القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي
السبت 23 تشرين الثاني 2024

المصالحة الفلسطينية لبنانياً: البيت الداخلي والحوار مع الحكومة

عندما تسحب «مصر الجديدة» البساط من تحت أقدام تركيا والأردن
المصالحة الفلسطينية لبنانياً: البيت الداخلي والحوار مع الحكومة
عمار نعمة – السفير
الخميس، 12 أيار، 2011

تكثر الأسئلة في اللحظة الراهنة حول المصالحة الفلسطينية بين حركتي «حماس» و«فتح»، برعاية القاهرة، ذلك أن الخلاف العميق على الثوابت من جهة والتفاصيل الداخلية من جهة ثانية، إضافة إلى واقع أزمة الثقة منذ سنوات طويلة بين الجانبين، ناهيك عن الضغط الدولي، والحصار الإسرائيلي على السلطة الفلسطينية، تشكل جميعها عوامل لا تؤشر إلى ردم سريع للفجوة القائمة بين الطرفين.

مثلت مبادرة القاهرة بارقة أمل، في ظل الحاجة الماسة بالنسبة إلى الطرفين لتحقيق خرق في واقع الجمود الحالي، فكانت فرصة بدا للجميع أن الوقت حان لمحاولة استثمارها.

والحال ان ثمة عوامل عدة أدت بالطرفين الفلسطينيين الأكبر على الساحة الى التوصل لهذا الاتفاق، حسب مصادر متابعة، وهذه العوامل هي التالية:

أولا، التغيير المصري، أو ما يطلقه البعض من تسمية «مصر الجديدة» على الواقع المصري بعد سقوط نظام حسني مبارك الذي كان يقف حائلاً دون أي تقدم على هذا الصعيد، لا بل انه كان يؤدي دوراً سلبياً بالتضييق على المقاومة في فلسطين بالتواطؤ مع الحكومة الإسرائيلية، لا بل انه تجاوزها في بعض الأحيان.

من هنا، استعادت مصر، حسب الأوساط، دورها العربي في المنطقة، واذ يمثل رفع الحصار عن قطاع غزة الهدف الحالي الأهم، اضافة الى الرغبة المصرية في المساهمة في إعادة الإعمار، فإن القاهرة، في المقابل، كانت تود مساعدة الفلسطينيين لأنفسهم لتحقيق المصالحة، وهو ما تحقق.

ثانياً، جمود عملية التسوية وتراجع الرئيس الأميركي باراك أوباما عن اندفاعته على هذا الصعيد في ظل التعنت الكبير للحكومة الإسرائيلية اليمينية، بينما تنشغل الإدارة الأميركية هذه الايام بالثورات العربية والمستنقع الأفغاني والمأزق العراقي، ناهيك عن استيعاب آثار اغتيال زعيم تنظيم «القاعدة» أسامة بن لادن.

ثالثاً، حاجة كل من «فتح» و«حماس» الى هذا الاتفاق، وتراجع الاولى عن شروطها التي كانت قد وضعتها على اية مصالحة من هذا النوع خلال لقاء دمشق في أيلول الماضي، خاصة على صعيد الملف الأمني وإعادة بناء «منظمة التحرير الفلسطينية». كما أن «فتح»، في ظل تخلي الإدارة الأميركية عن مسؤولياتها، باتت ذات مصلحة وفي حاجة الى الوحدة الفلسطينية.

رابعاً، الحراك الشعبي الفلسطيني، الداخلي خاصة، المندفع في ظل اجواء الثورات العربية، للضغط على القطبين الرئيسيين على الساحة للشروع في الحوار والمصالحة.

خامساً، قوة الدفع السورية، حيث كان الرئيس السوري بشار الأسد، على الرغم من انشغاله بالتطورات الداخلية في سوريا، مشجعاً وحاضناً لكل مسار المصالحة الفلسطينية.

والواقع ان الاولوية بالنسبة الى القاهرة منذ انتصار الثورة، تمثلت في الالتفات الى عملية البناء الداخلي، قبيل التصدي لتحديات السياسة الخارجية، وربما هذا ما يفسر تراجع القاهرة قبل مدة وجيزة عن اندفاعتها على صعيد التقريب في وجهات نظر الفلسطينيين، لكن، حسب الأوساط، فإن مصر، التي لحظت تدخلاً إقليمياً على خط المصالحة، وتحديداً من الأردن وتركيا، قامت باستضافة المفاوضين الفلسطينيين وعملت طيلة ايام على التقريب بين وجهات النظر للتوصل الى الاتفاق، لكن بعد تلقي وعود جدية من «فتح» و«حماس» بعدم إفشال دور القاهرة.

على أن هذا الاتفاق لا يبدو انه حصل على إجماع فتحاوي في الأراضي المحتلة، إذ ثمة أوساط فلسطينية ذات ارتباطات أمنية وخارجية، تعارض الاتفاق وأي تقارب فلسطيني، وهي تخشى من انعكاس اتفاق كهذا على مصالحها، وان كانت ما تزال تشكل أقلية على الساحة الفلسطينية وعاجزة عن إعاقة التقارب الحاصل.

لكن ماذا عن مستقبل الاتفاق؟

تشير أوساط متابعة الى أن الطرفين يحتفظان بنية إنجاح اتفاق القاهرة، وبالطبع لكل منهما حساباته، ومن المنتظر، حسب الورقة المصرية وملحقها، تشكيل إطار قيادي للفصائل الفلسطينية يضم الأمناء العامين، من شأنه، بالاشتراك مع اللجنة التنفيذية للمنظمة، الاتفاق على التشكيلة التي ستخرج بها المنظمة، بالإجماع، والتي ستؤول اليها مسؤولية الملف السياسي وليس أية حكومة فلسطينية ستشكل في الفترة الزمنية الفاصلة المتفق عليها لإعادة تشكيل المنظمة، والتي تقرر ان لا تتجاوز العام، على ان يتم بعدها تشكيل مجلس وطني فلسطيني في الداخل والشتات، إضافة الى مؤسسات أخرى.

أما عن المدة الزمنية، فتشير الأوساط الى الاتفاق على شهر أيار من العام المقبل.

كيف سينعكس الاتفاق الحالي على الساحة الفلسطينية في لبنان؟

من المنتظر ان تترجم آلية التقارب بين «فتح» و«حماس» على الشتات الفلسطيني في مخيمات لبنان، بحيث يعكس الاطار القيادي المتفق عليه بين التنظيمين نفسه على إطار مشابه قرر الطرفان تشكيله في لبنان. ومن اجل ذلك تجري اجتماعات حوارية بين التنظيمين، اذ من المعروف ان «فتح» تنضوي في اطار قيادة المنظمة بينما تتقدم «حماس» صفوف «تحالف القوى الفلسطينية» مع فصائل أخرى لا حضور لها في منظمة التحرير.

ويهدف هذا الحوار الى ترتيب البيت الفلسطيني في لبنان وتشكيل وفد موحد لمفاوضة الحكومة اللبنانية، تلك المفاوضات المتعثرة منذ العام 2006 نتيجة الخلافات على تشكيلة الوفد الفلسطيني لمحاورة الحكومة اللبنانية، كما ان الحوار يهدف الى اعادة تشكيل اللجان الشعبية في المخيمات تمهيداً لانتخاب أعضاء المجلس الوطني الفلسطيني في لبنان.

على ان المفارقة اليوم تتبدى في توصل الفلسطينيين الى اتفاق في ما بينهم لمحاورة السلطات اللبنانية، بعد سنوات من شكوى لبنانية من الخلافات بين «فتح» و«حماس»، أما اليوم، فيبدو ان الفلسطينيين هم الطرف الذي سينتظر اللبنانيين طويلاً قبل تشكيل حكومتهم، والتي قد يحمل تأخيرها تضاؤلاً لفرصة محققة اليوم للحوار بين لبنان والفلسطينيين... الا اذا أثمرت قوة الدفع الداخلية والخارجية في الساعات الأخيرة تفاهماً على تشكيل الحكومة الميقاتية، وعندها تصبح الكرة مجدداً في ملعب الجانب الفلسطيني.