناجحة (550) قتيلاً إسرائيلياً خلال العام 2002 وحده، وهذه الحصيلة تقارب ما فقدته "إسرائيل” في حرب 1967 والتي خاضتها على ثلاث جبهات، وقد ارتفع هذا العدد ليصل مع بداية العام 2003 إلى (617) قتيلاً إسرائيلياً.

وتميزت عمليات المقاومة في العام 2002 بأنها جاءت على الرغم من قيام جيش الاحتلال بعمليات عسكرية وحشية ضد المواطنين الفلسطينيين بهدف كسر شوكة المقاومة، وحملت أسماء عديدة كـ "السور الواقي"، و"السبيل الحازم"، و"قريباً من بيتك"، و"فارس الليل"... ورغم وحشية الاحتلال وهمجيته واستخدامه أبشع أساليب الإرهاب، إلا أن ذلك لم يثن الشعب الفلسطيني ومقاومته من توجيه أقسى الضربات لجيشه ومستوطنيه في حيفا والعفولة ومجدو والخليل وبحر غزة... بالإضافة أنها لم تردع المواطنين الفلسطينيين عن تأييدهم لمواصلة هذه العمليات رداً على مجازر الاحتلال.

وماذا بعد؟!!

ومنذ أوسلو، ومروراً بكل الاتفاقات والتفاهمات واللقاءات والتصريحات والمباحثات التي استغرقت أكثر من تسعة عشر عاماً، لا تزال القضية تراوح مكانها، وما زال الاحتلال يقضم الأراضي الفلسطينية من كل أطرافها، والعدوان والتنكيل والحصار والاغتيالات في تصاعد مستمر، والقدس تسقط تدريجياً في مخطط التهويد والتدنيس، وجدار الفصل العنصري بات قاب قوسين أو أدنى من الانتهاء من بنائه..

وكتب الدكتور فرنسيس بويل (Francis Boyle) المستشار القانوني للوفد الفلسطيني المفاوض لمحادثات "السلام" حول الشرق الأوسط من سنة 1991 إلى 1993م. وهو محاضر في القانون الدولي بجامعة ايلينويز. ونشر هذا المقال في صحيفة "عرب نيوز" السعودية يقول المستشار:

"عندما تم تقديم وثيقة أوسلو الأصلية ولأول مرة من قبل الحكومة الإسرائيلية إلى الوفد الفلسطيني المفاوض عام 1992م تم رفضها من قبل الفلسطينيين حيث اعتبروها بمثابة كنتونات كما كان الحال في جنوب أفريقيا (كنتونات معزولة ومحاصرة للأفارقة السود). وقد حملت هذه الوثيقة خداع مناحيم بيغن وإساءة تفسيره لبنود ومبادئ اتفاقية كامب ديفيد (بين مصر وإسرائيل)- وهذا ما رفضه بوضوح رئيس الولايات المتحدة آنذاك جيمي كارتر وقال عنه إنه مجرد حكم ذاتي للناس فقط وليس للأرض. وحالاً وبدون علم الوفد الفلسطيني المفاوض في واشنطن وبدون علم أي طرف آخر فتحت الحكومة الإسرائيلية قناة مفاوضات سرية مع الفلسطينيين في النرويج. وهناك أعادت "إسرائيل” طرح وثيقة أوسلو التي رفضها الوفد الفلسطيني المفاوض في واشنطن. لقد كانت الوثيقة نفسها التي طرحت في مدريد مع إجراء بعض التعديلات الطفيفة جداً عليها والتي تم توقيعها في البيت الأبيض في 13 أيلول/ سبتمبر 1993.

ويستطرد بويل بالقول: وقبل مراسم حفل التوقيع عليها علقت لمسؤول رفيع المستوى في منظمة التحرير الفلسطينية قائلاً "إن هذه الوثيقة بمثابة المعطف الطبي الذي يصفه الطبيب للمريض بأن يلبسه لكي يمنعه من الحركة التي تؤذيه - مثال ذلك الجبس الذي يوضع على الكسر أو الأربطة لليدين والأقدام التي تقيد الحركة - إنه من الصعوبة بمكان أن تفاوضوا خارج نطاقه (نطاق المعطف الطبي)". وقد وافقني المسؤول رفيع المستوى في الرأي وأجاب :"نعم ، إنك مُحق ، وهذا يعتمد على مهاراتنا في المفاوضات". (4)

واعتبر الكاتب الياس سحاب بأن "الحقيقة الكبرى التي لا يريد العرب، ولا بعض الفلسطينيين حتى، الاعتراف بها حتى الآن، هي أن مسيرة الصراع تتجه فعلاً، من دون أي مفاوضات فعلية متوازنة، إلى وضع تفرض فيه العقيدة الصهيونية بأجنحتها الأكثر تطرفا، كل أحلامها على الفلسطينيين والعرب. وهو واقع لا يمكن أن نحمّله زوراً وبهتاناً اسم التسوية، لأن التسوية هي في أساسها حل وسط متوازن، تتعادل في كفتي ميزانه حقوق طرفي الصراع بالتساوي، أو بما لا يبتعد كثيرا عن التساوي".(5)

انتفاضة الأقصى ومبادرات الإجهاض

شكلت انطلاقة انتفاضة الأقصى الفلسطينية واستمرارها مأزقاً شاملاً لإسرائيل، وعلى جميع المستويات السياسية والاجتماعية والأمنية.

ورغم قيام "إسرائيل” متذرعة بمقتل رحبعام زئيفي باجتياح مدن فلسطينية عديدة (جنين، طولكرم، بيت لحم...)، للاقتصاص من قتلته ووقف العمليات إلا أن ذلك لم يحل دون تنفيذ المقاومين عمليات وفي قلب العمق الإسرائيلي.

وعملت الإدارة الأمريكية وإسرائيل، وبالتوازي مع الحرب الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني على محاولة ضرب المنجزات التي حققها الفلسطينيون من خلال الانتفاضة. فكانت المبادرات "السياسية" العديدة التي طرحت كمبادرات: جورج ميتشل وجورج تينت، والجنرال انتوني زيني، وكل ذلك هدفه القضاء على الانتفاضة.

وبعد أيام قليلة من انطلاقة الانتفاضة، وبالتحديد في (17/10/2000)، اختتمت قمة "سلام" الشرق الأوسط في شرم الشيخ بمصر، وشكلت فيها لجنة عرفت فيما بعد "بلجنة شرم الشيخ لتقصي الحقائق"؛ وهدفها وضع حد لأعمال "العنف" ومنع تكرارها، وإيجاد سبل العودة إلى عملية "السلام".

وعادت الإدارة الأمريكية وتقدمت بورقة جديدة عرفت "بوثيقة تينت" والتي تركز على الجانب الأمني بغية إعادة التعاون الأمني على الأرض مثلما كان قبل 28 أيلول 2000، وتتلخص هذه الخطوات بـ:

- استئناف الحكومة الإسرائيلية والسلطة الفلسطينية التعاون الأمني بينهما وبشكل فوري.

- اتخاذ خطوات من قبل الطرفين للفرض السريع والكامل لوقف النار المعلن عنه، ولاستقرار المناخ الأمني.

- أن يستخدم مندوبو الأمن الفلسطينيون والصهاينة اللجنة الأمنية كي يزودوا الطرف الآخر وكذا مندوبي الولايات المتحدة بمعلومات عن أعمال "الإرهاب"، بما في ذلك المعلومات عن "الإرهابيين"...

- منع استخدام الأفراد والجماعات من استخدام المناطق المسيطر عليها لتنفيذ أعمال "العنف"(6).

وعادت الإدارة الأمريكية وتقدمت بورقة زيني التي نسفت ما ورد في ورقة تينت من التوازي في التعامل مع القضية.... وقد عبر وزير التخطيط والتعاون الدولي في السلطة الفلسطينية آنذاك نبيل شعث عن "رفض" السلطة الورقة، بقوله: «إن ورقة زيني أزالت ما قالت به ورقة تينت والقائل بأن الإجراءات الأمنية هي جزء من الإجراءات السياسية الموجودة في ورقة ميتشل» (7)

وعادت وتقدمت اللجنة الرباعية (أمريكا والاتحاد الأوروبي وروسيا والأمم المتحدة)، بما سُمي بـ "خريطة الطريق" كوثيقة للتسوية، مُركزة على الأداء "الأمين" لمكافحة ما يسمى بـ"الإرهاب" الفلسطيني دون الإشارة إلى الإرهاب الإسرائيلي. وركزت هذه الخطة في المرحلة الأولى على إنهاء "الإرهاب" و"العنف"، و"تطبيع" الحياة الفلسطينية وبناء المؤسسات الفلسطينية.

أما المرحلة الثانية فتنصب الجهود فيها على إقامة "دولة فلسطينية مستقلة" ذات حدود مؤقتة وسيادة، وتقوم على أساس دستور فلسطيني جديد، كمرحلة انتقالية نحو تسوية دائمة للوضع القانوني. وقد اشترط لذلك وجود قيادة تعمل بشكل حاسم ضد "الإرهاب"...

وفي المرحلة الثالثة: يتم الانتقال إليها استناداً إلى رقابة المجموعة الرباعية الإجماعي. وأهداف هذه المرحلة: تعزيز "الإصلاح، والأداء الأمني الفلسطيني المتواصل والفعال، والمفاوضات الصهيونية- الفلسطينية التي تهدف للتوصل إلى اتفاق دائم في العام 2005.

ويتوصل الطرفان إلى اتفاق وضع نهائي وشامل ينهي الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني عام 2005، عن طريق تسوية يتم التفاوض حولها بين الفرقاء على أساس قرارات مجلس الأمن 242، 338، 1397، التي "تنهي" الاحتلال الذي بدأ عام 1967وتركز الخطة على وقف الانتفاضة المسلحة وكافة "أشكال العنف" ضد الإسرائيليين، وكذلك وقف التحريض بشكل كامل. ويتبع ذلك التوصل لاتفاقية أمنية جديدة بناء على خطة تينت، وبما يشمل آلية أمنية فاعلة لوقف "العنف" و "الإرهاب" و"التحريض"، وتقوم الأجهزة الأمنية الفلسطينية الفاعلة التي أعيد بناؤها بتنفيذ ذلك.(8)

تطورات

وما حصل ويحصل من تطورات دراماتيكية على الساحة الفلسطينية؛ فوز حماس، ازدياد الأعمال العدوانية الإسرائيلية ضد الفلسطينيين، والانقسام في الساحة الفلسطينية، وسيطرة حماس على القطاع (الحسم العسكري كما تقول حماس، والانقلاب كما تدعوه فتح)، والعدوان الإسرائيلي أواخر 2008 وبداية 2009.. من الواضح أن كل هذه الأحداث الحاصلة هي نتيجة تداعيات فشل عملية التسوية، بدءاً من اتفاقية أوسلو عام 1993‏ وملحقاتها، ‏وغموض مضمون خطة خريطة الطريق في ضوء التحفظات الإسرائيلية والضمانات الأمريكية المقدمة للأخيرة فيما يخص شكل التسوية النهائية مما أدى إلى بلورة مقترب التسوية أحادية الجانب من قبل الجانب الإسرائيلي الذي بدأ بالفعل في عملية ترسيم الحدود متستراً في مرحلة أولى وراء مفهوم العملية السياسية وضرورة توفير «الأمن» ضد العمليات الاستشهادية ودافعاً في الوقت الراهن بغياب الشريك الفلسطيني الذي يمكن التوصل إلى حل تفاوضي معه‏.‏

وفي العموم فإن اتفاقية أوسلو بمرحلتيها الأولى والنهائية! قد تركت القضايا الأساسية والخطرة: القدس: الأرض ـ اللاجئين ـ النازحين ـ الحدود ـ المياه والممرات بيد الاحتلال ووضع الاقتصاد الفلسطيني في مربع الإلحاق بالاقتصاد الإسرائيلي وتحت هيمنته.

كما فتحت اتفاقية أوسلو الجزئية المنفردة بوابات الحلول الثنائية المنفردة وبدايات التطبيع والاعترافات العربية وتبادل البعثات الدبلوماسية مع إسرائيل. ويمكن تلخيص الانتصار الإسرائيلي بما قاله الروائي الإسرائيلي الشهير عاموس اوز "إن 13 أيلول 1993 ثاني أكبر نصر في تاريخ الصهيونية".

وبناء على تقدم يمكن القول إن فشل اتفاقية أوسلو ليس فقط فشل للاتفاقية ذاتها فقط، وإنما هو فشل لنهج المفاوضات مع عدو لا يفهم لغة غير لغة المقاومة والقوة. ولنا بنصر 2000 و2006، وإفشال أهداف العدوان على غزة، وقبلها انسحاب جيش الاحتلال عنه، أمثلة واضحة على صوابية خيار المقاومة وجدواه..

مصادر

1 فصلية قراءات سياسية، الاتفاق الفلسطيني ـ الإسرائيلي، نصير العاروري، السنة 4، العدد الأول، شتاء 1994، ص 13.

2- المصدر السابق.

3- مجلة الدراسات الفلسطينية، رؤية لإعلان اتفاق المبادئ، حسن عصفور، العدد 16، خريف 1993.

4- إتفاق أوسلو في الميزان الجزء الأول، أحمد إبراهيم الحاج، موقع القدس نت (10-7-2012).

5- الخليج الإماراتية، مطلوب إعادة نظر شاملة في التسوية، الياس سحّاب، (1/4/2006).

6- الإسلاميون الفلسطينيون: الأيديولوجيا والممارسة، هيثم أبو الغزلان، مركز باحث للدراسات، ط 3، نيسان 2006.

7- المصدر السابق.

8- المصدر السابق