35 عاماً على مجزرة مخيم تل الزعتر: النـكبـةُ مُكـثفـةً
ياسر عزام *
في 12 آب 1976، أي قبل 35 سنة، سقط مخيم تل الزعتر.
خبر المخيم حصارات عدة، كان آخرها الحصار الذي دام 52 يوماً وأدى إلى سقوطه، بعد صمود بطولي في وجه مجزرة قدّر عدد ضحاياها بثلاثة آلاف شهيد، وشحّ في المياه جعل من «الحنفية» مصيدة للقناصة قتل عندها العشرات، وجرح المئات. أما الطعام، فلم يبق منه إلا العدس والتمر موردا لكل أبناء المخيم.
في يوم الذكرى، كما في كل عام، يعلو النَفَس العنصري تجاه الفلسطينيين في لبنان، فيرفع البعضُ عقيرته مفاخرا بأنه من ارتكب المجزرة «البطولية» التي كانت ضرورية للحفاظ على «الوجود والاستمرارية في هذا الشرق». وتبدأ حفلة الجنون والفخر بالمجزرة، كما تعلو النبرة في سنوات الانتخابات: يبّين حصارُ الفلسطينيين في مخيم تل الزعتر كأنه حصار لمخلوقات غريبة حاولت تدمير الأرض، ويتم إظهار المجزرة كأنها عمل بطولي خدم البشرية ونظف التاريخ والجغرافيا من العدوان، بما يجعل من مرتكبَها بطلاً أسطورياً يضيف ارتكابها إلى سجله الذهبي.
على مر السنين، بقي المخيم الصغير علامةً بارزةً في حياة اللاجئين الفلسطينيين، وتحوّل إلى رمز ونموذج مصغر لفلسطين، وللنكبة والتطهير العرقي والمجازر.. وحق العودة.
يعتبر الفلسطينيون مرتكبَ مجزرة تلّ الزعتر خادماً صغيراً للمشروع الصهيوني، نفذ أحد النماذج المتفرقة التي كانت بمثابة تذكير للشعب الفلسطيني بأن النكبةَ حاضرةٌ ومُحضّرةٌ، يستلُّها العدوُّ ساعة يشاء ليكررها حيثما يشاء.
بدت هذه المجازر «الصغيرة» كأنها مجرد ارتدادات للانفجار الكبير الذي أحدثته النكبة وتطايرت شظاياه الأخلاقية لتسكن – مع الفكر العنصري- عدداً من العقول التأسيسية للشرائح الانعزالية المعادية للفلسطينيين على امتداد الوطن العربي.
وعلى الرغم من فظاعة مجزرة صبرا وشاتيلا، إلا أنها لم تشكل نموذجاً للنكبة كما هي الحال مع مخيم تل الزعتر. لم يخرج أبناء شاتيلا منه، في نموذج مصغر ومكثف للنكبة، ثم يمنعون من العودة إليه.. لم تُهدم بيوتُهم فيه وتمسح مع الأرض.. لم يسكن أهله في تجمعات (مخيمات صغيرة) ملحقة بالمخيمات الفلسطينية (مثل تجمع المهجرين وتجمع الزعتر وتجمع الدامور وتجمع مستشفى غزة وغيرها).. لم يُشكل أبناؤه روابط وتجمعات أينما ذهبوا.. ولم يُنسب أشخاص إلى أي مخيم غير مخيم تل الزعتر، كما هي الحال مع الرفيق أبو أحمد الزعتر وغيره.
لقد كانت الحروب والحصارات في ذلك المخيم كافية لكي تصهر أرواح أبنائه في ذاكرة جماعية واحدة، فإذا التقى اثنان من أبنائه، ولو بعد عشرات السنين، فإنهم يتذكرون تلك الأيام كأنها الآن، ويزيدون على الحصارات وصلة القربى والبلد الأصلية في فلسطين، سؤالاً بديهياً: «مع أي مجموعة خرج أقاربك ليلاً في الجبال، عبر محور المكلّس والوادي الذي يفصله عن الكحّالة ثم إلى المناطق الوطنية؟»، ويتبادلون رواية ما تعرّضوا له في أثناء الخروج.
واليوم، لا بدّ من كلمة حول ما يُفترض أن يكون عليه الموقف الفلسطيني في هذا الشأن: إن شعبنا لا يمكن أن ينسى ما جرى في مخيم تل الزعتر، ولا في أي مجزرة أخرى، ولكن يمكنه أن يغفر لمن اعترف بالخطأ والخطيئة واعتذر عنهما. أمّا من يفتخر بارتكاب أي مجزرة بحقّ اللاجئين الفلسطينيين، فإنما هو يجدد ارتكابها في هذا الزمن، وبذلك لا يمكن أن يغفر له الفلسطينيون جريمتَه..
لذلك، بقيت بعض الفصائل الفلسطينية مستندةً إلى دعم الجهات الاعتبارية (وعلى رأسهم المرحوم الدكتور أنيس صايغ) لا تصافح مرتكب مجزرة صبرا وشاتيلا، وما زالت حتى اليوم لا تصافح نظراءه وحلفاءه الذين كانوا معه في نهجه، وتابعوا المسيرة من بعده.
إن أي جهة تفتخر بتلك المجازر، يجب أن تُعتبر مرتكبةً للمجزرة وتُعامل معاملةَ مرتكبيها.
* مسؤول مكتب شؤون اللاجئين في «حركة حماس»
المصدر: جريدة السفير اللبنانية