46 عامًا على إحراق الأقصى
بقلم: أيمن أبو ناهية
تحل الذكرى الـ(46) لجريمة إحراق المسجد الأقصى، ولا تزال
الجريمة تحفر في الأذهان ذكرى أليمة في تاريخ الأمة المثخن بالجراح، وستظل وصمة عار
إلى الأبد على جبين مرتكبيها.
ففي 21/8/1969م أحرق الإرهابي المتطرف (دينيس مايكل) بدعم
من العصابات اليهودية المتطرفة المسجد الأقصى المبارك، في جريمة من أكثر الجرائم إيلامًا
بحق الأمة وبحق مقدساتها.
ويا للأسف!، تمر هذه الذكرى مرور الكرام على الكثير من وسائل
الإعلام؛ فمنهم من يتجاوزها، ومنهم من يذكرها على استحياء، ومنهم من يتعامل معها على
أنها عنصر تاريخي وإعلام وثائقي، وقليل من يتعامل معها على أنها واقع وظلم واعتداء
على دور عبادة حرمتها الأديان، وقد آن الأوان لإبراز هذه المناسبة عالميًّا بمعارض
ومتاحف وإصدارات إعلامية؛ ليعرف العالم حقيقة ذلك الوجود المصطنع (إسرائيل)، وظلمه
وجوره.
المجرم الأسترالي (دينيس مايكل) أشعل النيران في المسجد الأقصى،
فأتت ألسنة اللهب المتصاعدة على أثاث المسجد المبارك وجدرانه ومنبر صلاح الدين الأيوبي،
ذلك المنبر التاريخي الذي أعده القائد صلاح الدين لإلقاء خطبه من فوقه، بعد انتصاره
وتحريره لبيت المقدس، وأتت النيران على مسجد عمر بن الخطاب ومحراب زكريا، ومقام الأربعين،
وثلاثة أروقة ممتدة من الجنوب إلى الشمال داخل المسجد الأقصى.
بلغت المساحة المحترقة من المسجد الأقصى أكثر من ثلث مساحته
الإجمالية، وأحدثت النيران ضررًا كبيرًا في بناء المسجد الأقصى وأعمدته وأقواسه وزخرفته
القديمة، وسقط سقف المسجد على الأرض نتيجة الاحتراق، وسقط عمودان رئيسان مع القوس الحامل
للقبة، وتضررت أجزاء من القبة الداخلية المزخرفة والمحراب والجدران الجنوبية، وتحطم
48 شباكًا من شبابيك المسجد المصنوعة من الجبس والزجاج الملون، واحترق السجاد وكثير
من الزخارف والآيات القرآنية.
وقد كانت جريمة إحراق المسجد الأقصى من أبشع الاعتداءات بحق
الحرم القدسي، وكانت خطوة تهويدية فعلية تمهيدًا لبناء الهيكل اليهودي المزعوم مكان
المسجد الأقصى، وكانت الكارثة الحقيقية والصدمة التي أعقبت هذا الاعتداء الآثم أن برأت
محاكم الكيان المجرم الأسترالي بحجة أنه مختل عقليًّا ثم أطلقت سراحه دون أن ينال أي
عقوبة أو إدانة.
الدلائل وآثار الحريق كانت تشير إلى تورط مجموعة كاملة في
الجريمة، لكن سلطات الاحتلال لم تجر تحقيقًا في الحادث، ولم تحمل أحدًا مسؤولية ما
حدث، وأغلقت ملف القضية وكأن الأمر كان مقصودًا، بدليل أن بلدية الاحتلال في القدس
قطعت المياه في يوم الحريق عن المسجد الأقصى، وذلك للحيلولة دون تمكن المصلين والأهالي
من إطفاء الحريق الذي التهمت نيرانه أكباد الملايين من المسلمين قبل أن تلتهم جدران
وخشب وفراش المسجد المبارك.
هذه الجريمة غيض من فيض من جرائم المستوطنين المتطرفين التي
لا تعد ولا تحصى ضد الأقصى والمقدسات العربية، لكنها الكبرى؛ فإحراق أولى القبلتين
ثالث الحرمين تعد حربًا على الإسلام والمسلمين، وليست على الفلسطينيين فقط، بهدف بناء
الهيكل المزعوم على أنقاضه لإزالته والتخلص منه كليًّا، فقبل جريمة إحراق المسجد الأقصى
بأقل من عام تقريبًا في 16/6/1968م نشرت جريدة (نيويورك تايمز) الأمريكية بيان لجنة
صهيون ومعه خريطة للقدس القديمة، أخفي منها المسجد الأقصى وقبة الصخرة، وظهر مكانهما
ميدان الهيكل، وهكذا بدأت نوايا الصهاينة نحو الأقصى تبرز على السطح في محاولة لتحقيق
أحلام توراتية قديمة في إقامة الهيكل على غرار هيكل سليمان مكان المسجد الأقصى، وهذا
إن دل على شيء فإنما يدل على أن جريمة إحراق المسجد الأقصى كانت مبيتة للتخلص من أول
قبلة للمسلمين.
المصدر: فلسطين أون لاين