2014.. العام الأقسى على الأسرى منذ 47 سنة
هبة الجنداوي
لم يهدأ الإحتلال ولم يتوقف يوماً عن إنتهاك حقوق شعب احتَلّ أرضه
وشرّده... لم يملّ ولم يكلُّ من استفزازه بكافة الطرق القاسية، متلبّساً قبعة
الأمم المتحدة التي تحميه تحت جناحها، متجاهلةً معاناة شعب أرهقه الإحتلال، وأدماه
التشرّد المستمرّ في ملاجئ الغربة وفي أصقاع الوطن نفسه. فمن الإستيطان الصهيوني
الذي ينهش الأرض في الضفة الغربية والقدس، إلى الحروب الثلاثة الدامية التي مرّت
بها غزة، إلى الإعتقالات والملاحقات المستمرّة للشباب الفلسطيني، والسياسات
الخانقة بحق الأسرى التي تتصاعد يوماً عن يوم في سجونه المظلمة.. كان الإحتلال ولا
يزال يسعى الى خنق الشعب الفلسطيني وتغييبه عن الحياة!!
"2014" الأسوأ على الأسرى
لقد سجّل عام 2014 جميع المشاهد القاسية التي تعرّض لها ذلك الشعب
الجبّار في كلّ مكان، من غزة الى الضفة وأراضي 48... فإلى جانب ما تعانيه غزة من
فقدان أسباب الحياة بعد تلك الحرب الصهيونية المدمّرة، ثمة وجه آخر للمعاناة
يتمثّل بقضية الأسرى في زنازين الإحتلال، الذين يعانون من ظروف إعتقال سيئة جدا،ً
في ظل السياسات المهينة التي ينتهجها الإحتلال بحقهم، الى أن أضحوا عنوان انتقام
لسياسة الاحتلال خاصةً خلال العام الحالي، دون أي مراعاةٍ للإتفاقيات الدولية
وحقوق الإنسان!
فعام 2014 إعتُبر من أسوأ الأعوام التي مرّت على الأسرى منذ عام 1967.
فقد تزايدت الاعتقالات بنسبة 56% عن العام الماضي 2013، حيث تم رصد حوالي 6059
حالة إعتقال في الضفة الغربية والقدس، 420 حالة منها في قطاع غزة. هذا التّزايد
اللافت بدأ بعد حادثة اختفاء الجنود الصهاينة الثلاثة في الخليل في حزيران الماضي،
حيث أقدمت قوّات الاحتلال، انتقاماً للجنود الثلاثة، على إعتقال نحو 3000 مواطن
فلسطيني من كافة أنحاء الضفة الغربية والقدس منذ بدء حملة الإعتقالات في شهر حزيران،
وحتى ديسمبر الحالي، ليرتفع عدد الأسرى إلى أكثر من 7000 أسير.
وما يؤكّد تلك السياسة الإنتقامية التي اتّبعها الإحتلال خلال الستة أشهر
الماضية، هو تسجيل ما يقارب من 17 حالة إعتقال يومياً، حسب هيئة شؤون الأسرى
والمحرّرين.
نساء وأطفال قيد الأسر
لم تستثن قوات الإحتلال أحداً خلال عمليّات الإعتقال التي كانت تنفذها
يومياً، حيث لا تضع حصانة لا على طفل ولا حتى امرأة. فكلٌّ كان له نصيب من تلك
الإعتقالات. فقد أشار رئيس "هيئة شؤون الأسرى والمحرّرين عيسى قراقع"
إلى أنه ما يزيد عن 1500 حالة اعتقال جرت في صفوف الأطفال القاصرين خلال العام
الحالي، وتركزت في منطقة القدس، مما رفع عدد الأطفال الأسرى الى حوالي 322 طفل
أسير داخل زنازين الإحتلال.
وما ميّز هذا العام هو في أنّ الأطفال كانوا هدفا أساسيّاً بامتياز
لسياسة الاعتقالات التي تقوم بها سلطات الاحتلال، والدّليل على هذا السياسة
العنصرية هو مشروع القانون الإسرائيلي الذي تم التصديق عليه في الكنيست والذي يشدد
العقوبات والأحكام على الأطفال الأسرى، لتصل إلى 20 عاماً لمن يُلقي حجارة على
جنود ومستوطني الإحتلال!
و فيما يتعلّق بالنساء الأسيرات فالأمر مأساوي بالقدر نفسه، حيث لا يكاد
يمر شهر إلا وتتعرض نحو 20 امرأة وفتاة إلى الإعتقال المذل لمُدَدٍ مختلفة. وقد
سُجِّل خلال شهر ديسمبر الحالي إعتقال ما يزيد عن 13
امرأة، 5 منهنّ لا يزلن قيد الإعتقال، مما رفع عدد الأسيرات إلى نحو 24
أسيرة.
سياسات إعتقال تعسفيّة
هذا ويتمنّع الإحتلال عن اعتبار الأسرى الفلسطينيين أسرى حرب حتى لا يتم
مقاضاته في السياسات المجحفة بحقهم.
حيث تلجأ سلطات السجون الصهيونية إلى أقصى أنواع العقوبات وهي العزل
الإنفرادي للأسرى "المخلّون بالأمن" أو أولئك الذين يشكّلون خطراً عليها
في تعبئتهم للأسرى داخل الزنازين.. على الرغم من أنّها سياسة حرّمها القانون
الدولي والإنساني وتشريعات حقوق الإنسان.
كما وتعدّ سياسة الإعتقال الإداري التي يستخدمها الإحتلال بحق الأسرى، من
السياسات المنافية للقوانين الإنسانية والحقوقية، حيث يتم زجّ الأسرى في الزنازين
دون أي تهمة موجهة لهم، ويتم حرمانهم من المحاكمة والتوجه الى القضاء، وبالتّالي
يقبع داخل الزنازين حوالي 570 أسيراً إدارياً ظلماً وبهتاناً..
ومن تلك السياسات القاسية أيضاً، نقل الأسرى مجرّدين من ملابسهم في
الكثير من السجون الصهيونية، إلى جانب الإهمال الطبي، وفرض العقوبات الجماعية والفردية،
ومصادرة الممتلكات، والتفتيش الإستفزازي، ومنع زيارات الأهل في الكثير من الأحيان،
وسياسة التغذية القصرية التي يستخدمها السجّان لفض الإضرابات عن الطعام التي
يخوضها الأسرى للمطالبة بحقوقهم، بالإضافة الى سياسة المؤبدات التي فُرضت على 722
أسير.
كما وتعمد سلطات السجن الى زجّ العديد من الأسرى الأطفال في زنازين تضم
مساجين جنائيين، ومنحرفين، ومدمني مخدّرات... الأمر الذي يُعدّ كارثة على حياة
الأطفال الأخلاقية والاجتماعية والصحيّة.. كذلك يلجأ الإحتلال إلى إرغام أهالي
الأطفال الأسرى على دفع ضرائب عالية تنهكهم وتزيد العبء على كاهلهم.
سياساتٌ عدّة لا تُعدُّ ولا تُحصى ينتهجها الإحتلال بحق الأسرى في سجونه،
حيث يعمد من خلالها إلى تعذيبهم وتركيعهم، وإجبارهم على الإعتراف بما لم يفعلوه،
وانتزاع معلومات منهم عن حركات المقاومة وأعمالها، وتحرّكاتها، وأسرارها..
بشر وليسوا أرقام
وقد وثّق الباحث الحقوقي في مؤسسة الضمير "أيمن كراجة" عن
ارتفاع أعداد شهداء الإهمال الطبي إلى 206 أسيراً قضوا داخل السجون الإسرائيلية،
نتيجة الإهمال والحرمان من الكشف الطبي وإجراء العمليات الجراحية اللازمة. وقد كشف
كراجة عن وجود حوالي 85 أسيراً يعانون من إعاقات مختلفة، جسدية وذهنية ونفسية،
و227 أسير مصاب بأمراض مزمنة (كالقلب، والسكر، والضغط..) 27 أسير منهم مصاب
بالسرطان..
داخل غياهب تلك الزنازين المظلمة هناك معاناة ليست كأيّ معاناة، وحياةٌ
يملؤها الألم وتنقصها الحياة.. فليس هناك أقصى من الإنتظار المرير على أمل رؤية
أحبابٍ حال أسر، وزنزانة، وظالم بين تلك اللقيا... ليس أقصى من حرمان طفل صغير من
حضن والدٍ لم يرهُ إلّا في مخيلته، وقد رسم له ملامحاً حيّةً من بعض حكايات والدته
عنه... وليس هناك أقسى من أن يقف الأسير من وراء نافذة صغيرة تطلّ على سّماء
مُقمِرة، يناجي القمر الذي يتجسّد أمّه الغائبة في البعيد، ويغنّي لها: "يمّي
الظالم بيني وبينك لو طوّلت بيعلى جبينك.." هي بعضٌ من ملامح ذلك
"الألم" الذي ينتظر أن تتبدّل حروفه لتصير ذلك الأمل المنشود في حريّة
حمراء، وفي صفقة "وفاء أحرار" أخرى تكسر القيد والليل الحالك..
المصدر: شبكة العودة الإخبارية