32 عاماً ورائحة الدماء تلازمنا
بقلم: ميساء الخطيب
كيف يمكن فلسطيني أن ينسى مجزرة الغدر التي
ارتكبتها مجموعات من الفاشيين العرب والإسرائيليين؟! كيف يمكن أن ننسى ونسامح، ودماء
الشهداء ما زلنا لليوم نستنشق رائحتها كلما دخلنا أزقة وشوارع مخيم شاتيلا؟! كيف يمكن
أن ننسى وكل يوم هناك مجزرة وراء أخرى ترتكب بحقنا، والسبب أننا الشعب العربي الوحيد
الذي لا يكلّ ولا يملّ من المطالبة بحقه في هويته وأرضه.
يوم أسود وأكثر، كان 16 أيلول 1982 في حياة
اللاجئ الفلسطيني في لبنان، وربما في حياة بقية اللاجئين، وما زلنا نتساءل حتى اليوم:
لو لم تخرج المقاومة من لبنان قبل ارتكاب المجزرة بأيام، هل كانت المجزرة سترتكب بحق
مواطنين عُزَّل في مخيم بائس؟
لو لم تغادر السفن الميناء، هل كان سيتغيّر
لون البحر من الأزرق إلى الأحمر؟ أم أنّ القدر كتب علينا كلاجئين أن ندفع الثمن، ومعنا
عائلات لبنانية في المخيم وجواره دفعت الثمن مثلنا دماً ولحماً؟! هل كانت ثمة طريقة
لتفادي كل ذلك؟ أسئلة لا تزال مثار جدل حتى اليوم.
ارتكبت المجزرة على مدار ثلاثة أيام موصولة
نهاراتها بلياليها، قنابل الإضاءة فوق المخيم ليلاً كانت إسرائيلية، ليصل القاتل إلى
الضحية من دون «توهان» ويغرز نصل خنجره في ظهر الضحية، أو ليسدد رصاص بندقيته إلى رأس
طفلٍ نائم في حضن أمه.
تسرب خبر المجزرة من الناجين الذين فروا واحتموا
بالمستشفى القريب من المخيم، ومثلنا مثل كل من له أهل وأقارب ركضنا باتجاه المخيم،
وكنا أول الواصلين إلى مدخله الرئيسي. كان الجيش اللبناني مسيطراً على المدخل ويحاول
منع الأهالي من الدخول، ولأننا أصحاب خبرة سابقة برائحة المجازر، وهذه الخبرة اكتسبناها
من مجزرة مخيم تل الزعتر عام 1976، دلتنا الرائحة من على بُعد أمتار من مخيم شاتيلا
على حجم المجزرة التي تم ارتكابها في بيوته وأزقته.
بكل قوتها، دفعت أمي جنود الجيش على الحاجز
واستطاعت اختراقهم والركض باتجاه بيت أختها الذي كان البيت الأول في المخيم. ركضنا
وراءها، وركض خلفنا بقية المنتظرين. كنا نركض ورائحة كريهة تسبق الهواء الذي نتنفسه،
هذه الرائحة لم تكن سوى رائحة جثث الضحايا المنتفخة والملقاة على الطرق وفي الأزقة.
ومن بعيد شاهدنا أفراداً من الصليب الأحمر يحملون بطانيات ويغطون بها جثث الضحايا،
وإلى جانبهم خندق طويل تم حفره لدفن الجثث قبل وصول الأهالي.
المصدر: السفير