40 عامًا.. يوم الأرض الفلسطيني:
«هنا على صدوركم باقون»
بقلم: سعيد العربي
«كأننا عشرون مستحيل، في اللد والرملة والجليل،
هنا على صدوركم باقون كالجدار، وفي عيونكم زوبعة من نار… أسمّي التراب امتدادا لروحي،
أسمّي يدي رصيف الجروح، أسمّي الحصى أجنحة، أسمّي ضلوعي شجر، واستلّ من تينة الصدر
غصنا، وأقذفه كالحجر».. كلمات كتبها الشاعران محمود درويش، وتوفيق زياد، تصف يوم الأرض
الفلسطيني، الذي يمر عليه اليوم الذكرى الأربعين.
يوم الأرض وقعت أحداثه في 30 مارس 1976،
ولم تنته بعد، بل مستمرة حتى اليوم، فلا تزال سياسات المصادرة والاقتلاع والتهجير والمخططات
المختلفة من الكيان الصهيوني تحاول خنق الفلسطينيين والتضييق عليهم، وازدادت أيضا التوجهات
العنصرية التي تسعى إلى نزع شرعيتهم السياسية وشرعية وجودهم، وليس فقط مصادرة أرضهم.
قبل قيام الكيان الصهيوني كان عرب فلسطين
شعبا مزارعا إلى حد كبير، حيث إن 75٪ كانوا يحصلون على عيشهم من الأرض بعد نزوح الفلسطينيين
نتيجة نكبة عام 1948، وبقيت الأرض تلعب دورا مهما في حياة 156 ألفا من العرب الفلسطينيين،
الذين بقوا داخل ما أصبح دولة إسرائيل، وبقيت الأرض مصدرا حيويا للفلسطينيين.
وتبنت الحكومة الصهيونية في عام 1950 قانون
العودة لتسهيل الهجرة اليهودية إلى إسرائيل واستيعاب اللاجئين اليهود، وسنت قانون أملاك
الغائبين الإسرائيلي؛ بمصادرة الأراضي التابعة للفلسطينيين أو طردوا من المنطقة التي
أقيم عليها كيان إسرائيل في عام 1948، واستخدم أيضا في مصادرة أراضي المواطنين العرب
في إسرائيل – موجودة داخل الدولة، بعد تصنيفها في القانون على أنها أملاك غائبة، وكان
يبلغ عدد «الغائبين الحاضرين» أو الفلسطينيين المشردين داخليا نحو 20 ٪ من مجموع السكان
العرب الفلسطينيين في إسرائيل.
صادرت السلطات الصهيونية نحو 21 ألف دونم
من أراضي عرابة وسخنين ودير حنا وعرب السواعد وغيرها في منطقة الجليل في فلسطين التي
احتلت عام 1958، تحت غطاء مرسوم جديد صدر رسميًا في منتصف السبعينات، أطلق عليه اسم
مشروع «تطوير الجليل» الذي كان في جوهره الأساسي «تهويد الجليل»، فصادرت إسرائيل القرى
التي تعرف اليوم بـ«مثلث الأرض»، وتم تخصيصها للمستوطنات الصهيونية.
رافق قرار الحكومة بمصادرة الأراضي إعلان
حظر التجول على قرى سخنين وعرابة ودير حنا وطرعان وطمرة وكابول من الساعة 5 مساء، وعقب
ذلك، دعا القادة العرب من الحزب الشيوعي مثل توفيق زياد، الذي شغل أيضًا منصب رئيس
بلدية الناصرة ليوم من الاضرابات العامة والاحتجاجات ضد مصادرة الأراضي، وقررت لجنة
الدفاع عن الأراضي في فبراير عام 1976، عقد اجتماع لها في الناصرة بالاشتراك مع اللجنة
القطرية لرؤساء المجالس العربية، وفيه تم إعلان الإضراب العام الشامل في 30 مارس.
في 18 مارس، اجتمع رؤساء المجالس المحلية
العربية، وأعضاء من حزب العمل وصوتوا ضد دعم خروج المظاهرات، وعندما أصبح الخبر منتشرا
خرجت مظاهرة أمام مبنى البلدية، وتم تفريقها بالغاز المسيل للدموع، وأعلنت الحكومة
أن جميع المظاهرات غير قانونية، وهددت بإطلاق النار على المنظمين، مثل معلمي المدارس
الذين شجعوا الطلاب على المشاركة، لكن التهديدات لم تستطع إيقاف حماس المشاركين، فخرج
الطلاب من الفصول الدراسية وانضموا إلى الإضراب، وكذلك شاركوا في المسيرات العامة التي
جرت في جميع أنحاء البلدات العربية المحتلة، من الجليل في الشمال إلى النقب في الجنوب،
وجرت اضرابات تضامنية أيضا في وقت واحد تقريبًا في الضفة الغربية وقطاع غزة، وفي معظم
مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان.
وكالعادة، كان الرد الإسرائيلي عسكريا دمويا؛
إذ اجتاحت قواته مدعومة بالدبابات والمجنزرات القرى الفلسطينية والبلدات العربية، وأطلقت
النار عشوائيا، فسقط الشهيد «خير ياسين» من قرية عرابة، وبعد انتشار الخبر صبيحة اليوم
التالي، انطلقت الجماهير في تظاهرات عارمة، فسقط خمسة شهداء آخرين، أبرزهم «خضر خلايلة،
وخديجة شواهنة، ورجا أبو ربا» من قرية سخنين، و«محسن طه» من قرية «كفر كنا»، و«رافت
الزهيري»، إضافة إلى عشرات الجرحى والمصابين.
وأصبح «يوم الأرض» يومًا وطنيًا فلسطينيًا
بامتياز، حيث يحيي الشعب الفلسطيني على امتداد فلسطين التاريخية هذا اليوم بوقفات احتجاجية
على العدوان الصهيوني، مرددين الأناشيد الفلسطينية التي تدل على الصمود والتحدي، ورافعين
شعارات تطالب بوقف الاستيطان الإسرائيلي ونشاطات مصادرة الأراضي.
لم يقتصر الاحتفال على الأراضي الفلسطينية
فقط، بل يشارك في إحياء الذكرى فلسطينو العالم أجمع، حيث أحيت الجالية الفلسطينية والمنظمات
الشعبية الفلسطينية في اليونان ذكرى «يوم الأرض» الجمعة الماضية؛ في حفل خطابي وفني
كبير في أثينا بمشاركة الجالية الفلسطينية في سالونيك والسفير الفلسطيني في اليونان،
مروان طوباسي، والرئيس الفخري للجالية الفلسطينية، سهيل صباغ، شهد الحفل تمثيلا عالي
المستوى من الحكومة اليونانية ممثلة في وزارة الخارجية.
قال الدكتور محمد عصمت سيف الدولة، المتخصص
في الشأن القومى العربي ورئيس حركة ثوار ضد الصهيونية، إنه رغم مرور نحو قرن على بداية
المشروع الصهيوني، وما يقرب من ٧٠ عاما على النكبة، و٥٠ عاما على النكسة، و40 عاما
على كامب ديفيد، وحوالي ربع قرن على أوسلو ووادى عربة، و١٥ عاما على مبادرة السلام
العربية، ورغم كل الدعم الدولي والأمريكي بالسلاح والأموال، لكن ستظل هذه الأرض الطيبة
من نهرها إلى بحرها، تسمى فلسطين، وليس إسرائيل.
وأضاف سيف الدلة: «لا فرق بين رام الله
وغزة، وبين تل أبيب ويافا وعكا، وستظل أرضا عربية، وسيظل الكيان والاحتلال الصهيونى
باطلا وغير مشروع،فمنذ قيام المشروع الاستيطاني العنصري والأمة العربية، وفى مقدمتها
الشعب الفلسطين لم يكفوا عن المقاومة يوما واحدا، فالأرض العربية مع شعبها تلفظ هذا
الكيان الغريب منذ نشأ»، متابعا: «رغم أن المشروع الصهيوني تلقى كل الدعم على امتداد
قرن كامل من الزمان، لم يستطع أن ينال اعتراف الشعوب العربية، ولم يستطع أن يحافظ على
أمنه ووجوده إلا داخل جدران عازلة وفى حماية القوى الكبرى، فكيان مثل ذلك، مصيره الزوال».
وأوضح رئيس حركة ثوار ضد الصهيونية، أن
يوم الأرض يأتى هذا العام بالتزامن مع جولة جديدة من جولات نضال الشعب الفلسطينى، الذى
فجر انتفاضته الثالثة منذ ستة أشهر، قدم فيها ما يقرب من ٢٠٠ شهيد ثلثهم من الأطفال،
ولم تنجح قوات الاحتلال بكل ماكينتها العسكرية فى إجهاضها أو هزيمتها، ما يستوجب التحية
للشعب الفلسطيني، الذى نفخر أننا ننتمي وإياه إلى أمة واحدة.
وتابع: «أما عن الأنظمة العربية والحكام
العرب الذين تخلوا عن فلسطين وباعوا قضيتها وتصالحوا وطبعوها وتحالفوا مع إسرائيل فى
حماية ورعاية الولايات المتحدة الامريكية، ويشاركون العدو فى فرض الحصار على المقاومة
الفلسطينية، ويطالبون بنزع سلاحها، هؤلاء لا وطنية ولا عروبة ولا عقيدة ولا أخلاق لهم،
ولن تنفعهم كل أشكال القوى والدول والدعم الدولى يوم تنجح الشعوب فى استكمال واسترداد
ثوراتها عليهم».
واستطرد: «النظام المصري بقيادة الرئيس
السيسي، وصل بالعلاقات المصرية الإسرائيلية إلى حميمية وتعاون وتحالف وتنسيق غير مسبوق،
لذا أسمي عصره بالذهبي للعلاقات المصرية الإسرائيلية، بعدما شهد إغلاق معبر رفح مع
هدم الأنفاق فى ذات الوقت، وإخلاء المنطقة الحدودية من السكان لإقامة المنطقة العازلة،
التي طالما طالبت بها إسرائيل ورفضها الرئيس المخلوع حسني مبارك، بالإضافة إلى انحيازه
لإسرائيل فى عدوانها على غزة عام ٢٠١٤، ومطالبته العرب بتوسيع السلام مع الكيان الصهيوني،
والتوسط لدى إسرائيل من أجل استئناف المساعدات الأمريكية العسكرية لمصر، وإعادة فتح
السفارة الذي أغلقها ثوار يناير، وتصريحاته أن السلام مع إسرائيل أصبح فى وجدان كل
المصريين، وأقواله إن نتنياهو له قدرات جبارة تؤهله لتطوير المنطقة والعالم، وتفهمه
للمخاوف الإسرائيلية من الاتفاق النووى الإيرانى».
وأكد سيف الدولة أن كل ماسبق يكشف الوضع
البائس، الذي وصلت إليه قضية فلسطين في مصر، مخاطبا القوى الوطنية المصرية التى كانت
تناضل على الدوام ضد إسرائيل والتطبيع وكامب ديفيد، وتلتزم الصمت اليوم تجاه ما يجرى
من تقارب مصرى إسرائيلى وشيطنة كل ما هو فلسطينى، والامتناع تماما عن أي دعم أو حتى
كلمة تشجيع للانتفاضة الفلسطينية: ماذا حدث لكم؟، الحقائق التاريخية والحقوق والثوابت
الوطنية والعربية والفلسطينية لم تتغير، والكيان والاحتلال الصهيونى والاحتلال لا يزال
قائما، والمقاومة الفلسطينية لم تتوقف ونظام كامب ديفيد لم يتغير، بل انتم من تغيرتم،
ولو لم تراجعوا أنفسكم فإن الأرض الطيبة فى مصر ستفرز بدائلكم، جيل وطنى جديد يعشق
فلسطين لا يهادن إسرائيل ولا يُمالئ وينافق نظام كامب ديفيد، يتصدى لإحياء واستعادة
وقيادة ومواصلة النضال الوطني المصري ضد المشروع الأمريكى الصهيوني فى مصر والمنطقة.
المصدر: البديل