القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي
الجمعة 29 تشرين الثاني 2024

من دمر غزة ينبغي أن يعيد إعمارها

من دمر غزة ينبغي أن يعيد إعمارها

بقلم: د. خليل قطاطو

من المقرر ان يعقد في القاهرة في الثاني عشر من تشرين الاول/ اكتوبر الجاري مؤتمر المانحين لإعمار غزة بحضور سبعين دولة ومنظمة ومؤسسة مالية عربية ودولية. ربما سقطت إسرائيل عفوا من قائمة المدعوين، أو ربما اعتذرت عن الحضور لضيق ذات اليد! أو ربما لم تكن أصلا في قائمة المدعوين! هذا خطأ لا يغتفر من اللجنة المشرفة على تنظيم هذا المؤتمر.

كان يجب ان تكون إسرائيل على رأس قائمة المدعوين، لا ينافسها على رأس القائمة سوى الولايات المتحدة الأمريكية، والسبب بسيط ومنطقي جدا وهو ان إسرائيل هي التي دمرت غزة وبالتالي يصبح بديهيا ان تقوم بإعمار ما اقترفته يداها، أو طائراتها وصواريخها ومدفعياتها ودباباتها. وأمريكا هي التي موّلت هذه الحرب عندما قدمت لإسرائيل ربع مليار دولار بدل ذخائر استهلكت اثناء الحرب. طبعا هذا عدا ما تقدمه أمريكا بشكل روتيني لإسرائيل من أموال تقدر بـ 3 مليارات دولار سنويا إلى جانب المنح الاقتصادية والعسكرية والتقنية التي لا تعد ولا تحصى، وتكاليف القبة الحديدية وصيانتها وتطويرها. إذن أمريكا وإسرائيل اولى بهما ان يدفعا تكاليف الدمار الذي اقترفتا بحق غزة وأهلها.

دول عربية وأجنبية، خاصة الدول الاسكندنافية ستدفع جزءا من تكاليف إعادة الإعمار. الدمار هائل ويقدر الخبراء الاقتصاديون كلفة الإعمار بحد أدنى يقدر هو 6 مليارات دولار وحد أقصى يتجاوز هو 8 مليارات دولار. ألا يعني هذا رسالة بسيطة من الجميع لإسرائيل: دمري كما شئت ولاحقا سندفع الفاتورة مثلما حصل في حربي غزة 2008 و2012؟ ألا يعني هذا دعوة إلى عدوان جديد في بضع سنين؟

لو كان مجلس الأمن مجلسا عادلا لا يسيطر عليه الخمسة الكبار لكان من المنطق ان يلزم إسرائيل بإعادة الإعمار، أو بالاصح تعويض الفلسطينيين عما لحق بهم من الأذى. إسرائيل لا تملك هذه المليارات، انها تملك فقط، مهمة التدمير، وأمريكا تملك مهمة تمويل التدمير، وعليه فعلى من دمر وموّل مهمة إعادة الأمور إلى ما كانت عليه. ولو افترضنا ان العالم مثالي جدا وطالب الفلسطينيون بتعويضات عما نالهم من التدمير والتشريد والقتل ومصادرة الأراضي والأملاك وألزمت إسرائيل دوليا بتريليونات الدولارات لأفلست أمريكا وبنوكها قبل ان تستطيع دفع نسبة يسيرة جدا من هذه الأموال، وستكتشف أمريكا ان إسرائيل تمثل عبئا ماليا كبيرا عليها، ناهيك عن العبء الأخلاقي لو كان لأمريكا هذه ضمير، حتى كان مستترا.

الإشاعات تقول إن إحدى الدول العربية تعهدت لإسرائيل بدفع تكاليف الحرب على غزة إذا هي قضت على حماس وحركات المقاومة الأخرى. الخبيثون يقولون ان هذه الدولة تنصلت من الدفع لإسرائيل لأن حماس بقيت حية، وإسرائيل تصر على انها أتمت المهمة بانها دمرت نصف غزة وتستحق ان تف هذه الدولة الصديقة بوعدها، لأن وعد « الحر « دين عليه. ما زالت المباحثات الودية السرية بينهما مستمرة ولن يعكّرها مبلغ تافه يقّدر ببضعة مليارات دولار، ما زال الطرفان يحتفلان ويشربان نخب تدمير غزة . إسرائيل ستغيب عن المؤتمر ولكن هذه الدولة العربية ستكون حاضرة وستدفع جزءا من تكاليف الإعمار، وربما سيطلق اسم هذه الدولة أو أحد قادتها على أحد أحياء غزة عرفانا بالجميل وعفا الله عما سلف! ربما

الدول العربية الغنيّة كريمة جدا عندما تعرضت أمريكا إلى أعاصير مدمرة مثل كاترينا، وساندي انهالت المليارات عليها من كل حدب وصوب، ونحن هنا لسنا بصدد التفريق بين كارثة إنسانية وأخرى، ولكن أليس الاعصار الإسرائيلي الذي ضرب غزة يستحق مليارات منهم لا بضعة ملايين يدفعونها وهم كارهون. إسرائيل ملزمة أخلاقيا (هل بقي من الأخلاق شيء في هذا العالم المنافق؟) بتعويض أهل غزة عن الدمار والخسائر المادية، أما الخسائر البشرية من الشهداء والجرحى والمعاقين فهذه لا تعوّض بمليارات أو تريليونات الدنيا كلها. الدم الفلسطيني غال، غال جدا.

نتمنى ان يكون هذا آخر المؤتمرات لإعمار غزة، كفاها دمارا، ولكن غزة أسطورة كطائر الفينيق (العنقاء، فينكس) الذي يبعث حيا، بعد ان يحترق، من الرماد، بعد ان يكمل بناء عشّه على قمة نخلة تطاول السماء، يعود دوما حيا، أقوى وأجمل.

٭ كاتب فلسطيني

المصدر: القدس العربي