365 يوما، وهي تتفرَّج علينا!
بقلم: يونس أبو جراد
نتقدم بعدد أيام السنة "الكابوس"، وبعدد
المحاصرين، والمدمرة بيوتهم، وبعدد من مثَّلتهم الحكومة، ودافعت عنهم، ووفرَّت لهم
سبل العيش الكريم، وبعدد الذين أعادت إعمار بيوتهم، وبعدد الكرفانات التي وصلتنا وغرقت
في المنخفضات الشتوية، وبعدد ساعات الوصل والقطع للتيار الكهربائي، وبعدد الصواريخ
التي نزلت على غزة، والشهداء الذين ارتقوا، وبعدد أيام الحصار المر، وبعدد الغاضبين
منها نتقدم بالشكر الجزيل لحكومة "التوافق"، على عطائها الوافر، وعملها الدؤوب.
هل كنت أخي المواطن تشعر بالتهكم أثناء قراءتك
لتلك السطور؟ إذن أنت تعرف أنَّ العبارة السابقة لا محل لها من الإعراب، ولا وجود لها
على أرض الواقع، وأنَّ الكاتب يفترض ما يجب أن يكون!
ماذا فعلت الحكومة "لغزة" طيلة 365
يوماً، سوى أنَّها كانت تتفرَّج على عذاباتنا؟ وكيف سنجد كشف حسابها بعد هذه السنة
من أدائها المتميز في تكريس الانقسام، وترسيخ الحصار، وممارسة التضليل والتهميش؟
كيف يمكن أن يثق المواطن الفلسطيني، ليس في غزة
وحدها، بل حتى في الضفة الفلسطينية، والشتات، بهذه الحكومة، وهو يراها تتفرج علينا
طيلة 51 يوماً من الحرب. لم تحرك ساكناً، ولم تنبس ببنت شفة. اعتقدنا وقتها أنَّها
لن تقف مكتوفة الأيدي، وأنَّها تنتظر انتهاء الحرب حتى تغدق علينا من حبها واهتمامها،
ولكنَّها خذلتنا بعدد الصواريخ التي سقطت علينا.
حضرت الحكومة للمرة الأولى إلى غزة بعد أيام طويلة
من الحرب، كي تلتقط بعضاً من الصور التذكارية لاستخدامها في مؤتمر المانحين الذي عقد
في مصر، ولم تعد لغزة ثانية إلا على أعتاب مؤتمر دولي آخر، وبين هاتين الزيارتين رأينا
الكثير من الكذب والتلفيق والتمييز والفشل!
أعتقد أنَّ موقفاً واحداً جرَّبَ فيه شعبنا هذه
الحكومة كافٍ لأن ترحل، هذه الحكومة التي تفرجت علينا ونحن نُقتل، وتُدمر بيوتنا، وننزفُ
حتى الشهادة، واكتفت بإرسال بعض المعونات البائسة، والبيانات الباردة! فماذا نقول في
كلِّ ما فعلَتْه بنا حتى لحظة كتابة هذا المقال؟
لست في حاجة لاستعراض بعض الأرقام، كي نعرف أين
تقع غزة من اهتمام الحكومة، وليس مهماً ذكر نصيب غزة في موازنة السلطة لهذا العام؛
لأن ما يصل إلى غزة الفقيرة المحاصرة هو الفتات، بقايا طعام المقاطعة!
لا أريد للمقال أن يثبت فشل الحكومة، فنحن نرى
ونسمع ونشم فسادها وفشلها كل يوم. ولكنني أثير هنا بعضاً من الأسئلة التي تدق أدمغتنا،
فتسبب لنا صداعاً مزمناً.
من الواضح أنَّ إجماعاً فلسطينياً تشكَّل خلال
الشهور الماضية على أنَّ الحكومة لم تنجح، وأنَّه لا وجود لها في غزة، وأنَّها فاشلة،
وأنها حكومة توافق تفتقر إلى أدنى درجات التوافق.
والسؤال هنا: ماذا بعد؟ ما البديل؟
ومن الذي يتحمل مسؤولية ما يحدث؟ هل سنبقى أسرى السياسات الضيقة للحركات الفلسطينية؟
أليس الوطن أكبر من التنظيم، وأوسع من بعض الأدمغة المستهلكة في رؤوس بعض القيادات
الفلسطينية؟
إذا لم تكن فتح مسؤولة عما يجري، وإذا كانت حماس
تقدم مظلوميتها آناء الليل وأطراف النهار، وباقي الحركات الوطنية توزع الانتقادات والنصائح
والبيانات والآراء، فماذا يفعل الفلسطيني في الداخل والشتات في مثل هذه المعضلة؟
لقد كانت الحكومة -ولا تزال- عبئاً ثقيلاً على
أكتاف الشعب الفلسطيني، فهي الحكومة الوحيدة التي حظيت بإجماع وطني على فشلها وبؤسها،
ومع ذلك تدخل عامها الثاني، وهي ترفع في وجوهنا "الكرت الأحمر" الذي رفعه
الرجوب في وجه عوفر!
المصدر: العربي 21