29 عاماً على انطلاقة "حماس".. الزمن
الأصعب
بقلم: أحمد الحاج علي
في ذكرى انطلاقتها التاسعة والعشرين، تبدو
الأزمات التي تواجه حركة "حماس" أكبر وأعقد بكثير من تلك التي واجهتها في
السنوات القليلة التي تلت انطلاقتها نهاية عام 1987. الانطلاقة لم تكن لتحتاج أكثر
من ستة أشخاص، يجتمعون في بيت في غزة، ثم يبلغون زملاءهم في الضفة الغربية بالبيان
الأول، الذي سَيُوزّع في 14 كانون الأول. كانوا يومها تنظيماً سرّياً تحت الاحتلال
يضم المئات فقط، أما اليوم فإن الحركة مسؤولة عن إدارة الحياة اليومية لمئات الألوف
في غزة، فضلاً عن أنها معنية بمستقبل ملايين اللاجئين.
مرّت "حماس" بظروف ومحطات كثيرة
في تاريخها، لكن قد تكون محطة فوزها بالانتخابات التشريعية عام 2006 هي الأهم، وبغض
النظر عما قيل عن خطأ قرار المشاركة، وما برره البعض من أن الفوز لم يكن بحسبان الحركة،
إلا أن النتيجة تبقى واحدة، من حيث إنه قد تكون من المرات القليلة، وربما المرة الوحيدة،
في العصر الحديث، التي تجمع مقاومة بين الثورة والحكم. الثورة من حيث هي حركة دائمة
وعدم استقرار مكاني، والحكم من حيث هو مؤسسات ثابتة لا يصح انتقالها وتنقلها بشكل دائم
وإلا فقدت دورها.
هذا الفوز نقل الحركة من مجرد فصيل يهتم
بأدائه التنظيمي الداخلي، وتوسعه بين الجمهور، على ما يتطلب ذلك من شعارات تعبوية،
إلى حكومة معنية بتوفير الحاجات لكل السكان، بغض النظر عن انتماءاتهم وولاءاتهم وأيديولوجياتهم.
فبرزت الحاجة إلى الشعارات الوطنية الجامعة، بديلاً من الحزبية. وأصبحت أناشيد وأغاني
الثورة الفلسطينية التي انطلقت في السبعينيات ضيفاً عزيزاً على مهرجانات "حماس"،
بل إن بعض الفرق الإنشادية التابعة للحركة أعادت توزيع تلك الأغاني بما يناسب العصر
وفق رؤيتها. أما العَلم الفلسطيني فصار ملازماً لرئيس الحكومة الفلسطينية إسماعيل هنية
في كل لقاءاته، بعدما كانت الراية الخضراء قبل ذلك.
وإذا تجاوزنا التكاليف السياسية الباهظة
للحكم، فإنه يجب الانتباه إلى أن الحرية والنقد داخل الحركة اكتسبا مساحة إضافية مع
وصول الحركة إلى الحكم، فقبل ذلك كان يُعتبر التباين العلني تهديداً لصورة الحركة،
أما بعد تسلمها للحكومة، فإن التباين من القضايا المستجدة أصبح أمراً عادياً بالنسبة
لقواعد الحركة. وربما بتأثير نسبي من ذلك، عُدّلت القوانين الداخلية، وأصبح لا يحق
التجديد لأكثر من دورتين في بعض المناصب القيادية.
الانتخابات لاختيار قيادة الحركة على الأبواب،
ورغم وجود قطاعات واسعة في حركة "حماس" تُفضل التجديد لرئيس المكتب السياسي
لحماس خالد مشعل بهذه الظروف، إلاّ أن ذلك بات متعذراً. أولاً لوضوح النظام الداخلي
الذي يمنع من الترشح لأكثر من دورتين، وثانياً بسبب إصرار مشعل على عدم تعديل النظام
لصالح أي فرد، وثالثاً "لإظهار الوجه الحضاري الديموقراطي" للحركة، كما يقول
قياديون في "حماس" لـ"المدن".
مع ذلك، تبقى الانتخابات داخل حركة منتشرة
في عشرات الدول، مسألة غاية في التعقيد والمفاجآت، وقد تأخذ أحياناً وقتاً أكثر بكثير
من المتوقع. من هنا فإن مصادر في "حماس" تقول لـ"المدن"، إنه لا
يمكن الركون الى فوز هذا أو ذاك مهما بلغت حظوظه في الوصول إلى الموقع الأول. وعن التخوّف
من انقسامات نتيجة ذلك، تجيب: "إن الحركة تُدرك أن الانتشار الجغرافي يخلق مصالح
مختلفة، وأمزجة متباينة، لذلك كانت واقعية في جعل كل الأقطار ممثلة في أطرها القيادية
الأولى، وتكريس ذلك بالنصوص. وعند ظهور أي تباين فإن المؤسسات الشورية والتنفيذية والرقابية
التي بنتها الحركة وهذّبتها طيلة حوالي ثلاثين عاماً، كفيلة بحسم أي خلاف".
الاسم الأكثر تداولاً لخلافة خالد مشعل
في رئاسة المكتب السياسي هو إسماعيل هنية. يتمتع بعلاقة جيدة مع الفصائل الفلسطينية،
ويحظى بإعجاب القاعدة الشعبية في الحركة، نظراً لترؤسه الحكومة الفلسطينية خلال ثلاثة
حروب عدوانية خاضتها غزة ضد إسرائيل. وقبل ذلك هو مدير مكتب مؤسس الحركة الشيخ أحمد
ياسين، وتعرّض لمحاولات اغتيالات عديدة، كل هذا يزيد من ثقله المعنوي داخل حركته، وفي
أوساط الشعب الفلسطيني. لكن أمامه تحدياً خاصاً، هو كيف سيقود الحركة من داخل قطاع
محاصر، على ما يعنيه ذلك من انهماك بالتفاصيل اليومية، وانشغاله بفك الحصار، كما أن
قيادة الحركة تحكمها ضرورات نسج علاقات مع العالم الخارجي.
أياً كان من سيتسلّم قيادة الحركة فإن التحدّيات
التي تنتظره كبيرة جداً. أولها كيف يوازن بين خيار المقاومة وحاجات الناس وضرورات المرحلة.
ففي هذه المرحلة التي تُزال مدن بأكملها، لن يبكي العالم إذا قامت حكومة اليمين الإسرائيلي
باستعمال قوة غير مسبوقة تزيل أحياء من غزة، أو تطرد مئات الألوف من الضفة. لذا فإن
ضبط النفس قد يبقى مرجّحاً لدى أي قائد جديد في حماس.
التحدّي الثاني، هو إدارة العلاقات الخارجية،
التي تضررت كثيراً خلال السنوات الماضية، وخصوصاً العلاقة مع إيران، التي أفادت الطرفين
يوماً ما، وتراجعت دراماتيكياً خلال الأزمة السورية. تحدٍّ كبير؛ بناء علاقة مع دولة
إقليمية كبيرة كإيران من دون خدش صورة "حماس" أمام الرأي العام العربي واهتزاز
علاقات الحركة مع حكومات عربية عديدة.
في زمن سقطت فيه حكومات، وتلاشت حركات،
وتهددت وحدة دول، فإن حركة "حماس" تقف في الزمن الأصعب من تاريخها، لمواجهة
تحديات هي الأخطر.
المصدر: المدن