القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي
الإثنين 25 تشرين الثاني 2024

مسيرة وداع مهيبة قلما شهدت طرق المخيم نظيراً لها

مسيرة وداع مهيبة قلما شهدت طرق المخيم نظيراً لها

الثلاثاء، 17 أيار، 2011
محمد صالح - السفير

أعاد الشهداء الذين سقطوا في ذكرى «النكبة» على الحدود اللبنانية الفلسطينية في مارون الراس أول من أمس، عماد أبو شقرا، وعبد الرحمن سعيد صبحة، ومحمد ابراهيم أبو شليح (من المية ومية)، مخيم عين الحلوة أمس إلى موقعه الصحيح بعدما كادت بوصلة فلسطين تضيع بين أزقته وحاراته الضيقة. بتلك الشهادة أعيد النبض الوطني إلى أكبر مخيمات الشتات الفلسطيني في لبنان. وتذكر أبناء المخيم كبارا وصغارا أيام الزمن الجميل، عندما كان الشهداء يسقطون من أجل فلسطين برصاص قوات الاحتلال الاسرائيلي في الجنوب، وفي أي مكان يوجد فيه الــعدو الإسرائيلي.

خرج مخيم عين الحلوة أمس، عن بكرة أبيه، بشيبه قبل شبابه، مع النساء والأطفال لوداع الشهداء الثلاثة. ونعت القوى الوطنية والإسلامية اللبنانية والفلسطينية في منطقة صيدا، وعموم أهالي مخيمي عين الحلوة والمية ومية الشهداء. ووصفتهم بأنهم «شهداء الأمة العربية والاسلامية». وكان يوجد شبه إجماع وطني لبناني فلسطيني، على إقامة تشييع صيداوي لبناني وفلسطيني وطني للثلاثة في مدينة صيدا، انطلاقا من «مسجد الشهداء» في «ساحة الشهداء»، قبل الانتقال إلى مخيم عين الحلوة. إلا أن الفكرة ألغيت مع ساعات الصباح الأولى.

ولبس المخيم ثياب الحداد، ورفع الرايات السود وأعلام فلسطين. وأذيعت من مكبرات الصوت الآيات القرآنية، والأناشيد الوطنية، وسط إضراب عام، وإقفــال تام شمل كافة المؤسسات التربوية والصحية، بما فيها المدارس، ووكــــالة «الاونروا»، والمحال التـــجارية، وأسواق البيع بالجـــملة والمفرق.

وكان جثمان الشهيد عماد أبو شقرا (17 عاما، ويعمل مياوما) قد سجي في منزله المتواضع في حي البركسات الضيق في المخيم. وتحلقت أمه وأشقاؤه حول جثمانه. وراحوا يقبلونه ويلقون نظرة الوداع الأخيرة عليه، بحيث أغمي على والدته أكثر من مرة، خلال نحيبها وصراخها على فراق ابنها. كما كانت النسوة يزغردن للشهيد. ورددن أهازيج فلسطينية بصوت الحداء الجماعي «للعريس» و»للشاب» و»لفلسطين» و»لا اله الا الله والشهيد حبيب الله». وأكد شقيقه محمد أنه كان بجانبه لحظة استشهاده قرب الشريط الشائك على الحدود مع فلسطين. وقال: «لقد انفعل عماد وراح يرشق جنود العدو بالحجارة، وتقدم بحماسة وبانفعال عندما شاهد تراب الوطن، وأكثر من رمي الحجارة. وكان يردد: الله أكبر.. ونموت وتحيا فلسطين». أضاف: وما هي إلا لحظات حتى أصيب عماد في كتفه برصاص العدو، الذي أكمل عليه وأصابه برصاصة ثانية جاءت في قلبه مباشرة، فوقع على الأرض وكانت الدماء تسيل من صدره، فحملته أنا ومجموعة من الشباب إلا أنه فارق الحياة».

وفي حي الصفصاف، سجى جثمان الشهيد عبد الرحمن سعيد صبحة (21 عاما، ويعمل مياوما)، وقد تكفل شباب من الحي بتكفينه وجلهم من الملتحين الإسلاميين، مع أشقائه الأربعة، الذين يعتبرون أن استشهاده مفخره لعائلته ولهم ولفلسطين. وقد تم وضع عصبة فوق جبينه كتب عليها «لا إله الا الله محمد رسول الله» وبعد اتمام التكفين تم السماح لأشقائه وأصدقائه وأولاد الحي بإلقاء نظرة الوداع الاخيرة عليه. ثم وضع الجثمان أمام والدته وشقيقاته والنسوة، حيث ارتفع الصراخ مع البكاء والعويل وسمعت والدته تبكيه، فيما رددت النسوة خلفها أهازيج فلسطينية مصحوبة مع الزغاريد «يبني وين أزفك. يبني وين أحطك. يبني وين أشوفك. يبني عاحدود فلـــسطين ح زفك. يا شهيد ح زفك كل يــوم. وحا شوفك كل يوم. بفلسطين كل يـوم».

رفيق الشهيد صبحة، الجريح محمود الخطيب، كان أصيب برصاصة في يده خلال مواجهة مارون الراس، قدم «للمشاركة في تشييع ووداع صديقي الأعز»، حيث أكد أنه شاهد سعيد لحظة استشهاده. وقال: «لقد تمكن الشهيد سعيد من اقتحام الشريط الشائك الأول، وأصبح داخل الحدود مع فلسطين. وهمّ في الاقتراب من الشريط الثاني. وما إن بادر لقطع المسافة، حتى جاءته رصاصة في قلبه فوقع على الأرض وراح يصرخ الله أكبر. وما هي إلا لحظات حتى صمت، وأدركنا أنه لفظ أنفاسه واستشتهد». يضيف: «قررنا سحب جثته من داخل السياج، وعمدنا إلى إلهاء جنود العدو، وانقسمنا إلى أكثر من مجموعة من بينها مجموعة تلقي الحجارة بكثافة وفي كل اتجاه، ومجموعة تعمل على سحب جثة الشهيد من داخل السياج. وهكذا كان. وأصبت أنا في يدي وكمّلت المهمة مع غيري من الشبان حتى تمكنا من إخراجه».

وكذلك الأمر بالنسبة للشهيد محمد إبراهيم أبو شليح الذي نقلت جثته من مخيم المية ومية، بعدما سجي في منزل عائلته لإلقاء النظرة الأخيرة ثم نقل الى مخيم عين الحلوة. وفي عين الحلوة أقيمت الصلاة في مسجد الفاروق، على الشهيدين أبو شقرا وأبو شليح. وبعد انتهاء الصلاة خرجت جموع المحتشدين التي قدرت بعشرات الآلاف في مسيرة قلما شهد المخيم نظيراً لها. وقد امتدت على طول الشارع الفوقاني من مسجد الفاروق حتى مقبرة المخيم في درب السيم، حيث حملت النعوش على الأكفّ. وكانت أشبه بعرس جماعي، تخللها إطلاق زخات رصاص في الهواء من كل حدب وصوب، ومن كل أرجاء المخيم. كما تخللها هتافات منها «يا ميشال سليمان افتح حدود لبنان»، و»بدنا نقاتل بدن نموت بدنا وعلى الأقصى بدنا نفوت»، و»الشعب يريد العودة إلى فلسطين». وشارك في المسيرة السفير الفلسطيني عبد الله عبد الله، ورئيس التنظيم الشعبي الناصري أسامة سعد، وممثلون عن الفصائل والقوى الوطنية والإسلامية، واللجان الشعبية، وهيئات المجتمع المدني.