القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي
الإثنين 25 تشرين الثاني 2024

64 عاماً على النكبة الفلسطينية

64 عاماً على النكبة الفلسطينية

بقلم: د. عبدالله تركماني*

شكلت نكبة فلسطين في العام 1948 محطة سوداء في التاريخ العالمي المعاصر: فمن جهة، تم طرد الفلسطينيين من وطنهم وجُرّدوا من أملاكهم. ومن جهة ثانية، تشردوا في بقاع الأرض لمواجهة أصناف المعاناة والويلات كافة.

ومما يؤسف له، فإنّ المشهد الفلسطيني الراهن يمثل نكبة جديدة، ويعبّر عن أزمة وطنية متعددة الأوجه، للعدو الإسرائيلي دور أساسي في خلقها وتعميقها ولكن للفلسطينيين مسؤولية أساسية فيما آل إليه هذا المشهد، وعليهم مواجهة هذه الأزمة، عبر آلية حوار وطني جدي يشارك فيه الكل ويتحمل مسؤولياته التاريخية والمصيرية تجاه شعبه. فعلى الفصائل الفلسطينية ألا تتحفنا فقط بمهرجانات وفعاليات النكبة، وما يرافقها من شعارات وخطب رنانة، بل عليها النهوض بالواقع الفلسطيني المؤلم والمأزوم. ولا يكون ذلك سوى بمراجعة شاملة لتحديد جوانب القصور والخطأ لمعالجتها، وتحمّل المسؤولية عما وقع من خطايا.

ومن جهة أخرى، فإن الفكر السياسي العربي، خاصة بعد ربيع الثورات العربية، بحاجة ماسة للتأسيس لوعي جديد وشامل للنكبة، لأسبابها ونتائجها كما لكيفية تجاوزها، وعياً يمكّننا من العودة للانخراط في التاريخ الواقعي، الذي لا يتأسس على النسيان وتغييب الذاكرة. خاصة بعد أن أُحيل فعل النكبة، على الأغلب، إلى عملية مؤامرة على العرب، أو إلى جهود أطراف خارجية، أو إلى فرص أضاعها العرب. فعلى مدى السنوات الماضية ونحن نحيي ذكرى النكبة، والإسرائيليون يحيون ما يسمونه بـ 'الاستقلال'، هم يتقدمون ويزدادون توسعاً وقوة، ونحن نتراجع ونزداد ضعفاً وتفرقاً، وتمر السنوات وتتكرر المشاهد عاماً بعد عام، نكاد لا نتعلم شيئاً ولا نبحث عن نقاط القوة والضعف... وظلت الخطابات.

وبالرغم من ذلك، لم تتمكن كل أدوات الضغط على العرب أن تجعل من إسرائيل دولة مقبولة ومندمجة في المنطقة، فحالة العداء لم تسقط، والتطبيع لم يحصل، وحالة النسيان لم تتحقق. وما زاد من صعوبة الموقف بالنسبة للمشروع الصهيوني أنه أخفق في جذب الكم الأغلب من يهود العالم للعيش في فلسطين المحتلة، وجيش الاحتلال بات من النوع الذي يُقهر، وسقطت الدعاية الصهيونية التي حاولت إرهاب العرب والفلسطينيين بترويج مقولة التفوق النوعي للجيش الإسرائيلي.

ولعل العلامة الأبرز في إمكانية استعادة الحقوق الفلسطينية هو فشل الصهاينة في كسر إرادة الشعب الفلسطيني، فلقد تجذرت ثقافة الارتباط بالوطن من قبل أبناء الشعب الفلسطيني، ومثالها الصارخ فلسطينيو الداخل الفلسطيني المحتل سنة 1948 والإضراب الشامل للأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية، الذين أزعجوا المشروع الصهيوني بتمسكهم بالبقاء في فلسطين وعدم التخلّي عنها.

كما ثمة تحليلات إسرائيلية تشير إلى أنّ "إسرائيل" تسير نحو الانشقاق، نتيجة التناقضات التي نشأت معها منذ قيامها، لاسيما بين المتدينين والعلمانيين، واليهود الشرقيين والغربيين، والقوميين المتعصبين والليبراليين. بل أنّ بعض دعاة السلام الإسرائيليين، من أمثال جدعون ليفي، يصفون إسرائيل بأنها 'دولة احتلال' و بـ 'الدولة القاتلة'.

ومما يؤسف له أنّ أغلب القوى الفلسطينية لم تدرك أنّ النجاح الكامل للمشروع الصهيوني لم يكتمل بعد، على رغم مضي أكثر من ستة عقود من الزمن على وقوع النكبة، فمازال يواصل عدوانه على الشعب الفلسطيني، الذي لم يركع ولم يستسلم للوقائع التي حققتها "إسرائيل" وفرضتها نتائج النكبة المؤلمة، ومازال يخوض نضاله الدؤوب من أجل تحقيق أهدافه في إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس.

إنّ تاريخ المنطقة هو تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي ومتغيراته، هذا ما كان حتى اللحظة وما سيكون إلى مستقبل آت طويل نسبياً، فآليات ومسارات ونتائج هذا الصراع، في فصوله الجديدة وتوازناته، تؤسس للمستقبل على المدى المباشر والمتوسط والطويل.

لقد حان الوقت للانتهاء من آثار سنوات ثقيلة على العرب، إذ أصبح يتعين علينا أن نقف، بموضوعية وواقعية، أمام روح العصر شركاء فاعلين فيه لا متفرجين سلبيين عليه. إذ آن الأوان لكي يعكس العرب إمكانياتهم الحقيقية على سياساتهم، حتى لا يعود من جديد شبح ذلك الماضي الكئيب ليطل على الأمة من جديد، وكي يتمكن الشعب الفلسطيني من نيل حريته واستقلاله وبناء دولته المستقلة القابلة للحياة، وعودة الجولان المحتل إلى سورية، واستكمال تحرير مزارع شبعا اللبنانية.

* كاتب وباحث سوري مقيم في تونس

المصدر: صحيفة القدس العربي اللندنية