4 سنوات على حرب غزة
غزة-محمد بلّور-الرسالة نت
لا يمحو وجع الذاكرة آلام الفلسطينيين في معركة "الرصاص المصبوب" رغم تزاحم الأحداث وتلاحقها يوماً بعد يوم.
في مثل هذه الأيام من شهر كانون قبل 4 سنوات كنا نبتلع النصل ونتلقى الضربات ونشيع الضحايا ونتجرّع عجزنا .
قاطرة الضحايا سافرت 22 يوماً وتوقفت بمحطات كثيرة لتقل 1500 شهيد وأكثر من5000 جريح وآلاف المنازل المدمرة والأراضي المتضررة .
اليوم بعد 4 سنوات على ذكرى المجزرة لازالت تفاصيل الحكاية محفورة في وجه الذاكرة بقليل من الأمل بعد انتصار المقاومة في العدوان الأخير.
حرب تاريخية
في يومها الأول فاحت رائحة الشواء من لحوم الأطفال والمدنيين وهي تذوب تحت القنابل والصواريخ خاصة في الضربة الأولى التي ركّزت على المقرات الأمنية فسقط المئات وفي أيامها المتلاحقة وقعت المجازر وشردت آلاف العائلات .
ويرى المحلل السياسي طلال عوكل أن حرب غزة أو ما أسمته إسرائيل "معركة الرصاص المصبوب" شكلت انعطافاً كبيراً فهي الحرب الأولى من سنة 1967 .
ويقول: "جربت إسرائيل حرباً كاملة داخل أرض محتلة مستخدمة جميع وسائلها العسكرية موقعة آلاف الضحايا والإصابات ومدمرة آلاف المنازل".
ويشير إلى أن سنوات انتفاضة الأقصى حملت كثيراً من الضحايا والتطورات؛ لكنها لم تصل لشكل حرب 2008 إذا استخدمت إسرائيل أسلحة محرمة دولياً .
أما المحلل السياسي تيسير محيسن فيقول إن العدوان الأخير الذي أسمته إسرائيل "عامود السحاب" لم يجعل حرب غزة وحدها العلامة الفارقة رغم بشاعة الجرائم حينها .
ويضيف: "طمست الحرب الأخيرة جزءاً مما علق بالذاكرة من حرب غزة السابقة رغم علمنا أن الذاكرة تحمل الكثير منها لكن الجرائم تتابعت وتحتاج لمقاضاة الاحتلال".
ويبيّن محيسن أن المسألة بعد كل عدوان تقاس سياسياً على أنها حلقة صراع والواقع يؤكد أن العدوان لن يتوقف وهناك احتمال كبير أن الاحتلال يجهّز لعدوان جديد مستقبلاً .
الأهداف
المحظور الذي وقع في الجنوب اللبناني على يد مقاتلي حزب الله سنة 2006 فتح شهية الاحتلال لاستعادة قوة الردع وترميم المعنويات سنة 2008 في غزة فأعلن عن حرب دون التصريح بأهدافها.
ويجمع المراقبون أن أهداف عملية الرصاص المصبوب تركزت في "إسقاط حكم حماس في غزة واستعادة الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليت وتدمير قوة المقاومة واستعادة قوة الردع المفقودة في لبنان ووقف تهريب الأسلحة عبر الأنفاق" .
ويؤكد المحلل محيسن أن الاحتلال أراد خلق حالة توازن في الرعب وخوف دائم لدى الفلسطيني والمقاوم لكن الشعب وقف جبهة واحدة في تلك الحرب وأيضاً في العدوان الأخير سنة 2012 .
ويقول إن الاحتلال اخفق في أهدافه وفهم أن القوة لم تكسر المقاومة ولم تكسر إرادة الشعب الملتف حولها.
ويضيف: "فشلت أهداف الاحتلال سنة 2008 وكذلك سنة 2012 وأدرك الشعب أن مشروع المقاومة هو فقط ما يصلح لمجابهة إسرائيل والحفاظ على الكرامة وإلا يستمر مسلسل سلب الحقوق".
أما المحلل توفيق أبو شومر فيقول إن هدف عملية الرصاص المصبوب كان تطويع غزة بالكامل وتدمير المقاومة .
ويضيف: "جرت الحرب بموافقة عربي خاصة مصرية في زمن مبارك وكذلك أمريكية بموافقة بوش واستخدموا سلاح جديد كالفسفور وغيره" .
الانعكاسات
ولم تفلح كل أنواع المساحيق التي تجمّلت بها إسرائيل لإخفاء وجهها الحقيقي حين سقط القناع في عدوان 2008 وتكرر سنة 2012.
ويؤكد المحلل عوكل أن حرب 2008 أحدثت تغيراً جوهرياً في وعي المجتمع العربي والدولي نحو فلسطين فارتفعت وتيرة التضامن .
ويضيف: "صدر تقرير غولدستون لإدانة وفضح جرائم الاحتلال بحق القانون الإنساني والدولي وبدأت تشتد فعاليات كسر الحصار ووجدت إسرائيل نفسها معزولة دولياً وصورتها قبيحة" .
وحسب رؤية المحلل محيسن فإن حرب 2008 وكذلك عدوان 2012 أثبتت للشارع الفلسطيني أن المشروع السياسي وخيار التفاوض لم يحقق شيء .
ويشير أن الاحتلال ظل يمارس عدوانه دون الالتفات للمفاوضات بل زاد الاستيطان والتهويد بينما أوصلت المقاومة رسالتها بوضوح أنها الخيار الأنسب لصد العدوان .
أما على الصعيد الإسرائيلي فيؤكد المحلل أبو شومر أن فشل الحرب أطاح بحكومة أولمرت وليفني وجاء بتقارير دولية محرجة لإسرائيل .
المستفيد الأكبر كان من حرب 2008 كان رجال المقاومة التي استعدت أكثر وظهر نجاحها في عدوان 2012 حين عملت بنجاح بمعزل عن المدنيين وهذا يذكر لها –كما يقول المحلل أبو شومر .
ويتابع: "إسرائيل دولة اختبار ولا تفي بالمعاهدات لذا تحاول الاستفادة من المآزق وتسعى لإثارة الفلسطينيين ليردوا وتعرف ما هي إمكاناتهم وما هي مواقف الدول العربية من حولهم" .
أما المحلل عوكل فيؤكد أن حرب 2008 وحتى حرب 2012 أكدت للاحتلال أن حماس في غزة لا يمكن تجاوزها ولا القفز عليها .
ويعزو عوكل لجوء إسرائيل لشن عدوان سواء سنة 2008 أو 2012 إلى أبعاد أمنية واستراتيجية قد تدفعها مستقبلا في شن شكل آخر من العدوان .
ورغم أن عملية الرصاص المصبوب كبدت الفلسطينيين خسائر جسيمة على الصعد كافة؛ إلا أنها كانت المحطة الأولى للإعداد للمستقبل والتي أثبتت المقاومة فيها نجاحها في معركة "حجارة السجيل".